1117190
1117190
عمان اليوم

المحميات الطبيعية .. كنوز حقيقية تصون الحياة البرية ومكوناتها لحفظ التوازن البيئي

27 يناير 2019
27 يناير 2019

استراتيجية مكتب حفظ البيئة تركز على حمايتها وتطويرها -

تقرير: نوال بنت بدر الصمصامية -

تزخر السلطنة بمحميات طبيعية متعددة تصون التنوع الطبيعي والأحياء الفطرية النادرة وتبرز القيم العلمية والجمالية الاستثنائية للتكوينات الجيولوجية والأرضية بالمنطقة، ويشرف مكتب حفظ البيئة بديوان البلاط السلطاني على مجموعة من المحميات الطبيعية والمشاريع البيئية الحيوية والتي تعكس الحرص السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم –حفظه الله ورعاه – لتكون للسلطنة المكانة المرموقة في مجال الاهتمام بالبيئة وصون التنوع الحيوي.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه هذه المحميات، إلا أن هناك جهودا متواصلة لحمايتها، ويقوم مكتب حفظ البيئة بدور بارز ومهم في إجراء الدراسات والأبحاث العلمية التطبيقية، بالإضافة إلى الأنشطة والبرامج التوعوية والتعليمية والإعلامية في مجال صون الطبيعة والحياة البرية.
وتركز استراتيجية المكتب على تطوير هذه المحميات والمشاريع البيئية وإعداد برامج لتطوير وإعداد وصقل للكوادر الوطنية والنهوض بالعمل البيئي إلى جانب برامج لتعزيز التعاون مع الجهات والمنظمات المحلية والعالمية في مجال صون الطبيعة.

ويحرص مكتب حفظ البيئة على النهوض بأنشطته والقيام بدوره البارز في الحفاظ على صون الحياة الفطرية بالإضافة إلى إبراز دور التوعية البيئية وإعداد برامج للإعلام والإرشاد البيئي وتعزيز التعاون مع المجتمع المحلي ومشاركته في العمل البيئي، وتطوير السياحة البيئية.

كما يضطلع المكتب بدور فعال في التواصل والتكامل مع المؤسسات والمنظمات الوطنية والإقليمية والدولية المرموقة والمعروفة ذات الصلة بالشؤون البيئية للرقي بالعمل البيئي ولتبادل الخبرات والمعارف في ذات المجال.

تكوينات جيولوجية مميزة

ويشرف المكتب على محميات مختلفة تشمل محمية الكائنات الحية والفطرية بمحافظة الوسطى ومحمية السرين الطبيعية جبال الحجر الشرقي ومحمية رأس الشجر الطبيعية التي تقع بين ولايتي قريات بمحافظة مسقط وصور بمحافظة جنوب الشرقية ومحمية الخوير الطبيعية بولاية بوشر بالإضافة إلى محمية خور صلالة بمحافظة ظفار.

وفيما يتعلق بمحمية الكائنات الحية والفطرية بمحافظة الوسطى فبعد انقراض المها من البراري في مطلع التسعينات، أنشأ المكتب مشروع إعادة توطين المها العربية في عام 1979م لإعادتها إلى موطنها الطبيعي بالوسطى، وفي عام 1994م أعلنت المحمية كأول محمية طبيعية في السلطنة بموجب المرسوم السلطاني رقم 94/‏‏4 والمعدل بالمرسوم السلطاني رقم (11/‏‏2007) وحاليا تبلغ مساحتها 2824.3 كيلو متر مربع. ويهدف المكتب من إنشاء هذه المحمية إلى صون التنوع الطبيعي والأحياء الفطرية النادرة وإبراز القيم العلمية والجمالية الاستثنائية للتكوينات الجيولوجية والأرضية بالمنطقة، كما يعمل المكتب على تطوير السياحة البيئية بالمحمية من خلال تنفيذ مختلف المشاريع. وقد وقع الاختيار في محافظة الوسطى تحديدا في (وادي جعلوني) ليصبح مقراً لمشروع إعادة توطين المها العربية كونه المكان الذي شوهدت فيه المها ترعى لآخر مرة في أواخر الستينات من القرن الماضي، وبفضل الجهود الكبيرة التي يبذلها القائمون في المركز تكاثرت أعداد المها بالمحمية.

بقاء رغم التحديات

وتضم محمية السرين الطبيعية مجموعات مميزة من الوعل العربي وتمتاز بكونها أهم محمية لهذا النوع في كافة نطاق انتشاره. وقد أنشئت المحمية في عام 1975م، حينما لوحظ أن أعداد الوعول تزايدت بشكل جيد خلال السنوات القليلة الماضية، وتتميز جبال محمية السرين بعلوها وشموخها وبالتحديد في أحضان جبال الحجر الشرقي وعلى بعد 45 كم غرب العاصمة مسقط،

ويعتمد الوعل العربي على شرب كميات من المياه وبصفة دورية على عكس الكثير من الأنواع البرية الأخرى، وللوعول طقوس تفرضها طبيعته بحيث يقوم الذكر بسلوك يبرز فيه سيطرته وتفوقه على الذكور الأخرى، ويعيش الوعل غالبا بمفرده أو في مجموعة صغيرة، وتقوم الذكور البالغة بحفر مرابض لها وتنظيفها من الصخور بواسطة قرونها. وعادة تصعب رؤية الوعل العربي نظرا لطبيعته المتخفية ، وفي أوقات الرعي الجيدة تلد أنثى الوعل مرتين في بعض الأحيان في العام الواحد. وما زال بقاء الوعل العربي لسنوات قادمة موضع تحدٍ على الرغم من برامج الحماية المباشرة له في بعض المناطق ولا يقتصر مصدر التهديد على الصيد وإنما يتعدى إلى تدمير الموائل الطبيعية أو تجزئتها بنية إنشاء الطرق والسدود وغيرها من أمثلة التوسع العمراني.

