mohammed
mohammed
أعمدة

ردات فعل مبالغ فيها

29 يناير 2019
29 يناير 2019

محمد بن أحمد الشيزاوي -
[email protected] -

شهدت سوق مسقط للأوراق المالية العام الماضي تراجعات حادة، ليفقد المؤشر الرئيسي بنهاية ديسمبر الماضي 775 نقطة متراجعا للعام الثاني على التوالي، وكان قد فقد 683 نقطة في عام 2017 مقابل ارتفاع بـ376 نقطة في عام 2016 وتراجعٍ بـ937 نقطة و491 نقطة في عامي 2015 و2014 على التوالي، أي أن المؤشر الرئيسي لسوق مسقط للأوراق المالية فقد خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من 2500 نقطة وهبط من مستوى 6834 نقطة الذي كان عليه في مطلع عام 2014 إلى 4323 نقطة بنهاية عام 2018، كما أصبحنا اليوم نتحدث عن أحجام تداول عند 760 مليون ريال عماني بعد أن كنا نتحدث عن أحجام تداول تتجاوز مليارين و250 مليون ريال عماني. وعلى مستوى القيمة السوقية فقدت شركات المساهمة العامة المدرجة بسوق مسقط للأوراق المالية العام الماضي 968.7 مليون ريال عماني من قيمتها السوقية مقابل خسائر تقدر بـ756.6 مليون ريال عماني في عام 2017، وجاء هذا التراجع نتيجة لتراجع أسعار الأسهم خلال العام لتنهي 74 شركة تداولاتها على هبوط مقابل 27 شركة سجلت صعودًا، وهو مشهد يخالف تماما المشهد الذي كان في عام 2013 عندما ارتفعت أسعار 83 شركة مقابل تراجع 27 شركة.

هذه الأرقام التي تتحدث عما آلت إليه سوق مسقط للأوراق المالية من تراجع مستمر في أسعار الأسهم وأحجام التداول تستدعي تحليلها وبحث الأسباب التي أدت إليها، ولعل أبرز التساؤلات التي تواجهنا ونحن نرصد هذه الأرقام: هل هذه التراجعات مبررة في ظل صعود مستمر في العديد من أسواق المنطقة والعالم؟ وما هي الأسباب التي جعلت السوق تشهد تراجعات متتالية على مستوى مؤشرات السوق وأسعار الأسهم وأحجام التداول والقيمة السوقية لشركات المساهمة العامة؟.

وللإجابة على هذه التساؤلات علينا أن نقف عند 4 قضايا رئيسية، الأولى هي أرباح الشركات، والثانية هي العائد الذي تقدمه الشركات للمساهمين، والثالثة هي جهود الشركات في تعزيز أدائها المالي، والرابعة هي: الأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية التي تؤثر على أسواق الأسهم بشكل عام.

فبالنسبة للقضية الأولى نجد أنه رغم التقلبات التي شهدتها أسعار النفط في عام 2018 سجلت معظم الشركات خلال العام الماضي نتائج إيجابية، وبحسب التقارير التي نُشرت مؤخرًا فإن 105 شركات مساهمة عامة مدرجة بسوق مسقط للأوراق المالية أظهرت نموا بنسبة 23% في نتائجها المالية لعام 2018 مقارنة بنتائجها المالية لعام 2017، وحققت 78% من الشركات التي أعلنت نتائجها المالية الأولية أرباحا تجاوزت 700 مليون ريال عماني مقارنة مع 630 مليون ريال عماني في عام 2017، وبلغ عدد الشركات التي حققت نموًا في نتائجها المالية العام الماضي 62 شركة منها 53 شركة حققت نموا في أرباحها و9 شركات قلصت خسائرها. ورغم أن أرباح البنوك تمثل النصيب الأكبر في هذه النتائج، إلا أن هذا لا يعني أن الشركات الأخرى حققت نتائج سيئة، وعندما ننظر إلى أسعار الأسهم نجد أن 20 شركة في السوقين النظامية والموازية هبطت أسعارها دون القيمة الاسمية رغم أن معظم هذه الشركات سجلت أرباحا بنهاية الربع الثالث من العام الماضي بل إن بعضها لديها أرباح متراكمة من السنوات السابقة، وفي نظرنا أن أغلب هذه التراجعات غير مبررة وهو ما يستدعي من جهات الاختصاص بحثها وإيجاد الحلول المناسبة لوقف الخسائر المتتالية التي تشهدها السوق والتي تؤثر سلبا على المستثمرين.

