1112333
1112333
إشراقات

خطبة الجمعة: الزاهد من أتت إليه الدنيا راغمة فوضعها في كفه ولم يضعها في قلبه

24 يناير 2019
24 يناير 2019

الإسلام حث على العمل ورغب فيه لدوره الأساسي في دفع الفقر -

تحث خطبة الجمعة لهذا اليوم الأفراد والمجـتمعات على أن تضع أيديها معا من أجـل دفع أسباب الفقر، حيث إن الإسلام وقف سدا منيعا أمام الفقر، وحث على العمل ورغب فيه لدوره الأساسي في دفع الفقر .. مشيرة إلى أن هناك من يظن أن الفقر أمر مقدس في الإسلام؛ لأن الإسلام دعا إلى الزهد والترفع عن متاع الدنيا وحطامها الزائل، والحقيقة أن ذلك وهم وخلط بين المفاهيم، فالفقر مذموم، وهو عدم قدرة الفرد على توفير أساسيات الحياة، وأما الزهد فهو أمر محمود، وهو ملك الدنيا ثم التخلي عنها ابـتغاء ما عند الله، مبينة: أن غمط الناس حقوقهم كبيرة من كبائر الذنوب؛ ولذا وجب على الأغنياء أن يدفعوا زكاة أموالهم إلى مسـتحقيها من الفقراء والمساكين، فللفقير حق في مال الغني لا يجوز الاعـتداء عليه، وهنا نص الخطبة كاملا الذي جاء تحت عنوان: «يدا بيد لمكافحة الفقر»:

«الحمد لله ذي الإنعام والفضـل، أمر عباده بالكسب والعمل، ونهاهم عن العجز والكسل، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ربط الأسباب بالمسببات، ورتب النتائج على المقدمات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، زاكي الخصال ورفيع القدر، كان يسـأل ربه الغنى ويسـتعيذ به من الفقر، صلى الله عليه وسلم وعلى آله الأكارم، وصحابته أولي الهمم والعزائم، صلاة دائمة ما هبت النسائم، وناحت على الأيك الحمائم.

أما بعد، فـ(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، ثم اعـلموا - رحمني الله وإياكم - أن الفقر آفة اجـتماعية خطيرة، يجب القضاء عليها، وحماية المجـتمع منها؛ ذلك أنه أساس التخلف والجهـل، وهو سبب للجريمة والقتل، كما أنه طريق مؤد إلى المرض وفساد العقل، ولذا جاءت نصوص الشريعة داعية إلى الجد والعمل، ومحذرة من العجز والكسل، فاليد العليا في شريعة الله خير من اليد السـفلى، ونعم المال الصالح للرجل الصالح، وإذا كان الفقر من قدر الله فإن الغنى كذلك هو قدر لله، وعلى المرء أن يفر من قدر الله إلى قدر الله، كالراعي يفر بغنمه من أرض مجدبة إلى أرض معـشبة، مع أن الأرضين كلتيهما من قدر الله. إن الفقر - يا عباد الله - هو عدم قدرة الفرد على توفير احـتياجاته الأساسية من مأكل أو مشرب أو ملبس أو مسـكن، وله أسـباب كثيرة، منها ما هو ذاتي كالعجز والكسل، والتقاعس عن العمل، والاتكال على الغير، وترك الدراسة، وعدم إعمال العقل، وسوء التخطيط في إدارة المال، واللجوء إلى القروض لأسباب تافهة، أو أغراض ليست ضرورية، ولا سيما القروض الربوية التي تمحق المال وتذهب البركة، وهي إيذان بحرب من الله ورسوله، كما أن للفقر أسبابا خارجية كالحروب والكوارث، والأنظمة الجائرة، وسوء توزيع الثروات، والبطالة وعدم توافر فرص العمل، وغمط الناس حقوقهم، وغياب مبدأ العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، وكل هذه الأسباب وغيرها جاء الإسلام لمعالجتها والتحذير منها، وتلافيها قبل أن يغرق المجـتمع في فقر مدقع قد لا يتخلص منه إلا أن يشاء الله.

