أفكار وآراء

مجلس الحوار الإعلامي واختراق حواجز الصمت

27 يناير 2019
27 يناير 2019

أ.د. حسني نصر -

يمثل مجلس الحوار الإعلامي الذي استحدثته وزارة الإعلام هذا العام، وعقد أولى جلساته الأربعاء الماضي بالنادي الثقافي تحت رعاية معالي الدكتور عبد المنعم الحسني وزير الإعلام، اختراقا مهما لحواجز الصمت الوهمية التي تحيط بالقضايا الإعلامية المهمة التي تواجه المجتمع العماني، بما في ذلك تلك القضايا والاختبارات الصعبة التي تواجه وسائل الإعلام في السلطنة، مثلها في ذلك مثل وسائل الإعلام التقليدية في العالم، وتؤثر على قدرتها على الاستمرار في أداء دورها الوطني التنموي في ظل انتشار وتزايد استخدام وسائل الإعلام الجديدة والبث الرقمي المستمر القادم من دول ومجتمعات أخرى.

في نفس الوقت فإن هذا المجلس الجديد الذي يمنح الفرصة لكل المهتمين بالشأن الإعلامي للمشاركة فيه، وليس الإعلاميون فقط، يمثل- في تقديري-تعزيز فكر الوزارة وحسن إدراكها لواقع التغيرات التي تؤثر في المشهد الإعلامي الإقليمي والعالمي وصناعة الإعلام بوجه عام، ورغبتها في تحقيق مزيد من الانفتاح على المجتمع وطرح قضايا الإعلام للحوار الوطني البناء، ونقل هذه القضايا من الغرف المغلقة وقاعات الدرس إلى الفضاء العام الأوسع والرحب، لكي يتم تبادل الرأي حولها بصراحة وشفافية. والواقع أن هذا الانفتاح يواكب التوجه الوطني نحو إشراك فئات المجتمع المختلفة في تحديد أولويات العمل الوطني، ورسم السياسات العامة، وهو توجه محمود تم ترجمته عمليا في العديد من البرامج والرؤى، مثل برنامج تنفيذ في رؤية عمان 2040.

والواقع أن هذا المجلس الجديد الذي يفتح المجال العام يؤكد حرص وزارة الإعلام على الاستماع لجميع الأصوات، وهو ما يندرج ضمن جهود التربية الإعلامية التي تحاول وزارة الإعلام الوصول بها إلى مختلف فئات المجتمع. وقد أحسنت الوزارة صنعا بدعوة الإعلاميين من مختلف المؤسسات للمشاركة في حوار المجلس، إيمانا منها بأنهم يمثلون وقود صناعة الإعلام في السلطنة حسب تعبير معالي الدكتور وزير الإعلام في الجلسة الأولى للمجلس، تماما مثلما يحتاج الإعلاميون إلى الإحاطة برؤية وفلسفة وسياسة وزارة الإعلام التي تعكس، كما قال معاليه أيضا، رؤية وفلسفة وسياسة الدولة والحكومة.

لقد طرح مجلس الحوار في جلسته الأولى قضية على درجة كبيرة من الأهمية وهي دور الإعلام في تشكيل الوعي المجتمعي. ورغم أن القضية قد تبدو للناظر لها من بعيد قضية غير خلافية، وتتمتع بإجماع وطني وإعلامي ولا يختلف حولها أحد، فإن طرحها في جلسة الحوار الأولى تبدو منطقية، ليس فقط لكونها تتصل برغبة المجتمع الإعلامي في السلطنة في مراجعة وظائف وسائل الإعلام في المجتمع، وهي المراجعة التي أصبحت ملحة في ضوء تراكم الخبرات الإعلامية الوطنية على مدى عمر الإعلام الحديث في السلطنة الذي يقترب من النصف قرن، والانتقال من مهمة بناء الدولة العصرية إلى مهام الحفاظ على المنجز التنموي وتعزيزه، وكذلك في ضوء التغيرات التي أحدثتها ثورتي المعلومات والاتصال، والتي قلبت موازين النظريات المتصلة بوظائف وسائل الإعلام وأدوارها في المجتمعات المعاصرة، وتأثيراتها المختلفة سواء علي الفرد أو المجتمع. وإجمالا فقد أصبحنا أمام واقع إعلامي دولي يحتم علينا أن نراجع دون تأخير مدخلات ومخرجات صناعتنا الإعلامية، وأن نعيد صياغة أهدافنا وتحديد الوظائف والأدوار التي نوكلها لوسائل الإعلام.

