1134383
1134383
المنوعات

محمد آيت حنا: الخطورة أن يجر المترجم الكتب جميعا إلى أسلوب واحد وهو أسلوبه

16 فبراير 2019
16 فبراير 2019

الترجمة والكتابة ساقا مشي في رحلة الأدب الطويلة -

حاورته: بشاير السليمية -

في طريقي لملاقاة محمد آيت حنا في روي، أضعت الطريق إلى فندق «بيت الحافة» حيث كان يقيم، وكنت قد أُخبرت قبلها أنه لا أكثر من نصف ساعة لهذا الحوار.

عندما وصلت بعد التفافة على الطريق نفسه أكثر من مرة، سقط هاتفي - أداة التسجيل الصوتي الوحيدة- أسفل مقاعد السيارة، وعندما عثرت عليه حدثت نفسي بأن الصحفي قلّما يعيش أياما سعيدة، وبالمناسبة «الأيام السعيدة» عنوان لكتاب ألّفه صامويل بيكيت وترجمه آيت حنا إلى العربية. وعندما بلغت الطاولة حيث سأحاور ضيفي كنت قد خسرت ربع ساعة من الوقت المخصص لي، فسألته على عجل:

■ في ٢٠١٧ قلت إن المعضلة التي تواجه المترجمين العرب هي القطيعة بين المترجمين، ما الذي تضيفه من معضلات إلى هذه المعضلة بعد مضي عامين تقريبا على تصريحك ذاك؟

تأكدَ مما إذا كان الحوار مكتوبا أومسموعا وما إذا كان مسموحا له بالانقطاعات قبل أن يجيب: المعضلات، طبعا المعضلات لا تعد ولا تحصى التي تظهر كل مرة عند ترجمة النصوص، وهذه المعضلات أعتبرها معضلات صحية؛ لأنه لولاها ما كان فعل الترجمة فعلا حيا، ولما استطاع المترجم أن يطور من أدائه الترجمي، ولكن هناك المعضلات الصعبة، وهي معضلات خارج النص أو خارج فعل الترجمة نفسه. عندما تحدثت مثلا عن القطيعة، أنا أتحدث عن شيء هو خارج فعل الترجمة المباشر، يعني العلاقة ما بين المترجم ونصه، هذه المعضلات هي المعضلات الخطيرة، مثلا عدم وجود قانون مؤطر يحدد العلاقة ما بين الناشرين والمترجمين وهذه معضلة، مثلا المترجمون أو الناشرون كلٌّ يتصرف وفق المنطق الذي يريده، أو المناسب له وهذا المنطق قد يفرق فيه بين مترجم ومترجم آخر، إذن عدم وجود وضع اعتباري للمترجم معضلة حقيقية وسببها هو غياب أي قانون مؤطر للعلاقة ما بين الاثنين، ما بين الناشر والمترجم.

■ في ندوة «الضفة الأخرى» - التي نظمتها مؤسسة بيت الزبير خلال أيام بيت الزبير للترجمة في الثامن والعشرين من يناير الماضي - دار النقاش حول ما إذا كانت الترجمة فعلا فرديا أكثر من كونها فعلا مؤسسيا، وما إذا كان على المترجم أن ينتظر المؤسسات أو أن يبادر ويترجم ما يروق له من أعمال، هنا أسأل: ما دامت المسألة بهذا الشكل فما الذي ينقص المترجمين العرب في رأيك؟

«المترجمون العرب ينقصهم» صمتَ لبرهة قبل أن يكمل: الحديث عن شيء ينقص المترجمين العرب بهذا المنطق صعب، يعني منطق المؤسسة إلى آخره. أنا مع وجود المؤسسات. المؤسسات شيء جيد، لأنه في غياب الدعم لا يمكن أن تستمر الترجمة، إما أن تختفي الترجمة، أو أن يكون سيرها خبط عشواء، فالمؤسسات هذه هي وظيفتها. وظيفتها أن تحتضن المترجمين، شريطة ألا تسيرهم؛ لأن الصعوبة هي أن يصير هذا النوع من التصارع ما بين إرادة المترجم وإرادة المؤسسة. المؤسسة دائما تشتغل بمنطق أجندة معينة، لديها تصورات خاصة، لديها أحيانا حتى أيديولوجيات قد تُحرج إلى آخره، في حين أن المترجم يقوم أساسا، أو لا يكتمل إلا في ظل مساحة معينة من الحرية. مشكلة المؤسسات هي عملية التقييد، فأنا أعتقد أن وجود المؤسسات ضروري، لكن في ظل الحفاظ على مساحة من حرية للمترجم.