القضية الثانية هي أن الكثير من المساهمين يتعجلون في بيع الأسهم ويعرضون أسهمهم بأسعار متدنية مما يجعل الأسهم تهبط بسرعة خاصة إذا قام أحد الصناديق أو أحد كبار المساهمين بذلك مما يجعل المساهمين الأفراد يسارعون في البيع، وعليه فإننا نتطلع إلى قيام الهيئة العامة لسوق المال وسوق مسقط للأوراق المالية بتعزيز عنصر الإفصاح بشكل أكبر مما هو حاصل حاليا في مثل هذه الحالات. أي عندما يقوم أحد الصناديق الاستثمارية أو أحد كبار المساهمين بعرض أحجام كبيرة للبيع فلابد أن يوضح أسباب ذلك حتى لا يدفع المستثمرين الأفراد إلى البيع.

كذلك فإننا نجد أنه من الضروري التركيز على الاستثمار طويل الأجل، فما دامت الشركة توزع أرباحًا جيدةً فينبغي على المستثمرين الاحتفاظ بأصولهم خاصة في هذه الحالات التي تتراجع فيها الأسواق، أما الاتجاه إلى البيع فإنه حتما سيدفع الأسهم إلى التراجع.

القضية الثالثة تتعلق بأداء الشركات، وقد لاحظنا أن سياسات بعض الشركات هي التي أدت إلى تراجع أسعار أسهمها، خاصة عندما تتخذ الإدارات التنفيذية قرارات تؤثر سلبا على الأداء المالي للشركة ودون أخذ رأي المساهمين، كما أن قيام بعض الشركات بالتوسع غير المدروس يؤثر على نتائجها المالية وبالتالي على أسهمها، كذلك فإن عدم قيام الشركات بالبحث عن أسواق جديدة لتسويق منتجاتها بعد تعرض أسواقها التقليدية إلى مشاكل معينة يؤثر دون أدنى شك على نتائجها المالية وبالتالي على أسعار الأسهم وأداء السوق بشكل عام.

القضية الرابعة تتعلق بالأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية التي تؤثر على أسواق الأسهم كالنمو الاقتصادي أو المشاكل السياسية العالمية، ورغم أنه لا يمكن التحكم في الأوضاع الاقتصادية أو السياسية العالمية إلا أنه يمكننا تقليل تأثيراتها على سوق مسقط للأوراق المالية من خلال سياسة حكيمة ينبغي أن تضطلع بها الصناديق والمؤسسات الاستثمارية الكبرى، فليس من المعقول أن تسارع هذه المؤسسات إلى بيع أسهمها عند تعرض الأسواق المالية لهزات عنيفة وإنما واجبها هو امتصاص فائض السيولة وهذا لا تقتصر مكاسبه على السوق فقط وإنما يشمل جميع المستثمرين فيها.

كذلك فإن اتخاذ سياسات اقتصادية مشجعة للاستثمار في الاقتصاد الكلي وتشجيع القطاع الخاص على النمو وتقليص الضرائب والرسوم وتوفير فرص عمل مشجعة للمواطنين سوف تؤدي إلى تنشيط الاقتصاد الوطني وزيادة الطلب المحلي وبالتالي توفير مجالات عديدة لنمو الشركات، وهو ما يساهم في استقرار السوق وتحقيق عوائد جيدة للمساهمين في الشركات.