أفكار وآراء

تحديات خطة التنمية المستدامة لعام 2030

16 فبراير 2019
16 فبراير 2019

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

الدورة السابعة والخمسون للجنة التنمية الاجتماعية التابعة لمجلس الأمم المتحدة الاجتماعي والاقتصاد التي تعقد بمدينة نيويورك تناولت العديد من القضايا التي تهم العالم من بينها حرص الدول الأعضاء على تحقيق الهدف الرئيسي لخطة التنمية المستدامة للدول لعام 2030. فهذه الأنشطة هي جزء من الفعالية الكبرى تمهيدا لعقد مؤتمر قمة لرؤساء الدول والحكومات في سبتمبر القادم لمراجعة التقدم المحرز في تنفيذ هذه الخطة. كما يسبق القمة الاجتماع الرفيع المستوى الذي ستعقده الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 14 من شهر مايو المقبل لمناقشة مواضيع حول التنمية الشاملة منها موضوع الفقر وتشغيل الباحثين عن العمل وعدم المساواة والتي تشكّل مقومات مهمة لتحقيق الخطة المقبلة.

والهدف - كما هو متفق عليه- يبدأ من خلال القضاء على الفقر في العالم أولاً، وعدم ترك أي شخص يعاني من الفقر والجوع من خلال إيجاد العمل له ومعالجة قضايا اقتصادية واجتماعية أخرى منها ضرورة المساواة بين الناس ودفعهم نحو الاندماج الاجتماعي بين الشعوب، وإيجاد مزيد من الأعمال للعاطلين عن عمل، وتصحيح السياسات الضريبية، ورفع أجور العمالة، وتقديم الحماية الاجتماعية لهم. فهذه تمثّل بعض من الأهداف التي يمكن من خلالها تحقيق خطة التنمية لعام 2030 ، الأمر الذي يتطلب مواجهة التحديات التي تقف في طريق التنمية المستدامة للكثير من دول العالم. ونؤكد مرة أخرى بأن الطريق الرئيسي للقضاء على هذه التحديات تكمن في معالجة قضايا فقر الشعوب أولاً، وعدم تهميش الأفراد والمستضعفين، بالإضافة إلى توفير الفرص للأفراد الذين يفتقرون إلى المساهمة في التقدم الذي تحرزه التنمية والاستفادة منهم. كما يرى العالم ضرورة منح فرص الإقامة للفقراء نتيجة للحرمان الذين يعانون منه بسبب السياسات والقوانين غير العادلة التي تتبعها بعض الدول في العالم، ومنها الدول المتقدمة، ومساواة أجورهم مع نظرائهم، وتوفير الأمن الغذائي لهم، فيما يؤكد الجميع على ضرورة توفير التعليم الجيد والرعاية الصحية للشعوب الفقيرة بجانب توفير الحماية الاجتماعية الكافية.

فالعالم يمر اليوم بالكثير من الأزمات، فيما تأتي القضايا البيئية لتزيد من المصاعب والمخاطر التي يواجهها العالم، مثل آثار تغيّر المناخ، والكوارث الطبيعية، والعنف، والنزاعات، والنزوح، الأمر الذي يزيد من مخاطر التنمية في الدول، ويُبعّد ما يمكن تحقيقه لخطة عام 2030 . كما أنه بدون تحول نموذجي في التنمية المستدامة، وعدم استفادة الدول من الاقتصاد العالمي والتطورات التي تشهدها الساحة العالمية في مجالات التقنيات الحديثة والمشاركة فيها فأن الأمور سوف لن تكون سهلة لتحقيق التنمية لديها.

