أفكار وآراء

مؤتمر ميونيخ للأمن بدأ متفائلا وانتهى متشائما

22 فبراير 2019
22 فبراير 2019

سمير عواد -

كان رد فعل أكثر من ستمائة مشارك بينهم 35 زعيم دولة و90 وزير خارجية ودفاع وعدد كبير من الخبراء الاستراتيجيين من مختلف أنحاء العالم واضحا على عدم رضاهم عن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما استهل مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي كلمته في مؤتمر ميونيخ للأمن يوم السبت الموافق 16 فبراير الجاري، بنقل تحيات الرئيس الأمريكي إلى المشاركين بعدما كان قد اعتذر عن المشاركة وأوفد عنه ابنته «إيفانكا» لكي تحاول تحسين صورة والدها لكن يبدو أن ذلك لم يساعد أبدا، إذ عندما قال بنس: أنقل إليكم تحيات الرئيس ترامب، صمت خمس ثوان وكان يتوقع سماع تصفيق المشاركين لكن خيم صمت تام على القاعة.. ولما لعق بنس الهزيمة، تابع كلمته التي تضمنت كما توقع المراقبون في ميونيخ، إملاءات ترامب على حلفائه في أوروبا. وإن يعبر هذا الموقف عن شيء فإنه يعبر عن تدني العلاقات بين واشنطن منذ مجيء ترامب قبل عامين وبين حلفائها في أوروبا وخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

والجدير بالذكر أن النسخة 55 لمؤتمر ميونيخ للأمن هي امتداد لظهوره في عام 1963 على شكل اجتماع غير رسمي بين عسكريين وصحفيين ألمان لتبادل الآراء حول الأزمات القائمة في أوروبا والعالم والحلول المناسبة لإنهائها وكان ذلك في زمن الحرب الباردة بين الشرق والغرب، ثم تطور هذا الاجتماع مع الوقت ليصبح أهم تجمع عالمي بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ويرأسه منذ عام 2009 السفير الألماني فولفغانغ إيشينغر، المدير العام السابق بوزارة الخارجية الألمانية وسفير ألمانيا السابق في واشنطن ولندن والذي يملك شبكة واسعة من الاتصالات مع مختلف قادة وحكومات العالم كما توفده الحكومة الألمانية في مهمات خاصة.

وسبق الافتتاح من قبل وزير الخارجية الألمانية أورسولا فون دير لاين ونظيرها البريطاني جافن انعقاد اجتماع لوزراء دفاع دول التحالف المناهض لتنظيم «داعش»، لبحث انعكاسات تهديد الرئيس الأمريكي سحب جنوده من سوريا وكان واضحا على حد قول بعض المشاركين أن هناك أسئلة كثيرة تحتاج لإجابات لكن المؤكد أن القرار لم يلق ترحيبا منهم لأنهم يعتقدون أن هذه الخطوة مبكرة لاسيما وأن تقارير أجهزة الاستخبارات الأوروبية تؤكد أن التنظيم لم ينهزم بعد رغم الخسائر البشرية العالية التي مني بها وخسارته العديد من المناطق التي كان يسيطر عليها.

وكانت هذه محاولة من حلفاء واشنطن إنقاذ النظام العالمي من الانهيار الذي يعمل ترامب بالذات على تدميره، وهو ما حذر منه السفير إيشينغر في مقابلة صحفية قبل أيام قليلة على انعقاد مؤتمر ميونيخ للأمن، وقال: إن المؤتمر لم ينعقد في تاريخه في ظل ظروف دولية شائكة وخطيرة مثل النسخة رقم 55، ومع ازدياد الأزمات والنزاعات والتهديدات الأمنية والمخاوف من وقوع حروب ومواجهات نووية والتي تبدأ بالنزاع الدائر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وبين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وبين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وبين إسرائيل وإيران، وبين روسيا وحلف شمال الأطلسي «ناتو»، بالإضافة إلى الخلافات داخل التحالف الأطلسي بين الولايات المتحدة وأبرز حلفائها الأوروبيين وفي مقدمتهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

وتوضح المواضيع التي كانت مدار بحث مؤتمر ميونيخ للأمن الذي ينعقد سنويا في شهر فبراير في فندق «بايريشين هوف» في العاصمة البافارية وسط إجراءات أمنية مشددة وتواجد ثلاثة آلاف صحفي من أنحاء العالم وآلاف من عناصر الشرطة والأمن، كم تغيرت الأوضاع الدولية.

