1121543
1121543
عمان اليوم

فن المناظرات .. طريق نحو حرية التعبير عن الرأي وتجديد روافد الإبداع

01 فبراير 2019
01 فبراير 2019

[gallery columns="1" size="full" ids="668318"]

قطر أول دولة تؤسس مركزا له على المستوى العربي -

يساعد على تنمية مهارات التفكير والاستنتاج وتوعية المتناظرين بالقضايا العامة والتشجيع على الاطلاع -

استطلاع ـ سيف بن محمد المعمري -
ورجاء الخاطرية ولمياء المقبالية -

المناظرات هي حدث يحصل أمام جمع من الناس ويتمحور حول فريقين وهما فريق الموالاة الذي يوالي نص القضية، وفريق المعارضة الذي يعارض محتوى القضية، ويتم ذلك عن طريق القرعة. المطلوب من الفريقين إقناع لجنة التحكيم بالقرار الذي يقره المجلس عن طريق عرض الأدلة والبراهين. تستخدم في المناظرات لغات مختلفة، ولكن الدارج منها في الوطن العربي اللغة العربية واللغة الإنجليزية. أثناء المناظرة يجب احترام الفريق الآخر، وعدم الاستهزاء به، والإنصات بتمعن وعدم مقاطعة المتحدث إلا بعد أخذ الإذن.

ويهدف فن المناظرات إلى تحقيق مجموعة من الأهداف منها: البحث في الموضوع ومعرفة إيجابياته وسلبياته، تنمية مهارات التفكير والاستنتاج، توعية المتناظرين بالقضايا العامة، تشجيع المتناظرين على الإطلاع والقراءة، الثقة بالنفس والارتجال، وإتاحة الفرصة للتعبير عن الرأي.

ويطيب لنا أن نعرض لكم التجربة القطرية التي تعد تجربة رائدة وأساسا لانتشار فن التناظر في الوطن العربي، ومن ثم سنعرج على ما وصل إليه هذا الفن في السلطنة الحبيبة.

• المناظرات في قطر

أسست دولة قطر مركز المناظرات الأول في الوطن العربي، وبعدها قامت بنشره بين الدول الأخرى حتى أصبح ذا انتشار واسع، وعن الهدف من قيام دولة قطر بتبني هذا الفن يقول عبد الرحمن السبيعي رئيس قسم التواصل والتسويق في مركز مناظرات قطر: «هدف المركز هو توفير وتعزيز الأنشطة التعليمية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية لطلاب المدارس الثانوية والجامعات في دولة قطر، وكذلك تثقيف الشباب حول سبل التواصل والتفكير الناقد».

التطور والريادة

صارت المناظرات في دولة قطر من الفنون التي لها الحظوة والمكانة المهمة في مختلف المدارس والجامعات، ولم يأت هذا من فراغ بل بالعمل الجاد والمستمر لهدف محدد، وعن ذلك يقول السبيعي «اتسعت دائرة المناظرات في دولة قطر؛ لتشمل كافة المؤسسات التعليمية والقطاعات المختلفة من الدولة التي ضمت فئات المجتمع، وكان هدفنا العمل على توسيع نطاق الشراكات المحلية والدولية التي سترتقي بمنطقتنا وكافة أنحاء العالم؛ وذلك أن شباب قطر هم الأمل في غدٍ مشرق وفن التناظر ثقافة تلبي طموحاتهم الحالية والمستقبلية، وكان لا بد أن نبذل الجهود بهدف النهوض بفن التناظر الراقي الذي ينتج المعرفة ويفسح المجال للاختلاف والتنوع المثري».

الغاية والفائدة

كما أسلف السبيعي فإن فن المناظرات يهدف لغاية مهمة هي تقبل الرأي الآخر لبناء مستقبل واعد، كما يضيف عن فائدة التناظر في شخصية الطالب القطري «ثقافة المناظرات ترتقي بالطالب وتصنع منه الإعلامي والمدير والموظف الناجح الذي يتقن فن التخاطب والإقناع، كما أن المناظرات جزء من تكوين الشخصية وضبطها على المستوى النفسي والاجتماعي والمعرفي والثقافي».

