أفكار وآراء

الديمقراطيون يرسمون خطوط معركة السياسة الخارجية

26 يناير 2019
26 يناير 2019

آن - ماري سلوتر – الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

بدأت دورة انتخابات عام 2020 في الولايات المتحدة رسميا. ودشنت إليزابيث وارن حملتها للفوز بترشيح الحزب الديموقراطي للرئاسة الأمريكية. وكانت وارن (69 عاما. عضوة بمجلس الشيوخ عن ولاية ماساشوستس- المترجم) قد أكملت سلفا إحدى أولى «طقوس العبور» المتوقعة من المرشحين الجادين بطرح وجهات نظرها (مرئياتها) في الشؤون الدولية لمؤسسة السياسة الخارجية كي تتولى تشريحها.

يتباين مقال حديث بقلم المرشحة وارن مع ما ورد في كتابات عديدة لجيك سوليفان، كبير مستشاري السياسة الخارجية الديموقراطيين. تضيء هذه المقالات في مجموعها الانقسامات القائمة بين الجناحين التقدمي والمعتدل في الحزب الديموقراطي على الرغم من أن كلا الجناحين اتجها يسارا منذ عام 2012.

للوهلة الأولى يبدو أن الإجماع هو سيد الموقف اليوم. فسوليفان الذي تولى مناصب مفتاحية في مجال السياسة الخارجية في عهدي نائب الرئيس السابق جو بايدن ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلنتون يرى «نوعا من التقارب والاقتران بين اليسار والوسط». أساس هذا التقارب حزمة من «الأولويات المشتركة» تشمل «اهتماما فوق العادة بالآثار التوزيعية للسياسة الاقتصادية العالمية» والتركيز على محاربة الفساد والكليبتوقراطية (نظام حكم اللصوص) والفاشية الجديدة وتفضيل الدبلوماسية على استخدام القوة والالتزام تجاه حلفاء الولايات المتحدة وأيضا (وهذا أكثر أهمية) الإقرار بأن «نجاحات عديدة للمشروع الليبرالي كانت عميقة الأثر».

لست على يقين بأن وارن ستوافق على وجود هذه الدرجة من الاقتران بين جناحي الحزب. لكنها بدأت برفع غصن الزيتون لمؤسسة السياسة الخارجية متخلية بذلك عن التركيز التقليدي لليسار المتطرف على ما يعتبره آثار الدمار ونسف الاستقرار التي خلفتها الولايات المتحدة حول العالم. وهي تقر بأن الكيفية التي أسست بها الولايات المتحدة «النظام العالمي الليبرالي» جيدة. بل تدعو إلى إصلاح هذا النظام بطرق تحافظ على «الدور القيادي العالمي» للولايات المتحدة. إلى ذلك تتمثل الفكرة الرئيسية في بيان وارن عن السياسة الخارجية في الدفاع عن الديموقراطية في الداخل والخارج.

إنه موقف يعيدنا أكثر من أي شيء آخر إلى المحافظين الجدد في عهد جورج دبليو بوش وأعداء الشيوعية في سنوات رونالد ريجان. لكن إجالة النظر تكشف عن اختلافات هامة بين وارن وسوليفان. نعم كلاهما يعتقد بوجوب أن تضع السياسة الخارجية حسابا لحاجات الطبقة الوسطى الأمريكية. لكن في حين يرى سوليفان أن هذه الحاجات عامل واحد فقط من بين عوامل أخرى تدافع وارن عن مقاربة مرتكزة على مبدأ «عدم تغليب السياسة الخارجية الأمريكية أرباح الشركات على (مصالح) العائلات الأمريكية». وهي تعني بذلك ضرب الملاذات الضريبية وتقليص نفوذ الشركات المتعددة الجنسية وأيضا (وهذا بالغ الأهمية) تبني سياسة صناعية للقرن الحادي والعشرين.

هاهنا محك صدقية السياسة الخارجية. وسيكون هذا المحك أحد المعايير التي يطرح بها المرشحون الديموقراطيون أنفسهم كتقدميين أو معتدلين. واللافت أن وارن تتحدث عن سياسة صناعية بدلا عن التجارة. وهي كلمة لا تستخدمها أبدا عندما تطرح أجندتها الإيجابية. إنها تسعى لحماية مصالح ووظائف الأعمال الأمريكيين من دون أن تتبنى الحمائية علانية.

مقاربة سوليفان تتمثل في مراجعة طبيعة «المصالح الاقتصادية الأمريكية» وطرح السؤال التالي: مصالح من تلك التي نخدمها ببذل جهود دبلوماسية فائقة لمساعدة الشركات من شاكلة «وال مارت» على فتح متاجر لها في الهند؟» يتم الرد على هذا السؤال بمحاجة فحواها أن على السياسة الأمريكية التجارية والاستثمارية «التقليل من التركيز على جعل العالم آمنا لاستثمارات الشركات».

هذا التأكيد يترافق معه حل إجرائي هو أن على واضعي السياسات الكف عن رسم فاصل حاد بين السياستين الخارجية والداخلية. هنالك اختلاف آخر مثير. فإليزابيث وارن «ستراجع بجدية» كل الالتزامات العسكرية الأمريكية في الخارج بما في ذلك إعادة القوات من العراق وأفغانستان. أما مقاربتها للزعامة الدولية، وهذه كلمة استخدمتها وارن مرة واحدة فقط، فستركز على العمل مع حلفاء الولايات المتحدة مع الاستمرار في حماية «مصالح أمريكا أولا وقبل كل شيء آخر». كما ستخفض الموازنة الدفاعية أيضا. وتوضح كتابات سوليفان في جلاء إلى أي حد صحح العديدون من دعاة التدخل الليبراليين (وأنا أعتبر نفسي من هذه الفئة) مواقفهم الخاطئة في أعقاب الجهود (التدخلات) العسكرية في ليبيا والعراق وأفغانستان والتي يمكن القول أنها تركت هذه البلدان في حال أسوأ.

رغما عن ذلك يعتبر سوليفان الولايات المتحدة «البلد الذي لا يمكن الاستغناء عنه»عسكريا ودبلوماسيا. إلى ذلك يستوحي سوليفان الفكرة التي ترى أن أمريكا ليست فقط بلدا ولكنها أيضا فكرة الحرية والمساواة والعدالة والتي صارت وسيلة لطموحات إنسانية عامة. إنها فكرة يجب ألا يتخلى عنها الديموقراطيون في لحظة إدراكنا النتائج المروعة التي نجمت عن العديد من تصرفات أمريكا حول العالم. وهكذا يتم رسم الخطوط بين مختلف أجنحة الحزب الديموقراطي حول السياسة الصناعية والتدخل (في البلدان الأخرى) وعدم إمكانية الاستغناء عن الزعامة الأمريكية وفكرة أن أمريكا قوة خير في العالم.

تعتقد وارن أن على الولايات المتحدة أن تتولى الزعامة بقوة قدوتها وبما يمكن أن تحققه لشعبها في الداخل. ويستمر الديموقراطيون الأكثر وسطية في إيمانهم بقوة الفعل الأمريكي وقدرته على العمل كوسيلة حفز (إلهام) للآخرين حول العالم. لكن بالطبع هنالك عدة أصوات أخرى لم نسمعها بعد.

• الكاتبة رئيسة مركز

أمريكا الجديدة