وفرة أشجار السمر

وبشأن محمية رأس الشجر فقد أسست في عام 1982م تحت مظلة مكتب حفظ البيئة وتبلغ مساحتها 93,7 كم2 ، وتتميز بوفرة أشجار «السمر « ومنه جاءت تسمية الموقع، وتزخر المحمية بوفرة الموارد الطبيعية الحيوانية والنباتية والجيولوجية، كما تضم أعداداً وفيرة من الغزال العربي والوعل العربي وأنواع متنوعة من الطيور. وتتميز أيضا بوجود تنوع فيها وذلك لتنوع تضاريس المنطقة واعتدال مناخها ويمكن ملاحظة عدد من النباتات البرية متوزعة في مختلف أرجاء المحمية، وتعد ملاذا لعدد كبير ومتنوع من الطيور. ويواجه الغزال العربي والوعل العربي بالمحمية عددا من التحديات أبرزها عمليات الدهس بالمركبات والصيد غير القانوني ومنافسة الحمير السائبة والماشية.

وتحتضن المحمية قرية “عمق الرباخ ” والتي تعد من القرى الخلابة التي توجد في المحمية واستمد اسمها من موقعها الذي يضعها في قاعٍ مسور بالجبال الشاهقة ، ويمارس أهلها حرفة صناعة السعفيات وممارسة مهنة الرعي.

أما محمية الخوير الطبيعية والتي تبلغ مساحتها (29,6) هكتارًا فهي بقعة خضراء تمد المنطقة المحيطة بالهواء النقي وتترك في النفس انطباعـًا جماليـًا وسط المباني متعددة الطوابق والطرقات السريعة المكتظة بالمركبات. وتستقطب أشجار السمر بالمحمية عددًا من الطيور الجميلة على مدار العام لكونها موئلاً للحشرات والتي تعتبر مصدرًا غذائيـًا مهمـًا لتلك الطيور.

ممارسات هوايات متعددة

وتستقطب محمية خور صلالة بمحافظة ظفار مختلف الطيور المستوطنة والمهاجرة، كما وتعد ملاذا رائعا لممارسي هوايات مراقبة ورصد الطيور وصيد الأسماك، والتنزه باستخدام القوارب. وتقع جنوب شارع السلطان قابوس على ساحل بحر العرب وتبلغ مساحتها 57 هكتارًا، ولقد تم اقتراحها ضمن المناطق المرشحة لتكون محمية طبيعية من قبل الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN )عام 1986م. وهي من أجمل الخيران في محافظة ظفار وواحدة من أفضل المواقع لمشاهدة الطيور في السلطنة، حيث تستقطب العديد من الطيور المستوطنة والمهاجرة حيث تؤمن المحمية الغذاء والموئل الطبيعي المثالي طوال فترة الشتاء لأسراب تلك الطيور قبل أن تكمل مشوار هجرتها، ، كما تشكل موقعاً للتعليم البيئي الحقلي وبرامج التوعية والتثقيف البيئي، وتعتبر مواقع مثالية لإجراء البحوث والدراسات المتعلقة ببرامج استرجاع وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة. وبصدور المرسوم السلطاني السامي رقم (64 /‏‏2012) بالموافقة على انضمام سلطنة عمان إلى اتفاقية الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية وخاصة بوصفها موائل للطيور المائية أعطى ذلك بعداً آخر للاهتمام بالمناطق الرطبة في السلطنة، وتشكل الخيران واحدة من أشكالها وهي عبارة عن مناطق تغمرها مياه راكدة أو جارية، عذبة أو مختلطة أو مالحة، بما في ذلك نطاقات المياه البحرية التي لا يزيد عمقها عن ستة أمتار.

تنوع إحيائي فريد

وتضم محمية خور صلالة ثراء في التنوع الأحيائي، حيث أشارت الدراسات التي أجرتها لجنة التخطيط للتنمية والبيئة بمحافظة ظفار (سابقاً) الى وجود عدد (9) أنواع من الأشجار والنباتات في المحمية، وسجلت الدراسات أيضا ما يقارب على (80) نوعا من الطيور المائية في المحمية على مدار العام، إضافة إلى وجود أنواع مختلفة من الأسماك والقشريات واللافقاريات والحشرات المختلفة. وتلعب المناطق الرطبة دور الوسادة الحامية بين البحر والأراضي المنخفضة ، ولولا ذلك لتعرضت تلك الأراضي لمخاطر العواصف وما يصاحبها من أمواج عاتية ،ويتعاظم هذا الدور على ضوء ما يتوقع من ارتفاع منسوب سطح البحر بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، كما وتعمل المناطق الرطبة كذلك كمواقع لتصريف مياه الفيضانات كما تعمل على تغذية أحواض المياه الجوفية، بالإضافة إلى كونها حاجزا طبيعيا لوقف تداخل مياه البحر إلى مياه الخزانات الجوفية العذبة.

وتواجه المحمية جملة من التحديات أبرزها الضغوط التي يولدها الزحف العمراني والاستخدام غير المستدام للموارد، والرعي والصيد الجائر، وإلقاء المخلفات، وانتشار أشجار الغاف البحري على حساب البيئات الطبيعية لأشجار القرم ونباتات البوص داخل المحمية.