أفكار وآراء

الـلاجئـون غيروا وجه ألمانيا

15 فبراير 2019
15 فبراير 2019

سمير عواد -

يُعتبر عام 2015 من أبرز الانعطافات في تاريخ ألمانيا الحديث بعد الحدث التاريخي عام 1989 عندما انهار سور برلين وفي العام الذي تلاه أعلنت ألمانيا استعادة وحدة شقيها وعادت مدينة برلين عاصمة لها.

ففي الخامس من سبتمبر أقدمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على خطوة فاجأت الجميع داخل وخارج ألمانيا، عندما سمحت لآلاف اللاجئين بدخول أراضي ألمانيا بدون أوراق ثبوتية ولم يكن أحد يتصور أن بضعة آلاف اللاجئين وغالبيتهم من السوريين الذين احتشدوا في العاصمة المجرية «بودابست» أمام محطة القطارات الرئيسية ورفعوا صور ميركل مطالبينها الضغط على رئيس الوزراء المجري فكتور أوربان للسماح لهم إكمال مشوار اللجوء إلى أوروبا فرارا من الحرب في بلادهم، غدوا قرابة مليون.

مما لا شك أن تدفق أعداد اللاجئين في عام 2015 فاجأ الأوروبيين ولم يكونوا مستعدين أبدا لمثل هذا التحدي، رغم أن البعض كان يتوقع حدث انعكاسات للأحداث الدامية في سوريا على أوروبا بعدما بدأ اللاجئون يفرون إلى دول الجوار مثل تركيا والعراق والأردن ولبنان.

ففي صيف العام المذكور بلغت أعمال العنف في سوريا ذروتها وتجاوز عدد الفارين من بلادهم نحو أربعة ملايين إضافة إلى أفواج اللاجئين من أرتيريا والعراق وشمال إفريقيا ودول أخرى في القارة السمراء هاربين من الفقر واليأس من عدم توفر فرص العمل وحياة كريمة الذين بدأوا يتوافدون عبر تركيا وليبيا إلى الاتحاد الأوروبي وخاصة إيطاليا واليونان.

ولم تكن السياسة الألمانية مستعدة لهذا التحدي، ووقفت مثل سائر دول الاتحاد الأوروبي تتفرج على إيطاليا واليونان وهما تتحملان عبء الوافدين ووجدت أوروبا نفسها أمام أكبر موجة لجوء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ورغم مناقشة الاتحاد الأوروبي مسألة توزيع اللاجئين على دول القارة العجوز، لم يتم التوصل إلى حل وسط لأن بعض الدول رفضت. وكانت برلين تعتقد أن مواجهة أزمة اللاجئين تحتاج إلى توافق أوروبي لكن دول أوروبا الشرقية المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي مثل التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا التي أسست لاحقا ما يعرف باسم مجموعة دول «فيزيجراد» ما زالت ترفض حتى اليوم فتح أبوابها أمام أعداد اللاجئين حسب ما تتمناه أوروبا.

ونتيجة للفشل في الاتفاق على «حل أوروبي» تعين على ألمانيا تقاسم العبء الأكبر من أزمة اللاجئين مع السويد دون تجاهل المسؤولية التي تتحملها اليونان وإيطاليا حتى الآن.

وأعلن لوثار دو ميزيير، وزير الداخلية الألماني السابق بتاريخ 19 أغسطس 2015 أن الرقم الجديد للاجئين إلى ألمانيا تجاوز ثمانمائة ألف لاجئ. وكان صعبا قبل ذلك حصر أعدادهم وحسب تنبؤات كان العدد نصف ما تم الإعلان عنه. واتخذت الدائرة الاتحادية للهجرة واللاجئين BAMF قراراً بتجميد شروط اتفاقية «دبلن» بالنسبة للاجئين من سوريا. وتقضي الاتفاقية بأن اللاجئ يقدم طلب اللجوء في أول أرض تطأه قدماه في دول الاتحاد الأوروبي. وكان الغرض من تعليق الاتفاقية تخفيف العبء عن كل من اليونان وإيطاليا.

وعندما بدأ الألمان بعدما شاعت في أرجاء العالم صور استقبالهم اللاجئين عند الوصول ويقدمون الألعاب والحلوى للأطفال والماء والطعام للاجئين، يتذمرون لعدم وجود استراتيجية مع تدفق أعداد اللاجئين يوماً بعد يوم بعد أن ساعدت الصور الجميلة وهم يستقبلون اللاجئين بالورود بتحسين سمعة الألمان في العالم وحلت الأخبار عنهم بدلا من أخبار الاعتداءات ضد الأجانب. وحاولت ميركل في مؤتمرها الصحفي الشهير بتاريخ 31 أغسطس تهدئة «المواطنون القلقون» وقالت: نحن نعيش في ظل بيئة منتظمة وأوضاع منتظمة وغالبيتنا لم يمروا بتجارب شاقة وحالات الخوف. في هذه اللحظة كانت ميركل مصممة على إيواء اللاجئين القادمين عبر ما يُعرف طريق البلقان وصولا إلى ألمانيا وقالت أن استضافة اللاجئين واجب وطني وقالت عبارتها الشهيرة : سوف ننجح في ذلك.

