أفكار وآراء

الانقلاب الأخير في سياسة أمريكا الخارجية

29 يناير 2019
29 يناير 2019

عاطف الغمرى -

يحدث أحيانا أن يميل رئيس أمريكا إلى تيار بعينه يقود السياسة الخارجية في اتجاه يصفه الخبراء الأمريكيون، بأنه نوع من انقلاب السياسة الخارجية؛ وهو الوصف الذي أطلقوه على مسار سياسة أمريكا الخارجية في فترة حكم جورج بوش (الابن).

الآن يحظى هذا الوصف بالاهتمام في إشارة إلى الرئيس ترامب، استنادا إلى شواهد عن تحولات في إدارته للسياسة الخارجية.

ومثلما كان جورج بوش بدءا من عام 2001، يستلهم الفكر السياسي لإدارته من معهد أميركان انتربرايز، والذي كان يعرف بقلعة المحافظين الجدد، كما أن الغالبية العظمى ممن عهد لهم بالمناصب الرئيسية في إدارته بدءا من نائب الرئيس ديك تشينى، كانوا من قيادات الأميركان انتربرايز.

يحدث شيء مماثل هذه الأيام من تمتع مؤسسة من خارج إطار الإدارة الأمريكية، بنفوذ قوى على ترامب، وهى «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية»، والتي تأخذ إدارة ترامب بالكثير من الصياغات التي تطرحها هذه المؤسسة بالنسبة لعدد من قضايا السياسة الخارجية.

هذه المؤسسة عبارة عن مركز للفكر السياسي Think Tank مقره واشنطن العاصمة، وتركز نشاطها على مسائل السياسة الخارجية والأمن القومي، ويعرف أعضاؤها بأنهم من الصقور المتشددين، وهي تعقد مؤتمرات خلال العام، منها منتدى واشنطن السنوي، وتقدم المشورة للكونجرس، وضمن أعضائها مسؤولون كبار، ودبلوماسيون، وعسكريون. ولديها تركيز خاص على أحداث الشرق الأوسط، وظلت سوريا محل اهتمامها لسنوات متصلة. وهى تركز بصورة واضحة على ما تصفه بالتهديدات التي تواجه أمريكا، والغرب، وإسرائيل.

هذه المؤسسة لا تختلف في توجهاتها السياسية عن أفكار المحافظين الجدد، والتي تستند بها دونها على فرض هيمنة أمريكا على العالم، وإقليميا بما تظهره من تحيز كامل لإسرائيل، ولفكر الليكود بصفة خاصة. ومعروف عنهم رفضهم لمبدأ الأرض مقابل السلام، ولحل الدولتين، أو قيام دولة فلسطينية مستقلة.

وكان ترامب في المرحلة الأخيرة من التعديلات الوزارية المتتالية في حكومته، قد اختار شخصيات من أبرز قيادات المحافظين الجدد مثل جون بولتون الذي عينه مستشارا للأمن القومي، بالإضافة إلى وجود أحد أقطاب حركة المسيحية اليهودية المؤيدة تماما لكل ما تفعله إسرائيل، ومواقفها من رفض حل الدولتين، وهو مايك بنس نائب الرئيس، ثم اختياره مؤخرا لمايك بومبيو وزيرا للخارجية، وهو المعروف من قبل بتوجهاته للدفاع عن المفاهيم التي سبق أن طرحها ديك تشينى عن التحيز لإسرائيل، وأيضا لمبدأ الهيمنة الأمريكية عالميا.

مع ذلك، لا يلقى هذا التوجه من جانب ترامب قبولا عاما من الأمريكيين، وخاصة من الخبراء المختصين بالسياسة الخارجية، منهم مؤخرا البروفسور ستيفن والت في كتابه «نخبة السياسة الخارجية، وتراجع التفوق الأمريكي»، مشيرا إلى فكرة الهيمنة لدى المحافظين الجدد، وأن كل خطوة اتخذتها أمريكا في هذا الاتجاه لم تكلل بالنجاح. وإن التحرك النشط لفرض الهيمنة كان ينتهي في الغالب بالفشل.

وتحدث والت عن تصرفات تكررت لاستبعاد من ينتقدون هذه السياسة، واستشهد بما حدث أيام غزو العراق من توقيع مجموعة من رجال السياسة بيانا يهاجم الحرب على العراق، وكانت النتيجة استبعادهم من تولي مناصب متصلة بالسياسة الخارجية، ومنذ حرب العراق لم يطلب من أي واحد منهم، تقلد أي منصب في الحكومة، أو حتى تقديم المشورة لأي مرشح للرئاسة، وقد ربط والت هذا السلوك، بالنفوذ الذي تتمتع به مؤسسات سياسية خارج الإدارة، ومنها النفوذ الذي تمارسه على إدارة ترامب، مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية.

في إطار الخيارات التي يتخذها ترامب في وضع أنصار مبدأ الهيمنة، والتحيز المطلق لإسرائيل، في المناصب المؤثرة في إدارته، وكذلك من يعهد إليهم بمسؤولية مباشرة كل ما يتعلق بالنزاع الفلسطيني لإسرائيل، والمعروف عنهم تعصبهم الحاد لإسرائيل، والإيمان العقائدي بهيمنة أمريكا على العالم.

يبقى السؤال: ألا يمكن صياغة موقف عربي مشترك ومتكامل، للتعامل مع هذا الوضع، ولو من زاوية مد خط دفاع استراتيجي يعبر عن المصالح الفلسطينية والعربية، وهذا أقل ما يمكن توقعه إزاء هذا التوجه للسياسة الخارجية الأمريكية، والذي لم يعد يخفى على أحد، بل إن أمريكا ذاتها لا تخفيه، فهو إعلان صريح عن كيفية إدارة السياسة الخارجية، تجاه منطقتنا، بما في ذلك القضية الفلسطينية.