كان قد أخذ فنجان قهوته حين سألته: لمن تقرأ من المترجمين العمانيين والخليجيين؟ أعاد فنجانه إلى الطاولة.

■ لا بأس خذ رشفة. قلت له

■ ينبغي أن أتذكر الأسماء الآن. قال

فضحكنا ضيفي وأنا، قبل أن يكمل:

علاقتي بالمترجمين الخليجيين والعمانيين حتى أكون صادقا، لا أعرف الكثيرين، بالكاد أعرف صديقنا المترجم أحمد المعيني، وقرأت لعهود المخينية، وهي مترجمة أعتبرها جيدة جدا. أما على المستوى الخليجي أعرف مترجمين وقرأت لهم. قرأت لنوف الميموني، أحترم تجربتها بشكل كبير. راضي النماصي، وعلي المجنوني، أيضا أحمد العلي، أمينة الحسن يعني مترجمين كثر.

ثم صمت برهة ليتذكر وتابع ضاحكا: في الحقيقة سؤالك محرج لسبب بسيط هو أننا عندما نُسأل مثل هذه الأسئلة، نحاول قدر ما أمكن أن نجعل الذاكرة تشتغل، وأنا متأكد أنني أغفلت أسماء جيدة جدا. المهم بالنسبة لي في التجربة الخليجية هي جدة الأسماء. الأسماء الشابة تشتغل بقوة وشغف. أحيانا بعض الأعمال يبدو لك أن فيها شيء من التسرع، شيء من عدم نضوج التجربة لكن في ظل وجود هذا الشغف في عملية الترجمة أنا متأكد أن التجربة ستنضج، وفي غضون سنوات قليلة سيكون للترجمة الخليجية شأن كبير، طبعا أقول الترجمة الخليجية وكل هذه الأشياء بين قوسين، لأن فعل الفصل: الترجمة الخليجية، الترجمة غير الخليجية (شويه) صعبة، نحن كلنا نشتغل في نفس الإطار، وكلنا نشتغل ضمن الترجمة إلى اللغة العربية، فالتصنيف في حد ذاته هو تصنيف (ظالم شويه).

■ برأيك ما هي عقبة المترجمين الخليجيين الكبرى؟

أعتقد أن هذا السؤال تسأليه للمترجمين الخليجيين.

- لكن أنا أسألك إياه كونك مترجما قادما من المغرب، وتنظر بعين المغاربي.

عقباتنا نفس العقبات.

■ لكن ألا تعتقد أن هناك عقبة خاصة؟

سأقول لك عقبة خاصة جدا، لو أنني مثلا في المغرب، قررت أن أشتغل محليا، يعني مع دور نشر محلية صغيرة إلى آخره، كان سيشكل ذلك عقبة كبيرة أمام أن يُعرف اسمي، أو أن يكرس بشكل أو بآخر، وطبعا لا أعتبر اسمي مكرسا، اسمي مثل كل هذه الأسماء الشابة، ما زلنا في البداية. العقبة التي قد تعتري المترجم الخليجي هو أن تتحول عملية الترجمة وعملية النشر إلى نوع من المحلية، يعني كأننا نشتغل داخل مجموعة خاصة، ضمن منطق جغرافي معين، في حين أن هذا المنطق الجغرافي ينبغي أن يختفي تماما، مثلما يترجم وينشر المترجم في مناطق عربية جغرافية أخرى مع دور نشر خليجية، كذلك ينبغي أن يتعامل المترجم الخليجي مع مناطق جغرافية أخرى. فكرة الانغلاق في محلية معينة تكون هي العقبة الأكبر.

■ في كتابك (مكتباتهم) تكلمت عن إهداء الكتاب لكتبهم وتوقيعها، فما رأيك الآن بمترجم يقيم حفلة توقيع لكتاب ترجمه؟

هو عادي طبيعي.