فحين تصدر «الربيع العربي» فعاليات المؤتمر في عام 2011 كانت هذا العام: العلاقات الأطلسية المتوترة بين الولايات المتحدة وأبرز حلفائها الأوروبيين - التوتر بين حلف الناتو والاتحاد الأوروبي مع روسيا - الأوضاع المتوترة في منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك النزاع مع إيران والأزمة الخليجية والنزاع الفلسطيني/‏‏ الإسرائيلي، في هذه الأثناء لم يعد أحد في برلين يتصور أن واشنطن سوف تعود إلى رشدها بعد كل الدمار الذي ألحقه ترامب بالنظام العالمي.

وتشمل الخلافات القائمة اليوم بين واشنطن وحلفاؤها الأوروبيين التجارة وفرض رسوم جمركية على السيارات الأوروبية المصدرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والطاقة وزيادة الإنفاق على السلاح لصالح حلف الناتو. واعتبر المراقبون الكلمة التي ردت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فيها على إملاءات ترامب التي قرأها نائبه بنس على المشاركين في مؤتمر ميونيخ للأمن، وسيلة للتعبير عن رفضها لسياساته ومواقفه وخصوصا تهديده بتدمير النظام العالمي.

وكانت أوجه الخلاف واضحة ونالت ميركل تصفيقا حارا لم يحصل عليه ترامب. وإضافة إلى إعلانها رفض اعتزام ترامب فرض رسوم جمركية على السيارات الأوروبية، عارضت المستشارة الألمانية سياسته تجاه إيران وقالت: إن ألمانيا تتمسك بالاتفاقية النووية كوسيلة لتشجيع إيران على تقديم تنازلات في نزاعات إقليمية.

كما حذرت ميركل ترامب من سحب الجنود الأمريكيين من سوريا وقالت: إن هذه الخطوة سوف تؤدي إلى تعزيز نفوذ روسيا في هذا البلد. كما حذرت ميركل من خفض عدد الجنود الأمريكيين في أفغانستان إلى النصف (حاليا يوجد 14 ألف جندي أمريكي في أفغانستان) وقالت: إنه أفضل لو يتم التشاور بين واشنطن وحلفائها في مهمة أفغانستان قبل اتخاذ مثل هذا القرار. وبينما أعربت ميركل عن استعداد بلادها لزيادة إنفاقها على السلاح لتعزيز ترسانة حلف الناتو، أكدت في كلمتها على ضرورة تخصيص مبالغ ماثلة لزيادة مساعدات التنمية التي تقدمها بلادها إلى الدول النامية والأخرى التي يهددها الانهيار. ودافعت ميركل عن تأييد بلادها مشروع (نورد ستريم 2) الذي يقضي بتزود ألمانيا من روسيا بالغاز عبر أنبوب مباشر عبر بحر «الشرق» وأوضحت أنه ليس من مصلحة أوروبا تدمير كافة مصالحها مع روسيا، خاصة وأن ألمانيا بالذات تحتاج إلى كميات متزايدة من الغاز، ولهذا تعتزم بناء رصيف لاستقبال ناقلات تنقل الغاز المُسال إلى ألمانيا مما يُساعد على استيراد الغاز المُسال من الولايات المتحدة الأمريكية أيضا.

وشهد اليوم الأخير جلسة حول منطقة الشرق الأوسط تحدث فيها الشيخ محمد بن عبد الرحمن وزير خارجية دولة قطر ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. بينما أكد المسؤول القطري ضرورة إحياء دور مجلس التعاون لدول الخليج وعدم وجود بديل له، لإنهاء التوتر القائم بسبب الأزمة الخليجية، رد ظريف على اتهامات الأمريكيين والإسرائيليين وحذرهم من شن حرب ضد بلاده مؤكدا أن العواقب العكسية سيكون مردودها سيئا على العالم كله.

ومن وجهة نظر السفير إيشينغر فإن حصاد النسخة رقم 55 لمؤتمر ميونيخ للأمن كان فشلا واضحا في مناقشة حلول للنزاعات وبدلا من ذلك حاول كل بلد الدفاع عن مصالحه الخاصة وبرأي إيشينغر ليس هذا الهدف المنشود للمؤتمر، الذي تأسس لغرض الحديث عن حلول، ولذلك يرى إيشينغر أن أهداف مؤتمر ميونيخ للأمن أصبحت مهددة بشكل غير مسبوق.. وبحسب الكثير من المعلقين.. بسبب ترامب.