Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :الأجسام «مسمومة» إلكترونيا

25 يناير 2019
25 يناير 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -
[email protected] -

تفرض علينا التقنية الحديثة المتمثلة؛ على وجه الخصوص؛ في وسائل التواصل، سواء: أكانت أجهزة الحاسب الآلي؛ بأنواعه؛ أو أجهزة النقال؛ المختلفة؛ سطوتها واحتوائها لنا، حتى لا نكاد ننفك من قبضتها بالصورة التي نريدها نحن، لا بالصورة التي تتيحها هي لنا للخروج من مأزق هذه القبضة «الحديدية» إن تجوز التسمية، ذلك أن هذا الاستحواذ غير المباشر، أصبح يؤثر على كثير من مجريات حياتنا اليومية، واصبحنا بغير حول منا كذلك، نأتي بأفعال، وبتصرفات غير مقبولة، وكأن الواحد منها، وهو في خضم هذا الاستحواذ يتصرف وكأنه غير إنسان عاقل، وعندما يصدمه الواقع برد فعل عكسي، يكون كمن هو نائم، وهناك من أيقظه على حين غرة.

هذه الصورة في بدايتها تكون مقبولة، ولكن عندما تتأصل في عمق الممارسة، تكون خطيرة، وخطيرة جدا على حياتنا اليومية، ولعل مجموع الحوادث التي تقع – نسمع عن بعضها، ونرى بعضها الآخر – ما يؤكد على هذه الخطورة التي نتحدث عنها، وهو حديث ليس الأول، فلا تزال المحاذير والنصائح تتوالى من المتخصصين، وغير المتخصصين، سواء في شأن الاستخدام، أو في شأن الاستحواذ، وسواء أكان الضرر ماديا مباشرا، أو كان الضرر معنويا غير مباشر، ولكنه واضح من خلال مجموعة السلوكيات المصاحبة بعد ذلك، وواضح فيها هذا التأثير الخطير، على الصحة؛ وهي المهم أكثر؛ وعلى التأثير على مجموعة السلوكيات التي نقوم به؛ وهي التي لا تقل أهمية؛ أيضا.

ومما قرأته في بعض جوانب هذه التأثيرات الجانبية من أثر استخدام هذه الوسائل ما يلي: «في عام 2012، أجرى باحثون أمريكيون تجربة حول مسألة التراسل بالبريد الإلكتروني، الذي يُنظر إليه باعتباره قد يكون أكثر وسيلة تقنية تشتت الانتباه في مكان العمل خلال القرن الحادي والعشرين.

وفي إطار هذه التجربة وضع العلماء أجهزةً لمراقبة نبضات القلب لدى العاملين في بعض الأماكن، ووجدوا أنه تم رصد زيادة في ضربات القلب وارتفاعا لمعدلات التوتر لدى من يتصفحون رسائل البريد الإلكتروني في مكان العمل، ويتنقلون بين تطبيقات ومواقع مختلفة على الإنترنت في الوقت ذاته»، ويقول ماتياس هولويغ، وهو أستاذ جامعي في مجال كيفية إدارة الأنشطة في جامعة أكسفورد: “عقولنا صارت تتوق إلى «الإشباع الفوري، عبر تصفح حساباتنا على تطبيق واتس آب أو موقع فيسبوك أو ذلك الحساب الخاص بالبريد الإلكتروني كل 10 دقائق. لكن ذلك يتناقض للأسف الشديد مع الانخراط في العمل بشكلٍ منتج» – حسب موقع (BBC ARABIC) تاريخ الزيارة 23/‏‏1/‏‏2019م، الساعة (7:15) مساء.

وقد طرح مجموعة من الباحثين السؤال: «كيف تطهر جسمك من السموم التكنولوجية»؟ وخلصوا على إجابة محددة، وهي ضرورة إيجاد مساحة زمنية فاصلة بين تصفح وأخر لأي من هذه الأجهزة، وذلك حفاظا على الصحة، وعلى التركيز على عمل واحد، وعلى الإحساس بقيمة الزمن الذي نقضيه خلف هذه الأجهزة متصفحين لها، والذي يمتد لفترات طويلة، مما أثر كثيرا على أنشطتنا الاجتماعية الأخرى، فضلا عن الأنشطة الرئيسية الواجبة، ولقد اتخذت بعض الإدارات قرارا؛ كما سمعت؛ في بعض مؤسسات الدولة، بإغلاق خدمة الـ «YFI»، وهناك قرار سابق بعدم اصطحاب الأجهزة النقالة الى المكاتب، كل ذلك للحد من هدر الوقت فيما لا يفيد، ومما قد يؤثر على مسيرة العمل اليومية في المؤسسات، بشكل خاص.

والمسألة برمتها متوقفة على القرار الشخصي للفرد، فإذا استطاعت بعض المؤسسات تقنين استخدام هذه الوسائل في مكاتبها، فمن سيقنن هذا الاستخدام في الحياة الخاصة لكل فرد، هنا المسألة تحتاج الى قرار شجاع من الفرد نفسه، وهناك – للأسف – من وصل الى حالة من الإدمان، وهذا الإدمان يأخذ طريقه نحو الاستمرار والتراكم، خاصة مع الأجيال الصغيرة، منذ الأعمار المبكرة، وهذه الصورة لا تحتاج الى كثير من التدليل، ويكفي ما نراه؛ من سلوكيات؛ أبنائنا وأحفادنا.