Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :ثمة مفارقة موضوعية .. «المنافسة/التشاركية»

15 فبراير 2019
15 فبراير 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

ثمة فاصل دقيق وحساس ما بين مفهوم المنافسة، ومفهوم التشاركية، فالأول يذهب بك مباشرة، وبسرعة الريح إلى مفهوم السوق حيث الربح والخسارة، بينما يتموضع الثاني عند مفهوم العلاقات الاجتماعية التي تكرس غالبا مفاهيم: التضحية، التعاون، التآزر، إقالة العثرات، مساندة الضعيف، الأخذ بيد المخطئ، تجاوز مظان النفس بصورة عامة، ومن الملاحظ أن غالبية الأنشطة التي يعتني بها الناس تكون أقرب إلى المنافسة منها إلى التشاركية، ويتأسس مفهوم المنافسة منذ البدايات الأولى لعمر الفرد، حيث تحرص الأسر غالبا على تربية الفرد على المنافسة أكثر من حرصها على تربيته على التشاركية، وأتصور أنه من هنا تكمن المشكلة، وهل ثمة مشكلة بين تأسيس هذين المفهومين؟ أقول نعم؛ لأن غالبية الصدامات الحادثة بين البشر، هي انعكاس لثقافة المنافسة، وليست التشاركية، وأية أسرة تستطيع، أو استطاعت أن تؤسس أفرادها على مفهوم التشاركية المعتدلة، تستحق التقدير والثناء.

المجتمعات الإنسانية منقسمة في توظيف كلا المفهومين على الواقع، ففي المجتمعات المعقدة «ديموغرافيا» على سبيل المثال، يظهر توظيف الـ«منافسة» أكثر وضوحا، حيث تتحرر القيم الاجتماعية من كثير من الالتزامات الاجتماعية، فهذه الالتزامات يرى فيها الكثير من القيود المكبلة للحرية الشخصية، والمقزمة من الطموحات الفردية، والذاهبة أكثر إلى احتواء النشاط الفردي؛ ليكون ضمن المجموع، وهذا أمر يشق على الكثيرين، فلا يتقبلوه، وهذه الصورة تختلف تماما في المجتمعات التقليدية التي ترى أن الجماعة هي الأجدى والأصوب للتعبير، ويحترم كثيرا المنجز الاجتماعي أكثر من الفردي، ولذلك هنا يكثر سهم الـ«تشاركية» وهنا أيضا يبتهج الجميع بما أنجزه المجموع، وإن عبر هذا المجموعة فئة قليلة في المجتمع، فهو يحسب للمجموع، ولا يحسب للفئة الفاعلة الحقيقية.

المنافسة والتشاركية حالتان من الفعل القائم بين أحضان المجتمع، ومبارك من الجميع، فبدون المنافسة؛ كما يرى آخرون؛ لن يكون هناك تمايز بين أفرادا المجتمع، ولا يكون هناك ترق في الفعل الإنساني، ولا يكون هناك شخصيات محورية؛ يشار إليها بالبنان؛ بين أحضان المجتمع، كما أنه في فعل المنافسة تحقيق للذات الفردية، المجبولة أصلا على الفردية والتميز الفردي، وعلى تحقيق الذات، وكذلك – في المقابل – فبدون التشاركية؛ كما يرى آخرون كذلك؛ انتفاء اللحمة الاجتماعية المعبرة عن تعاضده وتكاتفه، وبلوغه مبلغ السمو الاجتماعي، ومثلبة هذا الجانب أن يذوب الفرد في المجتمع، ولا يظهر التميز والتفرد.

كلا الحالتين فيهما مخاطرة بالفردية، فالمنافسة التي تعلي من شأن المنافسة، إن لم تحكم بضوابط، فإن الفردية هنا ستتعالى كثيرا على كل مقدرات المجتمع، وترى أن لها الحق في كل شيء، وتتحول مع مرور الزمن إلى حالة «مارد» لن تقف أمامها القوانين المنظمة للعلاقة بينها وبين المجتمع في المشروع وغير المشروع، وينتفي مفهوم «لك حق، كما عليك واجب» حيث يسود «لك حق»، وأما في المسألة التشاركية، فهي تلغي حقيقة هذا الفرد وتدمجه في المجموع، وبالتالي مع مرور الزمن تنكفئ الهمم الفردية، وتتوارى بعيدا، فتضعف صورة المجموع، وتظل ضعيفة ومتقهقرة، مع الأخذ في الاعتبار أن الهمم الجماعية؛ ومن خلال مراقبة الواقع؛ لا تصمد كثيرا، حيث تضيع المشروعات الجماعية وتتوارى، لشعور الأفراد المتميزين بـ«الغبن»، وهنا فعلى المجتمعات أن تكون أكثر حيوية وذكاء، في هذه المسألة، وذلك من خلال تفعيل الفردية ضمن البيئة التشاركية، ولا تتعالى فقط بالصورة العامة المتحققة والمعبرة عن المجموع، وهذه مسألة دقيقة جدا، يعيها العارفون بمظان الأنفس التي تتوق دائما لأن تجد مكانها في وسط المجموع، ولعل الصورة الماثلة دائما في البيئة التشاركية، أن هناك ممارسات إقصاء للفعل الفردي داخل المجموع، وإتاحة الفرصة لذوات أخرى تبدأ للتو الظهور على السطح، حتى يستقر نشاطها، فتواجه بمثل ما واجهته السابقة، وبالتالي فالمجتمعات التي تمارس هذا النوع من الإقصاءات هي تحجز لنفسها تذكرة الخروج من الميدان والبقاء طويلا رافعة راية التميز والنمو والتطور.