لقد أحسن القائمون على مجلس الحوار الإعلامي في اختيار الدكتور عبيد الشقصي أستاذ الإعلام والأمين العام للجنة الوطنية لحقوق الإنسان ليكون المتحدث الرئيس في جلسة الحوار الأولى، والذي طرح ورقة عمل مهمة بعنوان «صناعة الوعي المجتمعي»، قدم من خلالها رؤية فلسفية ونظرية واضحة لطبيعة وحدود دور وسائل الإعلام في تشكيل الوعي المجتمعي مقدما بعض الأمثلة العالمية في قضايا محددة. ويؤكد ما طرحه الشقصي أنه لم يعد بالإمكان في هذا العصر الحديث في عموميات وظائف وأدوار وسائل الإعلام في المجتمع، ومنها دوره البارز في تشكيل الوعي المجتمعي. إذ أن الأسئلة الكثيرة التي تتبادر إلى الأذهان عند طرح هذه القضية شديدة الاتساع هي أي وعي؟ وتجاه ماذا؟ وفي أية قضايا مجتمعية؟ وما الآليات المناسبة لضمان قيام وسائل الإعلام بهذا الدور؟، وهي أسئلة مشروعة لم يتسع الوقت المحدد لمجلس الحوار لطرحها والحوار حولها. ولعل هذا ما دفعنا إلى التساؤل حول ضرورة أن نحدد أو بالأصح أن نعيد تحديد ماذا يريد المجتمع وماذا تريد الدولة وماذا تريد الحكومة من وسائل الإعلام في هذه المرحلة، وما القضايا التي ترى هذه الأطراف الثلاثة أن علي الإعلام أن يركز عليها وأن يشكل أو يعزز أو يغير وعي المجتمع حولها. فالأمر قد يتعلق بتشكيل الوعي في القضايا الجديدة والطارئة، أما في القضايا القائمة بالفعل فإن دور الإعلام قد ينصب على تعزيز الوعي القائم إذا كان إيجابيا ومتوافقا مع السياسة العامة للدولة، أو يغيره إذا كان سلبيا ولا يتفق مع الصالح العام. ويختلف دور الإعلام وآليات عمله في كل حالة من الحالات الثلاث. ولعل هذا ما يفتح الباب واسعا لطرح قضايا محددة في الجلسات القادمة للمجلس تتناول، على سبيل المثال وليس الحصر، دور الإعلام في تشكيل الوعي المجتمعي في القضايا الاقتصادية مثل تعزيز ريادة الأعمال، وتنويع مصادر الدخل، والتوظيف، إلى جانب القضايا الاجتماعية والتعليمية والصحية وغيرها.

وإذا انتهينا من التأسيس لوظائف وأدوار الإعلام في المجتمع، يصبح من السهل أن يتناول مجلس الحوار الإعلامي القضايا الأكثر حساسية وإلحاحا، والتي نحتاج بالفعل إلى كسر حواجز الصمت حولها، وعلى رأسها- من وجهة نظري- قضية التنظيم الإعلامي وما يتصل بالقوانين المنظمة للعمل الإعلامي في السلطنة، بالإضافة إلى آليات التنظيم الذاتي والأخلاقي لمهن الإعلام المختلفة، وكذلك قضية تنويع وتوزيع الثروة الإعلامية في المجتمع، بالإضافة إلى قضية السيادة الإعلامية الوطنية، والتربية الإعلامية في عصر السماوات المفتوحة.

وإذا كان لنا أن نضيف إلى فكرة مجلس الحوار الإعلامي الرائدة والمتفردة، فإن من الضروري أن تستمر جلسات هذا المجلس كما طالب بعض الحضور بشكل شهري منتظم، وأن يتم تحديد القضايا التي تتناولها هذه الجلسات بناء على استطلاع رأي الإعلاميين في المؤسسات الإعلامية المختلفة إلى جانب الأكاديميين في مؤسسات التعليم العالي التي تقدم برامج دراسية في الإعلام. ولا شك أن استمرار هذا المجلس ونشر حواراته للجمهور سوف يسهم في تحقيق التواصل الفعال بين المؤسسات الإعلامية وفي طليعتها وزارة الإعلام وبين المواطنين، وهو ما يدعم مسيرة النهضة في عُمان.