وبدأت النمسا والمجر بتسيير رحلات استثنائية بالقطار وعلى مدار الساعة وفي هذه الأثناء تجاوز عدد اللاجئين الحد المعقول من وجهة نظر المواطنين الألمان. وبدأت وزارة الداخلية الألمانية تفكر عما سيواجه اللاجئين في حياتهم الجديدة غير أن ميركل كانت قد قررت إدخالهم جميعا إلى الأراضي الألمانية ولم يكن لديها خطة لوقف الهجرة غير المشروعة التي كانت تشهدها ألمانيا وجرت معها أوروبا. وبينما وافق زيجمار جابرييل رئيس الحزب الاشتراكي في تلك الفترة على دخول اللاجئين، بدأ هورست زيهوفر الرئيس السابق للحزب المسيحي الاجتماعي البافاري يتذمر واعتبر قرار ميركل بإدخال اللاجئين دون أوراق ثبوتية خطأ فادحا وكان ذلك بداية نزاع أصبح يهدد بنهاية الشراكة التاريخية بين طرفي الاتحاد المسيحي. وكان واضحا أن رئيس الوزراء المجري لعب دورا خبيثا لأنه كان يزعم وجود أعداد وهمية من اللاجئين في الطريق إلى شمال أوروبا.

لكن الضيافة الألمانية سرعان ما انتهت وبدأت تظهر أخبار التحريض ضد اللاجئين ورمي العبوات الحارقة على ملاجئهم وسجل مركز الجنايات الفيدرالي «الشرطة الفيدرالية» أكثر من ألف اعتداء ضد اللاجئين خلال العام 2015 بزيادة ستة جرائم عن عام 2014 ومن حسن الحظ لم يسقط قتلى لكن سقط خمسة جرحى على الأقل.

واستمر الزعيم البافاري زيهوفر في خصامه مع ميركل وحذر حزبه من عدم تحمل ألمانيا هذا العبء الكبير واقترح أن يتم وضع سقف لعددهم بحوالي 200 ألف لاجئ في العام. لكن ميركل رفضت هذا المقترح واقترحت حلا أوروبيا لأزمة اللاجئين.

وخلال النقاش الحاد في ألمانيا عن وسيلة للحد من تدفق اللاجئين إلى أراضيها، وقعت سلسلة من الاعتداءات والتحرشات من قبل لاجئين ضد فتيات ألمانيات ليلة رأس السنة في مدينة كولون في نهاية عام 2015 وحسب بيانات الشرطة الفدرالية الألمانية تعرضت 650 فتاة لتحرشات من قبل لاجئين وهو الحدث الذي راح يغير نظرة الألمان تجاه اللاجئين وغالبية المتهمين ينحدرون من شمال إفريقيا.

وتوصلت ميركل في هذا الوقت مع الاتحاد الأوروبي إلى اتفاقية مع تركيا لعدم السماح للاجئين بالعبور عبر بحر إيجه إلى الجزر اليونانية ومنذ ذلك الوقت أصبح عدد اللاجئين ينخفض بصورة ملحوظة.

غير أن أحداث عام 2015 تركت بصماتها على الأحداث في ألمانيا. فقد استغل حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي أزمة اللاجئين لإثارة الذعر في نفوس الناخبين الألمان ونجح في كسب أصواتهم ودخل جميع برلمانات الولايات والبرلمان الاتحادي «بوندستاج» وأصبح ثالث أكبر حزب في ألمانيا.

واشتدت الانتقادات ضد ميركل داخل حزبها أيضا فاضطرت للإعلان في نهاية العام الماضي أنها قررت عدم الترشح لعامين جديدين في منصب رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي الذي استلمت رئاسته في عام 2000 كما لن تترشح لولاية خامسة في منصب المستشارية عندما تنتهي ولايتها الرابعة الحالية في عام 2021. وأصبحت ميركل في هذه الأثناء تتبنى موقفا مختلفا لموقفها عام 2015. فقالت في إحدى المناسبات أنها لن تكرر فعلتها، لكنها قالت أيضا أنه ينبغي أن تفخر ألمانيا بما فعلته تجاه اللاجئين عام 2015 وأنها نجحت في التحكم بالتحديات الإنسانية التي واجهتها ولم تكن مستعدة لها إطلاقاً.