■ حتى وإن احتفى به بطريقة تجعل القارئ ينسى أن هناك مؤلفا أصليا للكتاب؟

ضحك وقال: هذه المسائل لا علاقة لها بالفعل الترجمي، هي لها علاقة بالشخص في حد ذاته، حتى مبالغة المؤلف أحيانا بالاحتفاء بكتابه فيها مشكلة، أرى مثلا بعض المؤلفين بمجرد أن يكتبوا سطرا، أو مجرد إشارة ينشرونها في جميع مواقع التواصل، وفي المقابل هناك كتاب آخرين -ولا يهمهم أي شي- انتهى من تأليف الكتاب، ينشرهُ وانتهى الأمر، ويبدأ بالتفكير في شيء آخر، إذن الأمر متروك للأشخاص/‏‏‏ للأفراد. صعب أن أحكم عليه هكذا حكما عاما، شخصيا، أنا لا أحتفي كثيرا بترجماتي، حدود احتفائي بها هو أن أنشر خبر الصدور الأول، وأرد على تهنئات الأصدقاء، وأعتقد أن هذا أمر جيد جدا ومطلوب، لأنه في آخر المطاف إنجاز، وتبقى في نهاية المطاف علاقتنا بإنجازاتنا. هناك من يرى أن أي إنجاز قام به مهما كان صغيرا يستحق أن يحتفي به لأقصى درجة، وكأنه انتهى ووصل إلى قمة القمم، في حين هناك من يرى أن أعماله دائما هي مجرد محطات ينبغي الانتقال فيها من محطة إلى أخرى فقط.

■ في مقدمتك للبرهان كنت مهتما بشرح ماهية الثلاثيات للقارئ، فهل هذا لأنك ترجمت جزأين دون الثالث، ولو أن محمد آيت حنا ترجم الثلاثية كاملة، هل سيكتب مقدمة بذات الشكل؟

لم يكن للأمر علاقة بترجمتي بقدر ما له علاقة بالكتاب نفسه، فكان من الضروري أن أوضح للقارئ مسألة بسيطة، هي أن المنطق الذي يحكم فكرة الثلاثية ليس موحدا، نحن نتحدث مثلا عن ثلاثية نيويورك لبول أوستر، أو نتحدث عن ثلاثية نجيب محفوظ، أو ثلاثية مدينة دانتسيغ لجونتر جراس، ولكن لا يوجد أي معيار موحد يقول إن لهذا السبب سميناها ثلاثيات، السؤال الوحيد المؤرق بالنسبة للقارئ هو هل هناك تتالٍ منطقي يحكم هذه الكتب؟! ويجعلك ملزما بأن تقرأ الجزء الأول وبعده الجزء الثاني، ثم الجزء الثالث كما هو الأمر مثلا مع ثلاثية نجيب محفوظ؟! أم أن لك كامل الحرية في أن تقرأ أي نص شئت؟!

بالنسبة لي المقدمة كانت مهمة جدا، كنت أفكر هل يمكن أن أبدأ بدون ترتيب. قلت

(ايه) طبعا هذا هو المشكل، علما أن الجزء الثالث هي أول ما ترجم. ترجمه بسام حجار. إذن في الثقافة العربية تعرفنا على الجزء الثالث قبل الأجزاء الأخرى، ومن يقرأ الجزء الثالث قد يعتقد أنها رواية مستقلة، فإذن كان من الضروري أن أوضح في المقدمة بأن للقارئ خيارين، إما أن يعود للكتاب الذي ترجم قبلا، الذي هو الدفتر الكبير ثم ينتقل فيما بعد لقراءة هذا الكتاب الذي بين يديه وهو البرهان، ثم بعده يقرأ الكذبة الثالثة، أو أن يسلك أي طريق شاء، كأن يقرأ البرهان، وبعدها يرجع بشكل تذكري يقرأ ما حدث في الماضي، ثم ينتقل للمستقبل، أو أن يقفز مباشرة للمستقبل ثم يعود في عملية استذكار إلى الماضي، فأعتقد أن فضيلة كتابة ثلاثية أغوتا كريستوف هي أنها منحت الإمكانين معا، وفي الوقت نفسه هناك ترابط منطقي ما بين الأعمال مع تركها مساحة كبيرة في أن تقرأ عمل واحد، وإن لم تقرأ الأعمال الأخرى فلا مشكلة.

■ حسنا، حدثنا بشيء من الاختصار عن مستويات الترجمة.

