أفكار وآراء

محركات النمو للمستقبل.. الاستثمار الأجنبي المباشر «2»

16 فبراير 2019
16 فبراير 2019

د. يوسف بن حمد البلوشي -

[email protected] -

الاستثمار، بصفة عامة، هو صلب العملية التنموية حيث يؤدي إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للمجتمع وفق قياسها بالناتج المحلي الإجمالي، ويضيف إلى تكوين رأس المال، وبالتالي يزيد العرض. وتعزى الأهمية النسبية الكبيرة للاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) إلى أنه يجلب الكثير من العناصر التي قد تكون مفقودة في السوق المحلي، بيد أنه من الملاحظ - في حالة سلطنة عمان - وجود تغافل لهذه الأداة الاقتصادية المهمة والتي تتضمن توليفة من المزايا الاقتصادية التي يحتاج إليها الاقتصاد العماني، حيث يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر أداة في غاية الفاعلية في بناء الاقتصادات لما يجلبه من رأس مال يعزز المدخرات المحلية، ومعرفة فنية وتقنيه وأداة مهمة للنفاذ لأسواق واسعة. إذ اعتمدت الدول الناجحة - مثل الدول الآسيوية وأيرلندا - في تحقيق معدلات عالية للنمو على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتوطينه من خلال ربطه بشركات محلية في مختلف القطاعات. حيث تجتهد وتتنافس الدول على جذب هذا النوع من الاستثمار نظرًا لوجود علاقة إيجابية وثيقة بينه وبين عملية تحفيز رأس المال والعمالة المحليين. ومن ثم، زيادة الإنتاجية، وهي العوامل اللازمة لتحفيز النمو والتنمية.

وتجدر الإشارة إلى أن السلطنة تعاني من نقص في عدد من هذه المقومات. فحجم الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد متواضع ، ليس هذا فحسب، بل وفي تناقص خلال الفترة السابقة. ولقد ظل حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السلطنة ضئيلًا يعادل أقل من 02, ٪‏ من حجم الاستثمار العالمي في عام 2002 ثم ارتفع قليلًا ليشكل ما نسبته 05. ٪‏ في عام 2015م. وعلى المستوى الخليجي انخفض نصيب السلطنة من إجمالي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المنطقة من 8% في عام 2002م إلى 4% في عام 2015م. ويعتبر ذلك نتيجة طبيعية لتشتت الجهود بين مختلف الجهات- حسب تقرير البنك الدولي هناك 12 جهة مسؤولة عن الاستثمار- وعدم فاعلية برامج السلطنة في الترويج كجهة استثمارية واعدة، وغياب المؤسسة المسؤولة عن إيجاد روابط وتوافق بين الشركات العالمية والشركات المحلية. كذلك إذا أخذنا تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي. نلاحظ وجود تناقص خلال السنوات الماضية. ووفقًا للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات (المجلس الأعلى للتخطيط) في عام 2015، جاء ما نسبته 80٪ من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السلطنة من 11 دولة مما يحد من تنوع التكنولوجيا والخبرات والدراية وغيرها من الميزات التي يمكن للشركات المحلية الاستفادة منها، كما تتركز الاستثمارات الأجنبية في القطاعات النفطية بدرجة ملحوظة. الأمر الذي يحد من الاستفادة من هذه الاستثمارات في تنويع القطاعات الاقتصادية الأخرى. هناك إخفاق في نقل التكنولوجيا والمعرفة والمزايا النسبية من شركات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الشركات المحلية، ولا توجد جهة حكومية تزاوج وتوجد روابط بين الجانبين كون هذه العملية لا تحدث تلقائيًّا. من هنا، فإنه يتعين إيجاد نماذج جديدة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وإدارته بحكمة من خلال خارطة استثمارية مدروسة بعناية وتحقق التوافق بين ما تسعى إليه الشركات من أرباح وبين مساعي الحكومة لتنويع اقتصاد البلاد وإيجاد وظائف مجزية للمواطنين. تتميز سلطنة عمان بارتفاع العائد على الاستثمار الأجنبي مقارنة بالمعايير الدولية لعدد من الأسباب، منها: ما زال الاقتصاد العماني غير مشبع بالاستثمارات، والسوق العماني لا يزال غير مستغل بالكامل، وهناك حاجة ماسة لإنتاج أنواع مختلفة من السلع دون منافسة. والاستثمار الأجنبي في سلطنة عمان في كثير من الأحيان يكون في شكل قروض، ورأس المال المدفوع صغير نسبيًّا. كما أن الاستثمار في قطاعات الكهرباء والاتصالات والنفط والغاز يخضع لترتيبات خاصة (اتفاقات تقاسم التكلفة). هناك العديد من الطرق لتطوير وتعزيز كفاءة القطاع الخاص، بما في ذلك استخدام الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال الشركات متعددة الجنسيات عن طريق الآثار الإنتاجية غير المباشرة . ويرجع ذلك إلى مجموعة متنوعة من القنوات الممكنة للحصول على مزايا تحسن الإنتاجية التي قد تعزز الأداء الاقتصادي في الاقتصاد المضيف، والتي تشمل الروابط التجارية وحرية تنقل الأيدي العاملة والمنافسة وآثار المحاكاة/‏‏التقليد. ومع ذلك، لا تتحقق هذه الفوائد تلقائيًّا، وينبغي ألا تؤخذ كأمر مسلم به، فالشركات متعددة الجنسيات لا تسلم مصدر مزاياها بسهوله. ومن أجل الاستفادة من الآثار الإنتاجية غير المباشرة (Spillover Effects) للاستثمار الأجنبي المباشر يحتاج الاقتصاد المضيف لتمهيد الطريق من خلال سياسات مصممة ومنفذة بشكل جيد.