وحسب تقارير الأمم المتحدة فإن قضايا العمل وإيجاد مزيد من الأعمال للباحثين عن عمل ثمثّل مصدر قلق للكثير من الدول، وأنه بالرغم من أن العالم يحرز تقدما بمعدلات بطيئة جدا في خفض معدلات البطالة، فما زالت ظروف العمل السيئة وقلة فرص العمل اللائق تمثّل التحدي الأكبر للناس في أسواق العمل في الكثير من دول العالم اليوم. وفي هذا الصدد يشير تقرير منظمة العمل الدولية تحت عنوان «عالم التوظيف والتوقعات الاجتماعية: اتجاهات عام 2019» أن الغالبية من مجموع الـ 3.3 مليار شخص في سوق العمل خلال عام 2018 ظلوا «يعانون إحساسا أقل بالأمان لعدم كفاية الأمن الاقتصادي والرفاه المادي وتكافؤ الفرص». فالتقدم في الحد من البطالة على مستوى العالم يجب أن ينعكس على تحسين نوعية العمل، وظروفه اللائقة أيضا. وفي هذا الصدد يؤكد ديميان غريمسو مدير البحوث في منظمة العمل الدولية أن من النتائج الرئيسية لهذا التقرير هي أن البطالة تواصل الانخفاض منذ الأزمة المالية الأخيرة وبمعدلات بطيئة جدا، وهي ثابتة الآن، مشيرا إلى أن وصول البطالة إلى مستوى منخفض يعتبر من الأخبار السارة للمنظمة، إلا أن قلقها يكمن في عدم وجود فرص للعمل اللائق وبشكل كاف. ويوضح المسؤول أنه من بين الـ 3.3 مليار شخص الذين يعملون في العالم الآن، فإن الكثير منهم يواجهون إحساسا بعدم الأمان فيما يخص مستقبل مداخيلهم، وهم موظفون بعقود عمل لا تناسبهم، فاختيارهم لتلك الأعمال جاء دون إرادتهم ونتيجة لاضطرارهم لقبول تلك الوظائف والأعمال المؤقتة، أو بدوام جزئي، بينما ينتظرون فرصة لوظيفة دائمة أو بدوام كامل.

وهذه الظروف والمعاناة تعاني منها العديد من الدول العربية. ووفقا لتقرير منظمة العمل الدولية، فمن المتوقع أن تظل البطالة في الدول العربية مستقرة عند حد الـ 7.3% حتى عام 2020، مع ملاحظة أن مستويات البطالة في الدول العربية خارج دول مجلس التعاون الخليجي تصل الضعف بالمقارنة. وهناك اليوم الكثير من الوافدين والمهاجرين يعملون في الدول العربية وخاصة في دول المجلس بحيث تصل نسبتهم أكثر من نصف العاملين من المهاجرين. أما مشاركة ومساهمة المرأة العربية في العمل فإن الكثير منهن يبحثن عن العمل، وتمثّل بطالة النساء في المنطقة العربية نسباً مضاعفة مقارنة بالرجال، حيث تبلغ حاليا .6 أي ما يعادل ثلاثة أضعاف البطالة في أوساط الرجال؛ بينما تبلغ البطالة في أوساط الشباب من الجنسين أربعة أضعاف معدل الكبار.

وتحذّر تقارير الأمم المتحدة من استمرار أوجه القصور الرئيسية في مسألة العمل اللائق للشعوب، حيث إن عدم تحقيق ذلك يعني الابتعاد عن أهـداف التنمية المستدامة لعام 2030، ومنها الهدف رقم 8 الذي يحرص على نوعية التوظيف بحيث تكون «المساواة والعمل اللائق هما ركيزتان أساسيتان من ركائز التنمية المستدامة». فالتقرير يبرز عددا من القضايا المهمة في هذا الشأن من بينها ضرورة إحراز التقدم في سد الفجوة بين الجنسين في المشاركة في قوة العمل، حيث إن 48% من النساء في العالم يسهمن كقوى عاملة في سوق العمل مقارنة بنسبة 75% من الرجال.  وأن استمرار ظاهرة العمالة غير الرسمية تقلق أيضا الدول إذ تصل نسبة العمال المصنفين تحت هذه الظاهرة إلى 61% من القوة العاملة في العالم، بالإضافة إلى تدني نسبة توظيف الشباب المقلقة، حيث يشير التقرير إلى أن أكثر من واحد من بين كل خمسة شبان (أقل من 25 سنة) خارج التوظيف أو التعليم أو التدريب.

إن منظمة العمل الدولية وبجهود أعضائها البالغ عددهم 180 دولة تعمل بعزم حثيث على معالجة قضية عدم المساواة في عالم العمل. ومؤخرا أطلقت أكبر حملة تفاعلية لتسليط الضوء على إنجازاتها ودورها في هذا الاتجاه. والرسالة الجديدة للمنظمة قد تغيرت كثيرا منذ وقت إنشاءها عام 1919 وحتى اليوم نتيجة للتقدم التكنولوجي الذي شهده العالم في كل مكان، حيث يحمل في طياتها الكثير من الآمال والمخاوف حول مستقبل العمل وشكله في آن واحد. فالكل يبحث اليوم عن عدد ساعات عمل مقبولة وأجراً عادلاً، وحماية من المرض أو ضد الإصابة باعتبار أن جميعها حقوقاً ومنافع بديهية في العمل، الأمر الذي يتطلب من الهيئات الثلاث وهي أصحاب العمل والعمّال والحكومات ضرورة فتح الأبواب للعمل وتحقيق العدالة الاجتماعية للجميع، فهي تمثل أحد الأركان الرئيسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ 17 لعام 2030.