أفكار وآراء

مستقبل ألمانيا بأيدي الألمان الشرقيين!

30 يناير 2019
30 يناير 2019

سمير عواد -

بعد مضي ثلاثين عاماً على انهيار سور برلين، لا زالت ألمانيا تعيش حالة تحول. وعلى الرغم من تحسّن الأوضاع الاقتصادية وسوق العمل في الولايات الخمس الجديدة التي تأسست بعد الوحدة عام 1990 على أرض ألمانيا الشرقية، فإن قبول الناخبين الألمان الشرقيين الأحزاب الألمانية التقليدية لا زال ضعيفاً. وبعد أن كان حزب «اليسار» الذي خلف الحزب الشيوعي بعد الوحدة، يحظى بتأييد الكثير منهم، فقد حل مكانه حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، الذي تأسس في عام 2013 واستطاع خلال سنوات قليلة أن يُصبح ثالث أكبر حزب في ألمانيا ودخل برلمانات ولاياتها الستة عشرة إضافة إلى البرلمان الاتحادي «بوندستاغ» والبرلمان الأوروبي، رغم اعتماده على شعارات معادية للأجانب والإسلام وكذلك للأحزاب الألمانية التقليدية.

وينبغي التنويه أن حزب «البديل من أجل ألمانيا» ليس ظاهرة مقتصرة على ألمانيا الشرقية، ففي ولايات بألمانيا الغربية استطاع هذا الحزب الفوز بأصوات أكثر من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي كان يوما أكبر أو ثاني أكبر حزب في ألمانيا. لكن الملفت للانتباه أن أفضل النتائج التي حققها حزب «البديل من أجل ألمانيا» تمت في ولايات الشطر الشرقي حيث تعتبره عمليات استقراء الرأي الحزب الأكثر شعبية هناك والحزب الوحيد الذي ينافسه فيها هو الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وتخلت عن رئاسته في مطلع ديسمبر الماضي لصالح أنيجريت كرامب كارينباور التي تصبو لخلافة ميركل في منصب المستشارة في عام 2021.

ويشعر قادة الأحزاب التقليدية بقلق تجاه النتائج التي ستُسفر عنها الانتخابات التي تشهدها هذا العام ولايات في ألمانيا الشرقية بالإضافة إلى انتخابات البرلمان الأوروبي. وبينما حصل حزب «البديل من أجل ألمانيا» على أفضل نتائجه في انتخابات ولايتي «بادن فورتمبيرغ» و«هيسن» في الشطر الغربي، فإنه يحظى بتأييد واسع في الشطر الشرقي أكثر منه في الشطر الغربي من البلاد.

وقد استفاد حزب «البديل من أجل ألمانيا» من انتقاده سياسة الهجرة خلال السنوات الماضية حيث استطاع أن يثير المخاوف في نفوس المواطنين في الشطر الشرقي من «هيمنة الإسلام على أوروبا». وبحسب مسؤولين كبار في الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، دخل الصراع على الفوز بثقة الناخبين في ألمانيا الشرقية مرحلة حاسمة، ولم يسبق وأن شعرت الحزبان الكبيران أن الانتخابات في ولايات بألمانيا الشرقية سوف تكون على قدر كبير من الأهمية وأنها قد تحدد مستقبل ألمانيا.

