أفكار وآراء

الأسواق المالية

28 يناير 2019
28 يناير 2019

لؤي بديع بطاينة -

[email protected] -

مما لا شك فيه بأن عام 2018 كان مليئا بالتحديات للأسواق المالية العالمية والإقليمية والمحلية حتى أن العديد من الآراء وصلت لدرجة توقع اندلاع شرارة أزمة مالية عالمية جديدة في الاقتصادات المتقدمة.

وفي المجمل لم يشهد العام المنصرم تقارير إيجابية عن توقعات النمو للاقتصادات العالمية وكان للحرب التجارية الأمريكية الصينية والتطورات الجيوساسية في عدة مناطق في العالم و الـ «البريكسيت» وبطء نمو الاقتصاد الصيني والتذبذبات الحادة في أسعار النفط والمضاربات الحادة و التهرب الضريبي وغير ذلك ومن العوامل التي ألقت بظلالها على أداء الأسواق المالية العالمية والأسواق الناشئة.

وبالحديث عن الأسواق الناشئة فإنها شهدت أيضا تحديات وتغيرات كبيرة تمثلت في ارتفاع مستويات الدين للدول التي تمثلها والتضخم وخروج الأموال الأجنبية وارتفاع الضرائب وتكاليف مواد الطاقة وتدهور أسعار العملات مما أثر على أداء الشركات المدرجة في هذه الأسواق.

نذكر تاليا بعض الأرقام والتحديات التي شهدتها الأسواق المالية العالمية خلال عام 2018، حيث تراجع مؤشر «FTSE All-World»، الذي يتابع آلاف الأسهم في عدد من الأسواق، بنسبة 12% خلال عام 2018 والأسواق المالية هو الأداء الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية. وخسر مؤشر شانغهاي المركّب بنسبة تقارب 25٪، خلال عام 2018. وانخفض مؤشر نيكاي الياباني بنسبة 12٪. وتراجعت الأسواق الأوروبية بنسب متفاوتة وبشكل أفقد المستثمرين شهية المخاطرة. وتراجعت أسعار النفط بنسبة 20% خلال العام. وتراجع عدة عملات مقابل الدولار الأمريكي مثل البيزو الأرجنتيني الذي خسر 50% من قيمته نتيجة ارتفاع التضخم والأزمة المالية التي تواجهها البلاد وتراجع الليرة التركية بنسبة 29% بسبب تحديات مختلفة. وارتفاع أسعار الفائدة بسبب قيام الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة 4 مرات خلال عام 2018، لتصل إلى 2.50%.

عربيا وخليجيا تنوعت التحديات والتي منها بعض التقارير السلبية من قبل وكالات التصنيف العالمية وخروج الاستثمار الأجنبي والأداء الهزيل لبعض الشركات وارتفاع الضرائب وأسعار الطاقة و الفوائد. وقد جاء أداء سوق دبي المالي الأسوأ خليجيا بتراجع نسبته 25% وكذلك سوق مسقط للأوراق المالية بنسبة 15.2%.

إن المُتابع للأسواق المالية بشكل عام والأسواق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص يُلاحظ التراجع الكبير ليس فقط في مؤشرات الأسهم وأسعارها بل أيضاً أحجام التداول من حيث القيمة والعدد وبشكل حاد والذي يعكس بالضرورة ثقة ونفسية ورغبة المُستثمرين على اختلاف أحجامهم وأنواعهم بتلك الأسواق ومرونتها وسيولتها وأدائها والذي أدى إلى انخفاض أحجام تلك الأسواق لأكثر من 40% من حيث القيمة والعدد.

حيث تظهر أرقام اتحاد البورصات العربية بأن قيم التداولات للبورصات الخليجية تراجعت بنسبة 4.5% خلال عام 2018 الى 294.2 مليار دولار أمريكي وذلك رغم الإدراجات العديدة التي تمت. كذلك شهدت أحجام التداولات انخفاضا كبيرا بنسبة 40.7% على أساس سنوي الى 126.9 مليار سهم. ومن حيث القيم السوقية للأسواق فقد تراجعت القيمة السوقية لسوق دبي المالي بنسبة 13% في حين شهدت الأسواق الأخرى ارتفاعات متفاوتة.

وفي السوق المحلي، شهد كل من قيم وحجم التداول تراجعا بحوالي نسبة 45.2% و 37.4% على التوالي في الوقت الذي شهدت فيه القيمة السوقية للسوق ارتفاعا بنسبة 1.4% عند 47.2 مليار دولار أمريكي.

رغم هذا الأداء والتحديات إلا أن ذلك لا يخفي الدور الهام الذي يجب أن تلعبه هذه الأسواق في جذب التدفقات المالية الدولية وتنويع مصادر التمويل وجذب المُدخرات تجاه الاستثمار وكذلك مساعدة السلطات الحكومية في تطبيق وتنفيذ سياساتها المالية والنقدية ودفع عجلة النمو الاقتصادي بقوة نحو الأمام.