إخوة الإيمان:

إن على الأفراد والمجـتمعات أن تضع أيديها معا من أجـل دفع أسباب الفقر؛ ذلك أن الإسلام وقف سدا منيعا أمام الفقر، فقد حث على العمل ورغب فيه لدوره الأساسي في دفع الفقر، يقول الله سبحانه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من بات كالا من طلب الحلال بات مغفورا له))، وفي الأثر أن أحد الصالحين لقي رجلا، فقال له: ما تصـنع؟ قال: أتعبد، قال: من يعولك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك. أما الدين والاقتراض فهو هم بالليـل وذل بالنهار، كما أنه نافذة من نوافذ الفقر؛ لذلك اسـتعاذ منه المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فليعجب المرء من رجل يبدأ حياته بقرض يسـتغرق حياته العملية كلها في غير ما حاجة ماسة متعللا بأسباب خارجة عن الضرورة إلى الكماليات، فنجد رجلا يكفيه بيت صغير أو متوسط فيـلجأ إلى بناء بيت كبير بديون تثقل كاهله طول عمره الوظيفي، وذلك البيت غالب مرفقاته لا يسـتعملها في القريب المنظور، فيا أيها الشباب، احـذروا أن تكونوا فريسة بين أنياب القروض أو مخالب الديون، وخططوا لحياتكم بما هو متاح لكم وموجود، فإن ذلك أوثق لكم وأسعد لمسـتقبل أسركم.

عباد الله:

إن من أسباب الفقر أيضا الحروب والفتن التي لا تخلف وراءها إلا الخوف والجوع، وهما ركنان من أركان الفقر، ولذا حذرنا الله سبحانه من اتباع خطوات الشيطان، ودعانا إلى الدخول في السـلم فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)، إن العدل والمساواة ينفيان الفقر كما ينفي الكير خبث الحديد، فخيرات البلاد لا بد أن تعم العباد، (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)، كما أن مكافحة البطالة بتوفير فرص العمل للأجيال الصاعدة؛ بعيدا عن المحسوبية والرشاوى يجعل المجـتمع هادئا مسـتقرا، قادرا على تجاوز محـنة الفقر التي تنخر كثيرا من المجـتمعات وتهدد كيانها.

أيها الإخوة المؤمنون:

إن غمط الناس حقوقهم كبيرة من كبائر الذنوب، ولذا وجب على الأغنياء أن يدفعوا زكاة أموالهم إلى مسـتحقيها من الفقراء والمساكين، فللفقير حق في مال الغني لا يجوز الاعـتداء عليه، يقول الله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)، ولو أن أغنياء المجـتمع أخرجوا زكاة أموالهم طيبة بها نفوسهم لما بقي في المجـتمع فقير أو مسـكين، كما أن على أصحاب الأعمال أن يستثمروا في بلدانهم حتى يسـتفيد منها أصحاب البلاد، وأن يساهموا بشكل كبير في تأهيل وتشغيل القوى العاملة الوطنية مع التأكيد على أهمـية أن يدفعوا للعمال والموظفين حقوقهم، ولا يبخسوهم من أموالهم شيـئا، وفي الحديث: ((أعطوا الأجير أجره قبـل أن يجف عرقه))، وفي حديث آخر: ((يقول الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمـته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل اسـتأجر أجيرا فاسـتوفى منه ولم يوفه أجره)). إن من الضرورة في القضاء على الفقر حث الناس على كفالة الأيتام، والإنفاق على الأرامل، وإعانة ابن السبيل، كل ذلك من أجـل أن يعيش المسلم آمنا مطمئنا ولو فقد الأب والأهـل والمعيل، ولا يغفلن مسـلم أن إقامة حق الإيمان ركيزة أساسية من ركائز القضاء على الفقر المادي والنفسي، يقول الله تعالى: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة… بما كانوا يصنعون)، (ولو أن أهل القرى آمنوا .. بما كانوا يكسبون).

فاتقوا الله -عباد الله (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.


الحمد لله، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فيا عباد الله: هناك من يظن أن الفقر أمر مقدس في الإسلام؛ لأن الإسلام دعا إلى الزهد والترفع عن متاع الدنيا وحطامها الزائل، والحقيقة أن ذلك وهم وخلط بين المفاهيم، فالفقر مذموم، وهو عدم قدرة الفرد على توفير أساسيات الحياة، وأما الزهد فهو أمر محمود، وهو ملك الدنيا ثم التخلي عنها ابـتغاء ما عند الله، فالزاهد من أتت إليه الدنيا راغمة، فوضعها في كفه ولم يضعها في قلبه (واليد العليا خير من اليد السـفلى)، كما أن هناك طائفة من الناس يعيشون تحت خط الفقر، ويعـتذرون لفقرهم بالقضاء والقدر، وما علموا أن الخضوع والاسـتكانة للأحوال القاسرة والأوضاع القاهرة، والاعـتذار بالقضاء والقدر من شأن الضعفاء والأقزام، وأما المؤمن القوي فهو قضاء الله الغالب، وقدره الذي لا يرد، و(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف).

فاتقوا الله -عباد الله-، واسألوا الله الغنى، واسـتعيذوا به من الفقر، وأنتم مبادرون إلى ما يصـلح أحوالكم من أمور معاشكم، فإن الله لدعائكم مسـتمع، وعلى نياتكم مطـلع.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون).