أفكار وآراء

بانتظار انتخابات الكنيست الـ 21

23 يناير 2019
23 يناير 2019

ماجد كيالي -

تتحضّر إسرائيل لانتخابات الكنيست الـ21، وهي انتخابات مبكّرة، ستجرى قبل موعدها بستة أشهر، وذلك بعد انفضاض عقد الائتلاف الحكومي الذي تتشكّل منه حكومة بنيامين نتانياهو، مع استقالة وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» (نوفمبر الماضي)

، ورفض نتانياهو إسناد تلك الوزارة لنفتالي بنيت رئيس حزب «البيت اليهودي»، الأمر الذي أدى إلى تصدّع الائتلاف خاصة بعد فشل التوصل إلى صيغة لإقرار قانون التجنيد الذي يلزم اليهود المتطرفين المتدينين «الحراديم» بتأدية الخدمة العسكرية الإلزامية، الذي تعارضه الأحزاب الدينية، مثل يهوديت هتوراة وشاس والبيت اليهودى. علما أن الائتلاف الحاكم يضم الأحزاب التالية: ليكود، ويش عيتيد (هناك مستقبل) وإسرائيل بيتنا، والبيت اليهودي، وشاس، ويهوديت هاتوراه، وكان يضم 67 عضوا في الكنيست من 120 عضوا، وهو ائتلاف يضم اليمين القومي والديني.

تكتسب هذه الانتخابات أهميتها من عدة جوانب، يتمثل أهمها في:

أولاً، البتّ بمصير بنيامين نتانياهو، الذي سيغدو في حال نجاحه في الانتخابات، وتكليفه تشكيل حكومة جديدة، بمثابة الشخص الذي مكث أطول فترة كرئيس للحكومة في تاريخ إسرائيل، حتى أكثر من المؤسس بن جوريون، الذي ترأس حكومة إسرائيل لفترتين لمدة 13 عاماً (الأولى من 1948 - 1953، والثانية من 1955 - 1963)، في حين تبوأ نتانياهو ذلك المنصب للمرة الأولى من 1996 ـ 1999، والثانية من 2009 حتى الآن، أي 13 عاما أيضاً.

ثانياً، ستحسم هذه الانتخابات مصير حزب العمل، وريث حزب الماباي، الذي باتت مكانته إلى انحسار مطرد، وهو الحزب الذي أسس لوجود إسرائيل، وطبعها بطابعها، حتى أواخر السبعينيات، إن كممثل لليهود الاشكناز (الغربيين)، أو كممثل للاشتراكية الديمقراطية، حيث صعد ليكود، أي أن هذه الانتخابات ستكشف تحولات الخريطة السياسية الإسرائيلية التي ظلت مؤخرا تنحو نحو اليمين، وتغادر مواقع الوسط، كما ستكشف وزن الأحزاب الدينية، والأحزاب ذات الطابع الإثني، سيما «إسرائيل بيتنا» لليهود الروس، و«شاس» لليهود الشرقيين.

ثالثا، تأتي هذه الانتخابات في ظروف سياسية على غاية في الأهمية، من ضمنها جمود عملية التسوية مع الفلسطينيين، وانزياح إسرائيل، بقيادة ليكود، لتقويض اتفاق أوسلو نهائيا، عبر استعادة سيادتها وإن غير المباشرة على الأراضي الفلسطينية، وفرض برنامجها بشأن إعطاء الفلسطينيين كياناً يتأسس على الحكم الذاتي، فقط، للسكان وليس الأرض، أي أن ليكود في ذلك يطبق برنامجه بخصوص تكامل الأرض، المختلف عن حزب العمل، الذي يتعلق بتكامل الشعب، والحفاظ على يهودية الدولة، والتخلص مما يسميه الخطر الديمغرافي.

رابعا، بعد إجراء الانتخابات ستكون الحكومة الإسرائيلية الجديدة بالتساوق مع مخططات الإدارة الأمريكية، بقيادة دونالد ترامب، بخصوص تمرير ما بات يعرف بـ «صفقة القرن»، وهي كناية عن فرض تسوية ما على الفلسطينيين من طرف واحد، من دون السماح بإقامة دولة فلسطينية ذات تواصل إقليمي، ومع وضع متميز لقطاع غزة، والسعي لإقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل والدول العربية.

لذا فمن حيث التوقعات، فإن اليمين القومي والديني سيعزز من حكمه وسيواصل رسم سياسات إسرائيل الداخلية والخارجية، وربما بطريقة أكثر تطرفا من ذي قبل، وبخاصة مع ظروف دولية مناسبة، سيما بحكم وجود إدارة من نمط إدارة ترامب في الولايات المتحدة، وبحكم حال الاضطراب في المشرق العربي.

ما يمكن قوله هنا أن الانتخابات الإسرائيلية حدثا على غاية في الأهمية كالعادة، لأن إسرائيل ليست دولة عادية في الشرق الأوسط، وهي دولة مؤثرة على الفلسطينيين، وفي المشرق العربي، كما أنها ذات أهمية للولايات المتحدة وأوروبا، ولكن الانتخابات التي ستحصل ستكتسب أهمية خاصة، أيضا، وفقاً للمعطيات التي ذكرتها.

ما يفترض ذكره هنا، أيضا، أن الانتخابات الإسرائيلية هي علامة على حيوية السياسة الإسرائيلية، وعلى قدرة الدولة والمجتمع والأحزاب في إسرائيل على إدارة الخلافات والتباينات بطريقة ديمقراطية، وبطريقة تعزز من الاستقرار السياسي والاجتماعي في إسرائيل.

وطبعا، فإن الحديث هنا عن الانتخابات الـ 21 في تاريخ دولة إسرائيل منذ قيامها (1948) أي في غضون 70 عاما، بمعنى أن هذه الدولة شهدت انتخابات دورية منتظمة بمعدل 3.5 سنة في كل مرة (فترة الكنيست أربعة أعوام)، أي أنها لم تؤجل الانتخابات ولا مرة، رغم كل الظروف المحيطة بها، بل إنها ذهبت حتى إلى انتخابات مبكرة لمعالجة أية إشكاليات داخلية فيها، وهو ما يحتسب لصالحها.

المعنى أن إسرائيل دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية ومصطنعة وتتغطى بالدين لتبرير سياساتها، ولجلب المستوطنين اليهود إليها، لكنها رغم ذلك تستخدم أنسب الطرق لحسم الخلافات السياسية وتعيين التوازنات الداخلية فيها، وهو ما يميزها عن الأنظمة السائدة في هذه المنطقة في العالم، بل ويجعلها في مكانة أقوى إزاءها من مختلف النواحي.

إذا بانتظار الانتخابات الإسرائيلية القادمة.