• الخطط والطموحات

وعن مستقبل المناظرات في قطر وما يهدف إليه مركز مناظرات قطر في المستقبل القريب يقول السبيعي: «سقف الطموحات لدى المركز لا حدود له، وفي كل عام نجدد في الأنشطة والفعاليات التي نقدمها، فمنها البطولات المحلية والدولية وأيضا أكاديمية التدريب على فن التناظر المبني على أسس علمية ولدينا سفراء للمناظرات في بعض الدول نعول عليهم ليكونوا حلقة وصل بيننا وبين المهتمين بفن المناظرات في هذه الدول. أضف إلى كل هذا جائزة رواد المناظرة وأكاديمية النخبة في مرحلتها الثالثة وبعض المشاريع التي سنكشف عليها لاحقاً، فبعد مرور 10 سنوات من التأسيس أصبح مركز مناظرات قطر منارة يُستدل بها وترشد كل الراغبين في تعلم ثقافة المناظرات إلى الأسس التي يسيرون عليها على خطى المركز، لذا فإن المركز لن يقف عند نشر المناظرات فحسب لكنه ولد وأصبح فتياً وشاباً وفي كل مرحلة من مراحل عمره ستكون له محطة مهمة حتى نصل إلى الكهولة بحكمتها».

الآثار الجانبية

مع كل هذا العمل والإنجازات المتكررة والطموح الذي يعانق السماء تبادر في ذهننا سؤال: هل من آثار سلبية لفن التناظر على المجتمع القطري أو بالأحرى الطالب القطري؟ وعن ذلك يجيب السبيعي بكل وضوح فهو ذكر الحلول قبل أي يذكر السلبيات؛ حيث يقول «المركز يحرص على تثبيت معاييره ورسالته من تعلم المناظرات التي نستخلصها من شعاره «مناظرو اليوم قادة المستقبل»، فالمعايير الواضحة تصقل السلبيات، ووضوح الخطط هو ما يلغي السلبيات عدا بعض الحالات، وهي ليست عيبا في هذا الفن بل في بعض مزاوليه ألا وهو أن معظم مدربي المناظرات أصبح لديهم هوس الفوز قبل أي شيء آخر، وهذا ليس هدف المركز من تعلم المناظرات ونشرها».

ويختتم السبيعي حديثه بالقول «تكمن ضرورة تعلم المناظرات في كونها اللغة الحضارية في عصرنا الحالي حاضراً ومستقبلاً فهي محفزة للتعلم واحترام وجهات النظر المغايرة لرأيهم، حيث تمكّن الطلبة من معرفة الرأي المغاير لرأيه وصاحب الرأي المؤيد. وتفيد في التعبير الدقيق عن الفكرة المطروحة، والقدرة على اختيار الألفاظ بدقة، والتفكير المنطقي والحجة في الإقناع».