وسوف تدخل ألمانيا مرحلة جديدة بانتخابات البرلمان الأوروبي في مايو المقبل الذي سوف يشهد أيضاً بعض الانتخابات البلدية، يتبعه انتخابات ولايات «براندنبورج» و«ساكسن» و«ثورنجن». ويرى المراقبون أن الحزب المسيحي الديمقراطي هو الحزب الوحيد الذي يستطيع منافسة حزب «البديل من أجل ألمانيا» بينما الحزب الاشتراكي الديمقراطي مهدد بمواجهة الهزائم في العمليات الانتخابية الثلاثة في الشطر الشرقي. معنى ذلك أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي قد يخسر الحكم في ولاية «براندنبورج» عندما تشهد الانتخابات في تاريخ الأول من سبتمبر المقبل، وتكتب نهاية حكم الاشتراكيين الولاية المذكورة منذ ثلاثين عاما. وترشح عمليات استقراء الرأي حصول الحزب المسيحي الديمقراطي وحزب «البديل من أجل ألمانيا» على أفضل النتائج، وربما حزب «اليسار»، لكن ليس هناك تأييد فعلي لحزبي «الخضر» و«الليبرالي» المعارضين في برلين. الأمر الذي طرح السؤال حول إمكانية تشكيل حكومات في ولايات الشطر الشرقي تجمع الحزب المسيحي الديمقراطي مع حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي. وكان هذا الموضوع قد شغل السياسيين الألمان قبل أشهر، بعد أن أصبح الحزب الشعبوي ثاني أكبر حزب في الشطر الشرقي، وقلق قادة الحزب المسيحي الديمقراطي في ولاية «زاكسن» من أن يكسب تأييدا في الانتخابات المقبلة تؤهله لتسلم مقاليد الحكم في أول ولاية ألمانية. وتجدر الإشارة إلى أن كافة الأحزاب التقليدية في البرلمان الألماني «بوندستاج» أعلنت رفضها التعاون مع حزب «البديل من أجل ألمانيا». وقامت ميركل بحسم الموقف بين قادة الحزب المسيحي الديمقراطي عندما أعلنت أخيرا رفضها التحالف مع حزب «البديل من أجل ألمانيا»، غير أن ميشائيل كريتشمر، رئيس الحكومة المحلية لولاية «زاكسن» قد يُضع حزبه أمام موقف صعب ويطلب منه الاستجابة لطلبه أن يتحالف الحزبان، إذا حصلا على أفضل النتائج ولم يحصل أي منهما على الأغلبية.

وكان هيلموت كول زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي والمستشار الألماني الراحل الذي يعود إليه الفضل في صعود ميركل في الحلبة السياسية الألمانية، قد اكتشف مبكرا أهمية الناخبين في الشطر الشرقي عندما نجح في كسب تأييدهم في أول انتخابات لعموم ألمانيا في عام 1990 بعد إبرام الوحدة الألمانية، ووعدهم في خطابه الشهير بساحة وسط مدينة «دريزدن» بأن تتحول مناطقهم إلى جنان غناء، وبعد أربع سنوات تبين أنه بالغ في هذا الوعد وحتى اليوم لا زال العمال والموظفون في الشطر الشرقي يتلقون أجوراً أقل مما يتقاضاه نظرائهم في الشطر الغربي، وخلال السنوات الماضية هاجر عدد كبير من الشباب من الشطر الشرقي إلى الشطر الغربي للحصول على حياة أفضل. ويعتقد العديد من المراقبين أن التأييد الكبير لحزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي في الشطر الشرقي، يُعبر عن انتقام الألمان الشرقيين من الأحزاب التقليدية في ألمانيا ومن ميركل التي يبغضها الألمان الشرقيون لأنهم يعتقدون أنها لم تعر مناطقهم أي اهتمام خلال توليها منصب المستشارة الألمانية.

ويشعر قادة الأحزاب التقليدية في ألمانيا بقلق من احتمال حصول حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي على نتائج كبيرة في الانتخابات القادمة في ثلاثة ولايات بألمانيا الشرقية. وترشح عمليات استقراء الرأي الحزب الشعبوي للفوز بالسلطة في ولاية «زاكسن» ونتائج كبيرة في ولايتي «براندنبورج»و«ثورنجن». في المقابل يواجه الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي خطر الهزيمة. وكانت ميركل قد حذرت في كلمتها إلى الشعب الألماني بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، من الاستسلام لشعارات الشعبويين. ومما لا شك أن ألمانيا مقبلة على تغييرات بعد الانتخابات المحلية المقبلة وإذا استطاع الحزب الشعبوي حسم النتائج لصالحه، سوف يزيد تعقيد الحياة الحزبية والسياسية في ألمانيا.