أفكار وآراء

المنطقة «الآمنة» بين الولايات المتحدة وتركيا

01 فبراير 2019
01 فبراير 2019

ماجد كيالي -
[email protected] -

تساؤلات عديدة تطرحها فكرة «المنطقة الآمنة» في سوريا، بخصوص معناها وحدودها وغاياتها السياسية، وهي الأسئلة التي يفترض وضع إجابات لها من ثلاثة أطراف رئيسة هي الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وروسيا.
فعلى رغم أن تلك المنطقة هي نتاج توافق، لم تتوضّح أبعاده بعد، بين الطرفين الأولين، إلا أنه من الصعب، أيضاً، الالتفاف على الموقف الروسي، بحكم العلاقة التي أضحت تربط تركيا بروسيا، في الصراع السوري، سيما في الأعوام الثلاثة الماضية، وهو الأمر الذي تم بحثه في لقاء قمة ثنائي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان (موسكو 23 يناير)، ما يذكّر بالقمة الثنائية السابقة التي عقدت في سوتشي بينهما (17 سبتمبر الماضي)، ونجم عنها، في حينه، اتفاق «وقف التصعيد» في منطقة إدلب وريفها.

على أية حال، ليست تلك هي المرة الأولى التي تطرح فيها فكرة المنطقة الآمنة، في شمالي غرب سوريا، أو شرقي الفرات، حيث تسيطر الولايات المتحدة الأمريكية (وقوات «قسد»)، إذ كانت طرحت في بدايات الصراع السوري، سيما بعد تحوله إلى صراع مسلح، سيما منذ مطلع العام 2012.

وقد يجدر التذكير هنا أن هذه الفكرة كانت تأخذ شكل فرض منطقة حظر جوي أحياناً، على نحو ما جرى في العراق في التسعينيات، أو شكل فرض منطقة آمنة، محصّنة تجاه أية عمليات عسكرية، بما في ذلك القصف الجوي، على نحو ما فرضته الولايات المتحدة في المنطقة المذكورة في العامين الماضيين.

أيضا، يأتي في ذات السياق أن كلا من دول «ثلاثي آستانة»، أي روسيا وتركيا وإيران، كانت وقعت على اتفاق (أستانة، مايو 2017)، الذي يقضي بإنشاء «مناطق منخفضة التصعيد» أو ما عرف بـ «المناطق الآمنة» في سوريا، في الشمال (في حلب وإدلب وأريافهما) وفي الوسط (دمشق وريفها) وفي الجنوب (درعا وريفها)، وهو الأمر الذي تم تجديده في إدلب، كما قدمنا، أواخر العام الماضي، علما أن منطقة إدلب هي الوحيدة التي صمد ذلك الاتفاق فيها، من بين المناطق الأربعة المذكورة، والتي استعاد النظام السيطرة عليها، بمساعدة عسكرية روسية.

بيد أن المسألة الأهم هنا تكمن في لفت الانتباه إلى أن طرح فكرة «المنطقة الآمنة» في الظروف والمعطيات الراهنة يختلف عنه في البدايات، لأسباب عدة أهمها:

أولاً، كان الهدف من إنشاء تلك المنطقة في البداية شلّ الآلة العسكرية للجيش السوري، وتالياً تجنيب السوريين أعمال القصف والتشريد وتدمير العمران، في حين الهدف منها حاليا هو الاحتفاظ بها كمنطقة نفوذ تحت الولاية الأمريكية أو التركية، أو ضمن توافق أمريكي ـ تركي، كورقة مساومة في تشكيل سوريا المستقبل. ثانيا، في البداية كانت المسألة لا تتعلق فقط بمنطقة محدّدة، ولا لحماية مجموعة سكانية معينة (الأكراد مثلا)، وإنما تتعلق بفرض حظر جوي في مختلف المناطق، أي في الشمال والجنوب والوسط، وبما يشمل حماية معظم السوريين، في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية.

ثالثا، يجري الحديث عن تلك المنطقة حاليا في إطار سعي الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع العسكري في سوريا (الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل)، لفرض أجنداتها الخاصة، التي تختلف عن مصالح السوريين وعن تطلعاتهم، عبر فرض سيطرة كل منها في منطقة معينة، لتحسين مكانتها في التقرير بالشأن السوري.

رابعاً، في البدايات تم طرح هذه الفكرة في مواجهة الحكومة، حيث لم يكن ثمة تدخل عسكري مباشر، لا روسي، ولا تركي، ولا أمريكي، وحيث التدخل الإيراني لم يكن بتلك القوة، أو الحضور، في حين الأمر اليوم مختلف تماما، مع حضور كل تلك القوى على مسرح الصراع السوري.

خامسا، فوق كل ما تقدم فإن تموضع القوى الخارجية المتصارعة في سوريا لم يكن على النحو الحاصل في هذه الظروف، إذ ثمة الآن نوع من تنسيق روسي ـ إيراني ـ تركي، وهو ما تمثل بمسار أستانة (2017) ومؤتمر سوتشي (2018)، حيث كانت تركيا في السابق تقف في موقع مختلف، أي متوافق مع المعارضة السورية، وأقرب لموقف الولايات المتحدة، وأكثر بعدا عن الطرفين الآخرين أي روسيا وإيران حلفاء النظام، بل وفي الخندق المواجه لهما.

سادسا، يجري الحديث عن المنطقة الآمنة، هذه المرة، بين الولايات المتحدة وتركيا، بمعزل عن الأطراف الأخرى، لاسيما روسيا وإيران، أي أن الولايات المتحدة هي التي ستكون معنية بفرض احترام هذه المنطقة، بعد حل مختلف الجوانب المتعلقة بالترتيبات التركية التي يفترض أن تقوم، ويأتي ضمنها الحؤول دون فتح معركة مع قوات «قسد»، إن بإبعادها من تلك المنطقة، وإيجاد منطقة خالية من تلك القوات محاذية للحدود التركية، بعمق 30 كلم إلى الداخل السوري، أو إيجاد طريقة يمكن من خلالها غربلة تلك القوات، وإخراج الجماعات التي لا تريدها تركيا بشبهة ولائها لحزب البي واي دي (حزب العمال الديمقراطي ـ التركي)، والمرتبطة بإيران.

عموما، وكما قدمنا، فإن طرح «المنطقة الآمنة»، الذي جاء بعيد اعتزام إدارة ترامب سحب قواتها من منطقة شرقي الفرات في سوريا (حوالي 2000 عسكري)، مع تأكيدها العمل على مواصلة الحرب ضد الإرهاب ومن اجل إخراج إيران من المنطقة، وفرض الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي (2254)، مازال يحتاج إلى مزيد من الوقت والفحص لاستكشاف حدوده، وغاياته، ومدى التوافق بين الأطراف المعنية بشأنه.