هي ليست مستويات بقدر ما هي وجهات نظر. وجهتا النظر الأوليتان اقتبستهما أو أخذتهما عن الأستاذ سعيد الغانمي، الأولى منهما وجهة نظر فكرية، وهي تخص المؤلف، لأن أي كتاب بالضرورة يحمل أفكارا، ومهمة المترجم أن ينقل هذه الأفكار، وأن يحترم الكاتب أثناء نقل الأفكار، يعني لا يجوز أن تختلط أفكارك بأفكار المؤلف، ولا يجوز مثلا أن تغير أفكار الكاتب وفق ما يناسب قناعاتك الشخصية، مثلا أنت تنتمي إلى ثقافة أخرى أو أيديولوجيا أخرى، فتقوم بتغيير أشياء أو حذف أشياء لا تناسب ثقافتك أولا تناسب فكرك. أفكار المؤلف هي أفكار مقدسة ينبغي احترامها احتراما تاما، وإن لم تستطع احترام هذه الأفكار فبإمكانك أن تختار كتبا تناسب أفكارك، فالكتب كثيرة وليس بالضرورة أن تترجم هذا الكتاب، اترك هذا الكتاب لمن يجرؤ عليه؛ لأن الترجمة تحتاج قدرا من الجرأة.

وجهة النظر الثانية هي وجهة النظر اللغوية، وهي وجهة نظر خاصة بالمترجم؛ لأن المترجم هو الذي يعرف ما المناسب لنقل هذه الفكرة في لغته، هنا تصير لديه مساحة حرية كبيرة- (وهو يمد في ياء كبيرة) ثم أكمل: مقارنة مع وجهة النظر الفكرية الأولى. وجهة النظر الثالثة التي أضيفها أنا وأعتبرها أساسية في اعتقادي الشخصي، هي وجهة النظر الأسلوبية. أقول وجهة نظر أسلوبية وهي لا تنتمي لا إلى المؤلف ولا إلى المترجم، وإنما تنتمي إلى النص. النص هو الذي يفرض الأسلوب المعين الذي ينبغي أن يترجم به، فنحن نجد عند الكاتب الواحد اختلافا أحيانا شاسعا، ومهولا ما بين الأسلوب الذي كتب به هذا الكتاب، والأسلوب الذي كتب به كتابا آخر، فالخطورة بالنسبة للترجمة هي أن تجر الكتابين معا إلى أسلوب واحد وهو أسلوب المترجم. وإذا عدنا إلى فكرة المعضلة فهذه أيضا من المعضلات الكبيرة التي تعاني منها الثقافة العربية، وأن هناك بعض المترجمين أحيانا - مترجمين كبار- تقرأ لهم كتابين مختلفين تماما من حيث الحساسية والأسلوب، ومع ذلك تقرأهم بأسلوب واحد الذي هو أسلوب المترجم، فأعتقد أن هناك ضرورة معينة إلى الإنصات إلى أسلوب النص ومحاولة ما أمكن أن تحافظ على هذا الأسلوب - رغم ما يعتلي ذلك من صعوبات في اللغة العربية -سعيا إلى أن يحدث النص نفس الأثر الذي أحدثه في لغته الأصل.

■ محمد آيت حنا قال مرة إن له ساقين، ساق تؤلف وساق تترجم، فما الذي يضبط إيقاع الساقين معا؟

ارتشف من كوبه، وبصوت يكاد لا يكون مسموعا: «امممم» ثم قال:

عملية المشي هي التي تضبط إيقاع الساقين، أحاول ما أمكن ألا أمشي على ساق واحدة، ففي عملية الترجمة لا يمكن أن يغيب التأليف تماما، لا أقول التأليف هنا بمفهوم الاختراع، يعني تخترع أشياء هي غير موجودة أصلا في الكتاب الأصل، وإنما أقول فقط إن حساسية المترجم مهمة جدا، حساسية المترجم ككاتب أو كمؤلف مثلها مثل حساسية الشاعر في نقله للشعر. تبقى حساسيتك كقارئ ضرورية كذلك، فأعتقد أن ما يجمع الساقين معا هي عملية المشي نفسها؛ لأني تقريبا لا أكاد أفصل ما بين الحساسيتين.

كنا قد استنفدنا أكثر من ربع ساعة فسألته عن الساعة. العاشرة وست وثلاثون قال.

