الملف السياسي

منتدى دافوس.. تكريس للعولمة

04 فبراير 2019
04 فبراير 2019

عوض بن سعيد باقوير -
صحفي ومحلل سياسي -

منذ ظهور فكرة منتدى دافوس عام 1971 على يد البروفسور كلاوس شواب والتحديات الاقتصادية والاجتماعية ووضع العولمه بكل تداعياتها تعد من الأهداف الكبرى لهذا المنتدى والذي بدأت أعماله بشكل محدود من خلال مقره الأساسي في كولونجي السويسرية، ومع المتغيرات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية وجملة من الصراعات الإقليمية والدولية تحولت الأنظار نحو مدينة دافوس السويسرية الصغيرة والتي تقع على نهر لاندويسر.

ومنتدى دافوس هو منظمة غير حكومية لا تهدف للربح ومقرها جنيف وتهدف الى إيجاد قواسم مشتركة في عالم اليوم، وطالما ان الغرب هو أساس الرأسمالية والاقتصاد الأكبر فان المنتدى تحول تدريجيا الى مسألة مناقشة المفاهيم التي تكرس العولمة بكل مظاهرها السلبية والإيجابية على حد سواء.

وهناك مخاوف تعبر عنها الدول النامية من تكريس تلك العولمة السلبية والرأسمالية المتوحشة والتي لا تعطي الفرص للتنمية المستدامة في تلك الدول النامية من خلال الاستغلال للموارد في تلك الدول بصورة غير عادلة خاصة في افريقيا، ومن هنا تحول منتدى دافوس الى منصة للحوار من خلال المشاركة الواسعة من صناع القرار السياسي والاقتصادي وممثلي الحكومات وكبرى الشركات العالمية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والخبراء من خلال 400 جلسة حوارية ونقاشات متنوعة في شتى المجالات.

التحول السياسي

رغم أن فكرة المنتدى تقوم على بحث القضايا التي تؤرق العالم والإنسانية في المجال الاقتصادي وتحسين البيئة وإشكالات المناخ للوصول الى قواسم مشتركة وبحث قضايا الفقر والأمراض، إلا أن المنتدى بدأ يفرض نفسه كمنصة سياسية من خلال عدد كبير من القادة ووجود الاجتماعات الجانبية وتكريس فكرة العولمة من خلال البحث عن صياغات تلبي سيطرة القلة المتحكمة في الاقتصاد العالمي من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهما اكبر مؤسستين ماليتين في العالم ويقع مقرهما في الولايات المتحدة الأمريكية.

منتدى دافوس ليس به قرارات ملزمة حيث إن هناك توصيات عامة استرشادية للدول والمؤسسات الخاصة من خلال أفكار الخبراء، ولعل المنتدى الأخير في دافوس والذي انعقد يوم 22 يناير الماضي ركز على الجيل الرابع من العولمة تحت عنوان تشكيل بنائية العالم في عصر الثورة الصناعية الرابعة من خلال إعادة تعريف العولمة من خلال التحول من القطبية الأحادية التي تقودها حاليا الولايات المتحدة الى عالم متعدد الأقطاب وهو أحد المطالب الملحة لدول العالم النامية وحتى من خلال الأمم المتحدة وتوسيع العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي.

ومن القضايا الأساسية في مسألة تكريس العولمة الرابعة هو موضوع التكنولوجيا والتحديات المناخية والبيئية ومشاكل النمو الاقتصادي في الدول الفقيرة، ومن هنا يتبنى المنتدى القضايا الكبرى في العالم من الناحية الفكرية في حين أن القيادات السياسية تركز على واقع الصراعات الحالية خاصة الحروب.

من خلال الخطب والكلمات لعدد من قادة العالم فإن المنظور السياسي يطغى على صياغة الأفكار المطروحة، من خلال تقديم حلول انتقائية تخدم مصالح الدول الكبرى في حين ان فكرة المنتدى هي إيجاد عالم افضل تتحقق من خلاله العدالة والرفاهية للبشرية الى حد ما من خلال معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية واستغلال الطفرة المعلوماتية والتقنية لصالح الشعوب.

العولمة والحوكمة

يتفق الجميع من الخبراء والاقتصاديين على أن تكريس مبدأ الحوكمة هو مبدأ أصيل وإذا كانت العولمة في جانبها الإيجابي سوف تحسن من حالة العالم الراهنة، فان ذلك سوف يعتمد على الحوكمة وعلى مستوى أداء الشركات والحكومات والمستويات الدولية، حيث ان الحوكمة أصبحت مطلبا محليا وإقليميا ودوليا للتأكد من سلامة الأداء والبعد عن الشبهات المحتملة من خلال الأداء الاقتصادي والمؤسسي للدول والشركات والمنظمات المختلفة في عالم اليوم، ومن خلال الشفافية والنزاهة، وكما يقول مؤسس المنتدى الأستاذ كلاوس شواب «بأن العالم يشهد الآن بدايات الجيل الرابع من العولمة في وقت لسنا فيه مستعدين بدرجة كبيرة للتغيير الذي نواجهه».

التطورات التقنية والمعلوماتية تتسارع بشكل مذهل والثورة الصناعية الرابعة تنطلق هي الأخرى بشكل سوف يغير ملامح العالم شرقه وغربه، وسوف تكون هناك فجوة كبيرة بين الشمال الغني والجنوب النامي كما هو الآن في الفجوة الرقمية الى حد كبير، وعلى ضوء ذلك تكمن أهمية منتدى دافوس في نقاش هذا المتغير المجتمعي العالمي بعيدا عن السياسة وازدواجية معاييرها والتي أضرت كثيرا بأحلام البسطاء في هذا العالم من خلال احتكار الموارد من الأقلية.

وعلى ضوء تكريس الحوكمة والشفافية والعدالة الاجتماعية فان العالم يحتاج الى تغيير منهجي في فلسفته الفكرية والسياسية والتي انتجت خلال القرن الماضي أوجاعا وآلاما كبيرة لجنوب الكرة الأرضية من خلال الاستعمار والعبودية لكثير من شعوب العالم المحرمة حتى من مواردها كما هو الحال في افريقيا.

ان المنهجية لا بد ان تتغير من خلال منصة دافوس أو غيرها من المنصات الحوارية في العالم وأبرزها الجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤتمرات المناخ والسلام، فوجود قيادات سياسية واقتصادية وفكرية وعلى ضوء عدد من دورات منتدى دافوس خلال العشر سنوات الأخيرة لم يثمر الكثير، وهذا يعني ان الجيل الرابع من العولمة لا بد ان يستجيب للأوضاع الملحة للشعوب النامية ولإيجاد إصلاحات حقيقية في الدول الناميه أولا، وأيضا أن تكون هناك مساعدة حقيقية للارتقاء بالمشهد الاقتصادي والتنموي لقارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية أو الجزء منها الذي لا يزال يرزح تحت وطأة الفقر والجهل والمرض وخاصة القارة الافريقية.

التنمية المستدامة

العالم يتحدث عن ضرورة التنميه المستدامة وفي البلدان النامية فان ثمة صعوبات منهجية وأخرى تتعلق بمفهوم التنمية والاجراءات الداخلية لكل الدول، فافريقيا وحتى أمريكا اللاتينية وجزء من آـسيا تتفشى فيها ظاهرة الفساد والبيروقراطية وغياب كبير للإدارات الذكية وهذا يكرس فكرة الصراع على السلطة وفكرة المصالح الشخصية. ولعل إيجاد حلول ذكية لتلك الإشكالات سوف يعطي تغييرا مطلوبا لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في افريقيا مثلا، كما ان مسألة الديون التي يرزح تحت وطأتها عدد كبير من الدول النامية تعد أحد المعوقات نحو إيجاد التنمية المستدامة، ولعل صندوق النقد الدولي كرس ولسنوات طويلة فكرة الديون للدول النامية وهذا بدوره كرس المصاعب والبعد عن الشفافية، والحوكمة التي يركز عليها الخبراء في منتدى دافوس باعتبارها الآلية الأساسية للتخلص من قضايا الفساد التي أصبحت من اكبر المشكلات التي تقف أمام الدول النامية للتطور والاصلاح، ومن هنا فإن منصة دافوس الحوارية وهي تتحدث عن الجيل الرابع من العولمة لابد ان تتبنى قضايا العالم الثالث من خلال رؤية حقيقية تساعد ذلك الجزء الجنوبي من العالم للحاق بركب التطور الإنساني والحضاري.

نجاح التنمية المستدامة في الدول النامية وتقريب المسافات على مستوى التطور الإنساني وتقليل الفوارق هو الذي سوف يقود الى عالم مستقر والى تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية، بعيدا عن الشعارات التي ترفع في تلك المنصات دون إيجاد حلول ترفع تلك الالام والمعاناة عن تلك الشعوب والتي كانت طوال سنوات طويلة من القرن العشرين ضحية للأنانية والاستعمار ونهب الموارد وتكريس للصراعات والحروب، ومن هنا حان الوقت لإيجاد المعادلة والتي تعطي الأمل نحو تنمية حقيقية ومارشال للدول الفقيرة تستطيع من خلاله النهوض والاستعداد لتلك العولمة الرابعة ولضرورة التغيير في الفكر الإنساني الحديث.