أفكار وآراء

الحوار بين ضفتي الخليج أساس الاستقرار

19 فبراير 2019
19 فبراير 2019

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

الاجواء في منطقة الخليج تشهد توترا غير مسبوق بين ايران من ناحية وعدد من دول الخليج، كما ان هناك الازمة الخليجية التي تدخل عامها الثاني لتضيف بعدا جديدا للتوتر وعدم الاستقرار، وهناك الكيان الإسرائيلي، وغيرها من جملة الظروف التي تقود إلى تدمير مقدرات المنطقة وادخال شعوبها في نفق مظلم.

ومن هنا تاتي اهمية دعوة الرئيس الايراني حسن روحاني بان بلاده على استعداد للحوار مع دول المنطقة ذات الخلاف مع ايران واقامة علاقات طبيعية تسهم في استقرار المنطقة، ولاشك ان السلطنة ومن خلال دبلوماسيتها النشطة تلعب دورا من خلال عدة محاور لابعاد شبح الحروب عن المنطقة، كما نجحت في ذلك في مسارات سابقة من اهمها المساعدة في التوصل الى اتفاق تاريخي نووي بين ايران والدول الغربية ومعهم الصين وروسيا وهو المخرج الذي جنب منطقة الخليج حربا مدمرة روجت لها اسرائيل كثيرا.

ومن خلال عدد من المؤتمرات الدولية الاخيرة خاصة في وارسو وميونخ تعود تل ابيب من جديد ومعها الولايات المتحده للترويج للحرب من خلال استعداء العالم ضد ايران، ومن هنا فان المتضرر الاكبر من نشوب اي حرب محتملة ستكون المنطقة ومقدرات شعوبها ولن ينجو منها احد، وسوف يكون المستفيد الاكبر هي اسرائيل والتي تريد التمدد في المنطقة والسيطرة على المنطقة العربية، بعد ان تكون قد انهكت من الحروب المتواصلة، والتي لايزال بعضها متواصلا في اليمن وليبيا وسوريا.

الحوار مع إيران

السلوك السياسي للدول كما يشير الى ذلك علماء الاستراتيجيات ينبع من خلال النظر والتوقف على تراكمات الماضي القريب وحتى البعيد ونشير هنا الى جملة من الصراعات العسكرية والحروب التي شهدتها منطقة الخليج منذ مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي وكان اكثرها قسوة وتدميرا واثارها لاتزال باقية هي الحرب بين العراق وايران والتي استمرت ثماني سنوات من عام 1980 وحتى عام 1988 ودمرت كما يقال الحرث والنسل، كما شهدت المنطقة بعد انتهاء تلك الحرب بسنتين ماساة عربية اخرى عندما اجتاحت القوات العراقية دولة الكويت واحتلالها والتي انتهت بكارثة اخرى تضررت منها العراق والكويت معا والمنطقة واقتصادياتها وتدمير جزء مهم من البيئة البحرية، وتوالت الحروب في منطقة الخليج ومنها حرب الخليج الثانية والتي انتهت بكارثة عربية اخرى وهي احتلال القوات الامريكية لاول عاصمة عربية لتتوالى الكوارث ليشهد عام 2011 حروبا اهلية في عدد من الدول العربية واخيرا الحرب المدمرة في اليمن.

ومن هنا نتحدث عن تراكم من الصراعات والحروب مما يعطي انطباعا بضرورة ايجاد اليات محددة بعيدا عن لغة الحرب في ظل التوتر بين ايران وعدد من الدول في المنطقة، لذلك فان فتح حوار جاد سوف يكون سلوكا سياسيا واقعيا فالولايات المتحدة وفي عهد ادارة ترامب تسعى الى بيع السلاح وجني المزيد من الاموال ولا تهتم بمقدرات المنطقة ونحن نتحدث عن دول اسلامية وبينها من المشتركات الكثير ووجود الخلافات في المنظور السياسي هو امر موجود، ومن هنا فان الدعوة المخلصة للحوار بين دول الخليج وايران تعد مسألة استراتيجية سوف تساعد على خلق اجواء ايجابية، اولا لمعرفة نقاط الخلاف والتوافق على حلها وايضا ايجاد علاقات تعاون تزيد من تقارب الشعوب والبعد عن الاتهامات والكراهية والتعصب المذهبي.

الحوار هو اداة حضارية وهناك نماذج في التاريخ عندما يجلس اعداء الامس على طاولة الحوار، ولاشك ان الدبلوماسية العمانية تبذل جهودا من خلال سياستها الحكيمة والموضوعية والتي اختطها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - منذ فجر النهضة المباركة وبالتالي نحن امام نموذج مثالي في السلوك السياسي الواقعي والدفع بالعلاقات الدولية الانسانية نحو التعاون والتنمية.

بين وارسو وميونخ

مؤتمر وارسو الذي شاركت فيه اكثر من ستين دولة كان يهدف الى جملة من الاهداف من الصعب تحقيقها ويبدو لي ان مؤتمر وارسو لم يحقق الكثير، ولعل رئيس وزراء اسرائيل يريد ان يستعدي ايران ويحرض عليها وهو امر لن ينجح والسبب ان عددا من الدول الاوروبية اظهرت عدم اكتراث بالطرح الامريكي والاسرائيلي بل ان دعوة نائب الرئيس الامريكي مايك بنس لدول الاتحاد الاوروبي للانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران لم تلق استجابة، كما ان بنيامين نتانياهو رئيس وزراء اسرائيل لديه استحقاق انتخابي في شهر ابريل القادم ويريد ان يسوق نفسه امام مؤتمر وارسو في حين يرفض كل فرص السلام والتي تعيد الحقوق الى اصحابها وهم الشعب الفلسطيني.

يقول معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في موسكو مؤخرا: نحن مع اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات سيادة وان الحوار مع الاسرائيليين هو البحث عن آليات لايجاد السلام الشامل من خلال المرجعيات الدولية والعربية.

وفي حوار لمعاليه مع القناه الإخبارية الالمانية قال بان السلطنة سوف تبقى مع الحق وهذا يعني بان امام اسرائيل استحقاق السلام العادل والشامل واقامة الدولتين اذا ارادت ان تعيش بسلام مع شعوب المنطقة.

ومن خلال منتدي ميونخ للامن تكررت نفس الاصوات لاستعداء ايران مرة عن اتهام طهران بمعاداة السامية ومرة اخرى بدعم الارهاب وهي امور تدخل في اطار المناكفة السياسية، ومن هنا فان ربما رغبة في اشعال الحروب خاصة في ظل ادارة أمريكية تفتقر الى الموضوعية في ادارتها للعلاقات الدولية وهذا الامر يثير الكثير من الجدل داخل المؤسسات التشريعية وايضا وسائل الاعلام.

وبعيدا عن تسويق الحروب فان امام دول المنطقة فرصة تاريخية لاعادة الحسابات السياسية فوقوع الحرب في منطقة الخليج سوف تكون كارثة كبرى على دول المنطقة وشعوبها وسوف يتضرر الجميع، ومن هنا فان آلية الحوار تبقى هي الالية الصحيحة بعيدا عن طبول الحرب.

الرؤى الاقتصادية والتوتر

دول المنطقة لها رؤى اقتصادية منها عشرية كالسعودية وهناك الرؤية العمانية 2040 وهناك ايضا دولة الامارات والبحرين وايضا قطر ودولة الكويت وهذا يعني ان كل هذه الرؤى تحتاج الى استقرار سياسي وانسجام في الرؤى المشتركة، وفي ظل اي تهديد محتمل في المنطقة فان احلام الاجيال الجديدة سوف تتبخر وتضيع الموارد وهناك ارقام مالية كبيرة خسرتها عدد من دول المنطقة خلال العقود الثلاثة الاخيرة بسبب اندلاع الحروب في منطقة الخليج.

ومن هنا فان المنطقة تحتاج اولا الى انهاء التوتر من خلال الحوار الخليجي-الخليجي اولا وبعد ذلك تجتمع المنظومة الخليجية على طاولة واحدة ونعني بها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وايران، بدون هذه الرؤية الواقعية واستمرار الحرب الاعلامية والتوتر والتفجيرات هنا وهناك ومن خلال التحريض الاسرائيلي قد تنزلق المنطقة الى كارثة كبيرة سوف تؤدي الى تداعيات استراتيجية تهدد الامن القومي للدول.

منطقة الخليج منطقة حساسة حيث وجود مضيق هرمز الاستراتيجي وهو الممر الاهم في مرور الطاقة الى الغرب وآسيا علاوة على ان هناك المتربصين بالمنطقة ومقدراتها وثرواتها كما حدث في العراق ويحدث الان في ليبيا تحديدا، وامام هذه التحديات الحقيقية لاينبغي الانسياق وراء كل ما يريد ان يخترق المنطقة العربية ويسيطر على المشهد الاقتصادي فيها.

ان العرب دعاة سلام والشعب الفلسطيني والذي يناضل منذ اكثر من سبعة عقود لابد ان تكون له دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وايضا رجوع ملايين اللاجئين الى ديارهم واقامة السلام الشامل والعادل، وبدون ذلك لايمكن ان تنعم اسرائيل والمنطقة عموما بالامن والسلام ولنا في التاريخ القريب والبعيد عبرة.