وقد قامت العديد من الدول بتطوير أنظمة وقوانين وهيكلية لغرض جلب المزيد من المدخرات العالمية للاستفادة منها في توجيه النشاط الاقتصادي، فبادرت تلك الدول الى تحرير النشاط المالي من القيود المالية التي تعترض تحركات رؤوس الأموال على اختلاف أنواعها وأحجامها وإحداث نقلة كبيرة وواسعة من الابتكارات في مجال الأوراق المالية التي تزيد من توجيه وتدفق الفوائض المالية المحلية والدولية، والذي يؤدي وأدى إلى اندماج الأسواق المالية المحلية بالأسواق المالية العالمية وإحداث تغيرات في محاور رئيسة في الاقتصاديات المحلية من خلال التأثير على ثقافة وقدرات الدول والمُجتمعات في الادخار والابتكار لمصادر تمويل جديدة وزيادة السيولة الدولية فضلا عن انعكاساتها في أسعار الفائدة.

كذلك تقوم هيئات الأسواق المالية في دول الخليج العربية بإجراء دراسات وتحقيقات موسعة وباستمرار لمعرفة أسباب تراجع السيولة وتخوف المستثمرين خاصة الأجانب من الاستثمار في الأسواق الإقليمية وذلك للوقوف على مدى الأسباب والدوافع الحقيقية التي أثرت وتؤثر على أحجام التداول وما هي الحلول والمُحفزات والأمور التي تُساعد وتؤدي إلى عودة المُستثمرين والأحجام للأسواق المالية.

وبرأينا هنا بأن على الجهات المختصة مشاركة الدراسات والمُسوحات فيما بين المُستثمرين وصناديق الاستثمار والمُختصين وأيضاً البنوك التجارية والاستثمارية والبنك المركزي للوصول إلى حلول ومُقترحات وتوصيات مدروسة وقابلة للتطبيق والتنفيذ.

كذلك نشدد على أهمية الأخذ بعين الاعتبار مصالح صغار المُستثمرين والصناديق الاستثمارية وبشكل قانوني يُساعدهم على الاستمرار في الادخار والاستثمار.

نورد تاليا بعض الحلول والاقتراحات التي من المُمكن أن تُساعد الأسواق المالية الخليجية بعودة المُستثمرين والاستثمارات وبالتالي ارتفاع أحجام وقيم التداول ومنها الإسراع في الانضمام إلى المؤشرات العالمية مما سيُساعد إلى استقطاب المزيد من المُستثمرين والاستثمارات وخصوصاً الصناديق الاستثمارية العالمية والتي تستثمر بالأسواق الناشئة والتي يبلغ أحجامها بمئات المليارات. والتركيز على الاستدامة للسياسات الاقتصادية لكل دولة وعدم الاعتماد على المتغيرات في تقدير الإيرادات. وتعزيز الثقة بالأسواق المالية من خلال الاستمرار بتعزيز التشريعات وتعديلها وتطويرها لكي تتماشى مع أفضل التطبيقات والتشريعات والأعراف الدولية لكي تؤدي إلى المنافسة في استقطاب المُستثمرين حتى ولو لم نكن من الأسواق الناشئة. والتسريع محليا بعملية دخول منتجات جديدة في الأسواق مثل صناديق الاستثمار العقاري (REITs) والصناديق المتداولة في البورصة (ETFs). ودعم الاندماجات وإدراجات الشركات العائلية. وإعادة هيكلة الشركات ذات الأداء الضعيف. والعمل على تحسين تصنيف اقتصادات دول المنطقة عالميا. والتسويق بشكل أكبر لأهمية دور الأسواق المالية والإشارة للمكررات الجاذبة التي تقدمها حاليا. وتعزيز وتحسن أداء الشركات المُساهمة العامة من حيث الأداء المالي والتشغيلي وزيادة الشفافية في التعاطي مع المُستثمرين. وتعزيز المبادرات الحكومية مثل البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي “تنفيذ” في السلطنة وتسهيل قواعد الاستثمار المؤسسي الأجنبي. وزيادة وتحسين أوجه الرقابة المالية والإدارية لهيئات الأسواق المالية والتأكد من تطبيق الشركات المُساهمة العامة لمبادئ وأُسس الحوكمة الرشيدة في قراراتها وأعماها. والعمل مع البنوك والشركات الاستثمارية والتجارية ومن خلال إدارات الأسواق المالية، زيارة مراكز المال والعواصم العالمية وعمل عروض وندوات ومُحاضرات لتقديم الأسواق المالية وبيان أهميتها ومُميزاتها مما يعمل على جذب سيولة جديدة ومستثمرين جدد إقليميين وأجانب، فضلاً عن زيادة عمق السوق ورفع تنافسيتها على المستوى العالمي. والواقعية في قراءة الأرقام وعدم التفاؤل المفرط.

لا شك بأن العوامل الأساسية مثل مقدار العائد المتوقع ودرجة المخاطرة وسعر الفائدة السوقية للعملة التي يتم الاستثمار بها والمكررات والقدرة على الاستدامة والثقة هي عناصر مهمة للاستثمار في الأسواق المالية.

وقد بينت لنا التجارب بأن تنويع الاستثمارات والأدوات التي تقدمها الأسواق المالية أسهمت ولا تزال بدعم اقتصادات الدول وبالتالي يجب على جميع الجهات التي تستخدم هذه الأسواق أن تلعب دورا أكبر في توجيه الاستثمارات وكذلك زيادة الوعي والإلمام لدى جمهور المستثمرين بالفوائد التي تؤدي إلى الاستثمار في الأسواق المالية، علاوة على استمرارية وشفافية الإفصاحات وقوتها وصلاحيتها في مُساعدة المُستثمرين في اتخاذ قراراتهم.