المناظرات في السلطنة

كانت البداية لهذا الفن في سلطنة عمان عن طريق تأسيس فريق مناظرات عمان وذلك في 31 يونيو 2016م، والذي أسسه ويترأسه حتى يومنا هذا سالم الشماخي، فقد كان لهذا الفريق بصمة واضحة في تطوير فن المناظرات في السلطنة ويقول الشماخي: «البداية كانت متواضعة جدا من خلال جهود شخصية من الشباب المهتمين بالمناظرات، وذلك بتقديم الورش البسيطة بجهود ذاتية لبعض طلبة المدارس في المحافظات وكذلك مؤسسات التعليم العالي، إلى أن تم تأسيس فريق مناظرات عمان الذي ضم نخبة من الشباب المهتمين بمجال المناظرات ليساهم الفريق برسم خطة لتطوير المناظرات في السلطنة من خلال تقديم ورش تدريبية منهجية في مختلف محافظات السلطنة، وكذلك قام الفريق بإيجاد شراكات مع مؤسسات حكومية لدعم فن المناظرات أهمها الشراكة مع اللجنة الوطنية للشباب التي تبنت مشروع البطولة الوطنية للمناظرات وإقامتها بشكل سنوي، حيث ساهمت في نشر فن المناظرات بشكل أوسع، وأدت إلى إنشاء أندية وجماعات للمناظرات في مختلف المؤسسات التعليمية، كما ساهمت هذه البطولة أيضا في تطوير مستوى الفرق في السلطنة؛ مما ساهم في حصد مراكز متقدمة في البطولات الدولية للمناظرات، وكل هذه الجهود التي قام بها فريق مناظرات عمان تكللت بالنجاح، وذلك بتتويجه بجائزة رواد المناظرة من مركز مناظرات قطر كأفضل فريق على مستوى العالم ضمن ٨٠ فريقا منافسا.

وأيضا من ضمن الشركات المهمة للفريق إدراج مسابقة المناظرات ضمن مجالات مسابقة الإبداع الطلابي لكليات العلوم التطبيقية حيث تقام هذه المسابقة كل عامين، ويشارك فريق مناظرات عمان في الإعداد والتحكيم والتنظيم لهذه المسابقة.

المعوقات والحلول

لا بد لكل عمل من عوائق وعثرات تمنعه من الانتشار وتحقيق النجاح، وعن أهم المعوقات التي واجهت انتشار فن المناظرات في سلطنة عمان يقول الشماخي: «أهم المعوقات كانت عدم تقبل الفكرة من الشباب والمؤسسات وعدم وجود جهة رسمية تدعم أو تتبنى مشروع المناظرات، وبالتالي فإن هذا الحاجز الفكري أدى لقلة انتشار فن المناظرات بسرعة حتى استطاع فريق مناظرات عمان من عمل شراكة مع اللجنة الوطنية للشباب مما أدى إلى أنتشار واسع لهذا الفن حتى أصبحت المناظرات منتشرة في مختلف المحافظات والمؤسسات التعليمية والشبابية وأكبر دليل على ذلك وجود أكثر من ١٢ ناديا وجماعة للمناظرات في السلطنة حاليا».

