إشراقات

النظافة :جمال بلا حدود «1-2»

14 فبراير 2019
14 فبراير 2019

علي بن سعيد العلياني -

الجمال مصدر السعادة والبهجة والسرور، والجمال مصدر الحياة الهانئة والعيش الرغيد؛ بسبب أنه يبعد شبح الكآبة والضيق والضجر والملل. والجمال سلاح فتاك يبعد الوساوس والهواجس. والجمال حيوية ونشاط وهمة، وبالتالي قوة وحماس وعطاء بلا حدود. والجمال هو الحياة التي تعني أنك تعيش في ظروف مواتية مثالية تساعدك على تجاوز الصعاب وتحدي المشاق والقفز فوق الظروف الصعبة والوصول إلى المراد وتحقيق الأهداف بكل أريحية. هذا الجمال الذي تنشده يأتي بنسبة كبيرة من جمال الواقع الذي نعيشه، وجمال الحال الناتج عن جمال البيئة المحيطة بنا. وجمال البيئة هو نتيجة حتمية لثقافتنا في هذا الجانب. على سبيل المثال، كلنا ننشد مشاهدة جمال الطبيعة الذي نسج خيوطه الخالق الرازق، لكن هذا الجمال على سحره وحلاوته وما يبعثه في النفس من بهجة وسرور إذا لم نحافظ عليه بما يبقيه على نضارته ونظافته فسوف يزول ويصبح مكانه منظرا غير مألوف، يأتي بنتائج عكسية. فالنظافة هي سر الجمال في كل نواحي حياتنا، فالثوب النظيف هو جمال، والبدن النظيف جميل، والبيئة النظيفة جميلة، والبيت النظيف جميل، والمسجد النظيف جميل، والمدرسة النظيفة جميلة، والدهر النظيف جميل.

فالنظافة جمال وبهاء وروعة وعطاء بلا حدود أينما حلت. كلنا نحب الجمال ويأسر قلوبنا ويخطف ألبابنا ويبهج نفوسنا. نحن نبحث عن الجمال أينما حللنا أو رحلنا، فالجمال يروي ظمأ القلب ويشبع جوع النفس ويملأ جوانب وحنايا الوجدان. الجمال مصدر الإلهام والسعادة والعيش الهانئ. وما دام كل هذه المزايا وغيرها يضمها الجمال فهو يستحق التضحية والعطاء والصبر بلا حدود. ومرة أخرى، الجمال هو الصورة التي ترتسم لتعكس حبنا للحياة في أبهى صورها وأجمل حللها. الجمال الذي ننشده ونحلم به ونتمناه موجودا في كل مكان، فقط يريد منا أن نكيف أنفسنا مع الظروف المحيطة من أجل العطاء القائم على توظيف البيئة المحيطة من خلال محافظتنا على النظافة العامة والخاصة، والحرص على مقومات البيئة من الضياع والتلف والتخريب أو الاندثار. فالحديث النبوي «إذا كان في يد أحدكم فسيلة وقامت القيامة فليغرسها» يدل دلالة واضحة على أن نكون مصدراً لجمال الطبيعة حتى في قمة الفزع والهول واليأس من الحياة، فالأشجار تجسد جمال الطبيعة في أبهى صورها، فإن تزرع شجراً بدل أن تقلع فأنت تساهم في جمال الطبيعة من وجهين؛ فأنت منعت نفسك من الفتك بجمال الطبيعة وأضفت إليه جمالاً على جمال. كما أنك عندما ترى شخصاً ذا هندام ولباس جميل تشعر بالارتياح وترى الجمال الذي هو أساس المودة وإدخال السرور إلى القلوب، على عكس عندما ترى شخصاً مقتدراً أهمل هندامه وسواء أنه لم يعالجه بالنظافة أو أنه تركه مهلهلاً. وعندما ترى بيتاً أشجاره منسقة تنسيقاً رائعاً وهو على حاله هذا نظيفاً مرتبة مرافقه، فإنك تحس بالسعادة؛ لأن العين تعشق الجمال فترسله إلى المخ الذي يترجم المناظر الرائعة في صورة سعادة غامرة وفرحة لا توصف، وهكذا. أيضاً قس على ذلك السوق الجميل الذي تعرض فيه البضائع بطريقة جذابة وتكون ممراته وشوارعه نظيفة، والروائح التي تنبعث من محلاته زكية تنعش النفس.

فالجمال الذي تنتجه النظافة وما يلحق بها من نظام وتناسق هو مصدر سعادتنا لأنه جمال قائم على سحر الطبيعة، وسبقه التخلص من كل ما يؤدي إلى الأوبئة والأمراض المعدية بسبب النظافة.

والطبيعة لكي يبقى مشعاً ناظراً ومصدر إلهام لا بد من المحافظة عليه وتنميته بالوسائل الممكنة. وهو مصدر مهم جداً لهواء نقي وأوكسجين غير ملوث. إذ جمال الطبيعة كما أنه مصدر ابتهاج وانشراح وحبور، فهو مصدر هواء نقي يمد أجسامنا بالصحة والعافية والنوم الهانئ المريح.

وجمال النظافة جمال متجدد وهو بهذه الصورة يبعد الرتابة والملل والضجر وهذه أمراض، وإن كانت نفسية، إلا أنها قاتلة ومتعبة في غالب الأحيان؛ وبالتالي يخلصنا من شرور وعواقب وخيمة ويبعد عنا شبح الكآبة المهلك.

وجمال النظافة هو نتيجة تفاعلنا مع البيئة المحيطة وهذا التفاعل مطلوب من أجل الحركة وتعدد المناظر وتجدد الجمال الذي هو مطلب ملح وضروري في ظل إيقاع الحياة السريع، والذي يسبب الاستغراق في مكونات حجارية تسبب تبلد الإحساس وموت المشاعر المفضي إلى، أحياناً، حالات من الانتحار والموت البطيء.

وجمال النظافة لا يحده حدود ولا يقف عند زمان أو مكان واحد، بل هو مجال يلازم الشخص في كل لحظة أو حين، ويستمتع بهذا الجمال بالليل والنهار. فكما أن أشعة الشمس تكشف كل نقطة جمال في هذا الكون، أيضاً عتمة الليل تحت الأضواء الكاشفة تكشف جمال الألوان بعيداً عن أشعة الشمس المؤذية، أحياناً، والليل رومانسية بلا حدود.

وجمال النظافة تعيش روعته باستمرار، فما دام عقلك يفكر وعينك تشاهد وأذنك تسمع وأنفك يصله عبق الروائح الطيبة، فإن هذا الجسم تسري فيه حيوية ويكتسب نشاطاً غير اعتيادي؛ لذلك نجد العطاء كبيراً والإنتاج وفيراً، والابتسامة طاغية على قسمات الوجه.

وجمال النظافة كما أنك تعيشه حسياً وحركياً، أيضاً تجد نتائجه الرائعة ومذاقه اللذيذ عندما تتناول طعامك الذي حافظت في كل مراحل إعداده وطهيه على أبجديات النظافة. فالطعام سواء كان طازجاً نيئاً أو مطهياً، عندما يكون نظيفاً يكون صحياً بالدرجة الأولى، وبالتالي جمال الصحة لا يساويه أي جمال. وأيضاً يكون جميلاً محبباً لنفس تأكل بكل رغبة، وهذه نعمة كما يقولوا «أن تأكل بنفس»، أي بنفس تشتهي وتتذوق الطعام بسبب نظافته وطريقة إعداده وطهيه.