سؤالان وننتهي. قلت

■ نوقش كذلك في «الضفة الأخرى» عن الكتابة اللانهائية التي ستولد كتابا لا منتهيا، في المقابل قلت في كتابك «مكتباتهم» إن هناك أعلاما أتتك أفكارهم بعد نشر الكتاب، فهل هذا يعني أنك لن تكتب هذه الأفكار أو أنك لن تنشرها مثلا مع طبعة أخرى لـ«مكتباتهم»؟؟

سيصير الكتاب مهددا بألا ينتهي. قال

- ونحن نتمنى لو أن مكتباتهم لا ينتهي. قلت

لا أدري. ذلك ممكن مستقبلا في طبعة أخرى في كتاب مغاير، ويتم فيه استثمار هذه الأفكار. فقط الذي أؤكد عليه أنني اكتشفت بالفعل أن فكرة المكتبة فكرة لا نهائية، لأنه في كل مرة تأتيني فكرة وأقول مثلا إن هذا الكاتب كان بإمكاني أن أضيف مكتبته. مثلا فيكتور هوجو فكرت فيها مثلا فيما بعد، فكرت أن فيكتور هوجو يستحق مكتبة؛ لأن فكرة معينة راودتني لمجرد تصفح أرفف مكتبة في باريس، كانوا قد خصصوا رفا بكامله لكتاب واحد هو البؤساء في طبعات مختلفة، وأحجام مختلفة إلى آخره. إذن كيف يستطيع كتاب واحد فقط أن يغطي مكتبة بكاملها؟! هذه مثلا فكرة واتتني وكان بإمكاني أن أطورها وتصير جزءا من «مكتباتهم»، ولكن الكتاب كان قد طبع وانتهى أمره (وخلاص)، فأعتقد أن الكتب ينبغي أن يأتي عليها وقت وتنتهي، لكن الأفكار ما دامت لا نهائية، يمكنها أن تتحول في أعمال أخرى إلى أشياء أخرى.

■ في الحقيقة «مكتباهم» هو الكتاب الذي قرأته مؤخرا وتمنيت لو أنه لم ينتهِ.

ابتسم: هذا ربما لأن أفكار المكتبة هي أفكار لا تنتهي. قال

■ تعودنا على أن الكاتب الجيد هو الذي تعيش المكتبة في عروقه، في حين أنك قلت إن الكاتب الرديء يخشى من انقراض من المكتبة. حدثنا عن هذه المفارقة..

حتى نكون منصفين ولا نقع في خطأ معين. الخطر الذي يتهددني أحيانا هو أن يتم الاستشهاد بالكتاب. هذا الكتاب غير صالح للاستشهاد، هو كتابي ضد الاستشهاد، وضد الاقتباس لسبب بسيط، اقتبس منه ما شئت، لكن عندما تنسبه لي رغم أنني مؤلفه يخلق لي مشكلة. الكتاب مبني على فكرة التناقض، يعني ستقول فكرة أو جملة في هذا السياق، ولكن في سياق آخر ستقول ضدها. فإذا لاحظتِ مثلا كان هناك تجاور، وأنا قصدت أن يكون التجاور ما بين مكتبة دريدا ولا أذكر ربما ترانسترومر، مكتبة الامتلاء، ومكتبة الفراغ. المكتبة بوصفها فراغا؛ بمعنى أن المكتبة كلما كانت فارغة كانت أقوى وأقدر على الحضور. والمكتبة التي فيها مكان فارغ ينبغي أن تملأ بشيء معين؛ لأن البشاعة في المكتبة هي بشاعة الفراغات، وكنت على ما أذكر شبهت الأمر بالأسنان في الفم، أو شيء من هذا القبيل. إذن الفكرة هي أنه عندما يطلب مني أن أدافع عن فكرة في الكتاب، يصير الأمر مزعجا بالنسبة لي؛ فعن أي فكرة أدافع وأنا في الكتاب أناقض هذه الفكرة نفسها، فالكتاب ليس كتابا بالمفهوم الفكري، أو أنني أتبنى فيه طرحا مثلا، أنا أدافع عنه، ولكني أحيانا أكون ضد الكتب، وضد القراءة، وأحيانا أجد أن القراءة هي فعلا السبيل الوحيد الذي يمكن أن ينقذ هذا العالم.