• التأثير والفائدة

ما فائدة المناظرات وهل لها من آثار سلبية على الأشخاص وبالأخص طلبة الكليات والجامعات؟ فقد يقول قائل: إن المناظرات سبب للجدال الذي لا طائل منه ولا فائدة لها على شخصية الفرد وعلى هذا الرأي يرد الشماخي قائلا: «تتيح المناظرات للطالب الجامعي حرية التعبير عن رأيه وتشجع على احترام الرأي الأخر وتنمية مهارات النقد البناء والتحليل والبحث العلمي، كما تساهم في تحسين أسلوب الحوار وتعزيز الثقة بالنفس وتطوير الجانب المعرفي والثقافي للطالب بالإضافة إلى تطوير القدرات القيادية لدى الشباب؛ وذلك بتمكينهم من اتخاذ القرارات ومن يقول: إن المناظرات جدل لا طائل منه فهو لم يعش جو المناظرات الذي يتسم بتوفير البيئة المناسبة للنقاش البناء والحوار الهادف والبعد كل البعد عن الكلام الذي لا فائدة منه أو العبارات الجارحة والمسيئة واحترام وجهات النظر للطرف الآخر».
وكمثال على الفرق أو الأندية الخاصة بالمناظرات في السلطنة نسرد لكم تجربة نادي مناظرات كلية العلوم التطبيقية بصحار، حيث أبت هذه الكلية الرائدة أن تكتفي بتقديم مسار واحد للطالب بل سعت إلى فتح مجالات الحوار وترسيخ مبدأ تقبل الرأي الآخر، وذلك بتأسيس ناد للمناظرات؛ ليكون للأفكار والتوجهات صدى يسمع بين أرجائها، ولأجل أن ترتقي الكلية بآراء طلابها وأسلوب حوارهم، ليتمكنوا بعد ذلك من مواجهة قضايا المجتمع، وإيجاد حلول نموذجية لها، وتفعيلها على أرض الواقع حيث يقول خميس المعمري مشرف نادي المناظرات في كلية العلوم التطبيقية بصحار عن المستقبل الذي يراه لفن المناظرات في السلطنة: «بدأ هذا النشاط في السلطنة من ثلاث سنوات تقريبا بفاعلية أكبر، وذلك بدعم من قبل وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم، وهذا الدعم يتجسد في عديد من المسابقات التي تقيمها كلتا الوزارتين في مجال المناظرات، ولا يغيب عنا الدور الفعال للجنة الوطنية للشباب في احتضان هذا الفن والاهتمام به، وكانت النتيجة رائعة حيث تمثلت في العدد المتزايد للأندية الخاصة بفن المناظرات، والوعي الملحوظ لدى الطلبة المشاركين في هذه المسابقات وتطور طريقة طرحهم للمشاكل والسعي لإيجاد حلول لكل ما يعترضهم من مشاكل في عالم المناظرات من جهة والانعكاس الرائع لسعيهم لإيجاد حلول لمشاكلهم ومشاكل مجتمعاتهم بطريقة حضارية، وبأسلوب راق في الطرح؛ لذلك أعتقد أن المستقبل سيكون جميلا جدا وأكثر وضوحا وانفتاحا، وسيستطيع هذا الفن أن يثبت أقدامه وينتشر انتشاراً واسعا لما له من فائدة»، وعلى هذا الصعيد حقق نادي المناظرات في كلية العلوم التطبيقية بصحار نجاحات كبيرة كان آخرها الفوز بالمركز الثاني في المسابقة الوطنية للمناظرات، وأيضا كانت له مشاركات كثيرة جدا سواء داخلية أو خارجية في دولة قطر الشقيقة. براء ضرار الأحمر صاحب الـ24 ربيعا من سوريا يدرس في جامعة قطر في السنة الأخيرة تخصص هندسة مدنية، وهو شاب محب للمناظرات وللأعمال التطوعية الشبابية هكذا وصف نفسه عندما سألناه، ولكن هذا الشاب أكبر من هذا الوصف بكثير، وذلك بشهادة الجميع، وأقل ما يقال: إنه الأول على مستوى العالم في المناظرات حيث بدأت قصة عشق براء للمناظرات منذ نعومة أظافره الجامعية أي في السنة الأولى لدخوله الجامعة في عام 2012م، حيث دخل براء هذا المجال بعد سماعه عن نادي المناظرات وإعجابه بفكرة المناظرة والنقاش الراقي والتفكير النقدي والاحترام للآراء المختلفة والمضادة، وخلال رحلته في مجال المناظرات واجه براء معوقات قد تكون متشابهة بيننا جميعا حيث يقول: «أكبر معوق واجهني هو التوفيق بين الدراسة وبين ممارسة هذا الفن، بالإضافة إلى صعوبة الانسلاخ في البداية عن طريقة التفكير القديمة للبدء بممارسة المناظرة بشكل فعال حقيقي». وعن التأثير المفصلي للمناظرات على شخصية براء يحدثنا « في الحقيقة، أستطيع أن أقول وبكل حزم بأن براء قبل المناظرات هو بالتأكيد ليس براء بعدها فقد أثرت المناظرات بنفسي وزادتها بشكل ملحوظ، وزرعت في مهارة التفكير النقدي والتي أصبحت جزء من شخصيتي بعد ذلك وجعلت التركيز لدي في النقاشات ينصب دوما على الأفكار لا الشخصيات».