أفكار وآراء

الإطار العالمي للتنمية الاقتصادية

23 يناير 2019
23 يناير 2019

مصباح قطب -
[email protected] -

نتحدث كثيرا عن مراكز التفكير في الولايات المتحدة وأوروبا وفى الدول المتقدمة عموما، وننسى أن بلادنا أيضا بحاجة إلى أنواع من تلك المراكز، وقد لا يكون وجود «ثنك تانكس» جديدا على منطقتنا، فهناك منها مراكز ذات سمعة جيدة نشأت في عدة دول عربية خلال العقدين الماضيين بخاصة، لكن العناية بما تقدمه مراكز التفكير تلك تبقى اقل مما يجب، وأقصد عناية دوائر القرار ذاتها، وعناية المجتمع والميديا. وقد اقتربت في الآونة الأخيرة من واحد من تلك المراكز المتميزة، مشدودا إلى أعمال عقول محترمة فيه أعرفها وأعرف قدرتها على العطاء. انه المجلس المصري للشؤون الخارجية، وقد تأسس المجلس منذ سنوات طويلة، لكنه شأنه شأن كيانات كثيرة شهد صعودًا في البداية، ثم انزوى حيث غاب صوته أو ظننا انه غاب، ولكن في العامين الماضيين استعاد المجلس بريقه، بعد أن تولى شأنه عدد من أبرع رجال العمل الدبلوماسي والسياسي في مصر واكثر خبراء السياسة الخارجية اقتدارًا. وقد يغيب عن كثيرين أن عددا لا بأس به من رجال الدبلوماسية المصرية -والعربية عموما- هم أصحاب قامات عالية في العلم الاقتصادي، ودرسوا الاقتصاد في أبرز جامعات العالم، ولكن يعرف أن وزارات الخارجية أصبح بها ومنذ وقت مبكر إدارات اقتصادية، فضلا عن إدارات للتعامل مع المنظمات الدولية ومنها منظمات اقتصادية كبيرة كالبنك وصندوق النقد الدوليين والاونكتاد وغيرها، ما اقتضى وجود مثل تلك الخبرات بها.
وقد عقد المجلس مؤتمره السنوي منذ فترة تحت عنوان «مصر والعرب في شرق أوسط متغير»، وناقش أوراقا مفصلة عن أدوار القوى الكبرى في العالم (أمريكا- روسيا- الاتحاد الأوروبي- الصين)، والقوى الإقليمية (إيران- تركيا- إسرائيل)، وناقش معهم في نفس الجلسة ورقة عن الفاعلين من غير الدول (مثل حماس وحزب الله)، وناقش أيضا أوراقا عن دور القوى العربية كالمملكة العربية السعودية والإمارات ودول مجلس التعاون ثم دول المشرق العربي ودول المغرب العربي، وأخيرا ناقش مصر وقضايا المنطقة وملفات الإرهاب والمستقبل،
ما يعنينا هنا هو الشق الخاص بالاقتصاد في الخلاصات والتوصيات، ورؤية هذه المنظمة للإطار العالمي الذي يحيط بعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل دولة من دولنا العربية من ناحية، وبدول الوطن العربي كلها من ناحية أخرى. وكيف أثر ذلك على خططنا وطموحاتنا الاقتصادية. تابع المؤتمر كما علمت ما أسفرت عنه الإعلانات الصادرة عن مؤتمرات الأمم المتحدة العالمية بدءًا من اجتماع مجلس الأمن على مستوى القمة مع بداية ولاية د. بطرس غالي في 31 يناير 1992، ثم إصدار الأمين العام لأجندة من أجل السلام في يونيو من ذلك العام، ثم أجندة من أجل التنمية عام 1995، وغيرها حتى قمة الألفية عام 2000، ثم اعتماد أهداف التنمية المستدامة (2015 - 2030). واكد المجلس أن تلك المؤتمرات فرضت أجندة جديدة وواقعا مغايرا بالتوازي مع مؤتمرَيْن هامَّيْن خارج إطار الأمم المتحدة، وهما مؤتمر مراكش عام 1994 الذي جاء ختاما لجولة أوروجواي للجات، والذي نشأت بمقتضاه المنظمة العالمية للتجارة (WTO)، ومؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار في نيويورك عام 1995، والذي قرَّر مدَّ تلك المعاهدة لأجلٍ غير مسمَّى بدون تحديد إطار زمني لنزع السلاح النووي، أو إطار زمني لإنشاء منطقة في الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل. ويدخل كل ذلك ضمن ما يُسمَّى بالعالم المتغير الذي أثر على العلاقات الدولية بصفة عامة، كما كان له تأثيره على منطقة الشرق الأوسط ومنها مصر بصفةٍ خاصة.
وأشار إلى أن الدول المتقدمة أنشأت ناديَيْن مغلقَيْن لتنسيق مواقفها بعيدًا عن المحافل الدولية والأمم المتحدة؛ هما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ومنظمة التعاون والأمن الأوروبي (OSCE) بخلاف حلف الناتو، ومن خلالهما حاولت إضعاف الأمم المتحدة، بما فيها الأنكتاد الذي نشأ عام 1994 لدعم التجارة والتنمية وتقديم الدعم الفني لصالح الدول النامية، وإضعاف تجمعات الدول النامية وخاصة حركة عدم الانحياز ومجموعة الـ77 والصين. أكد المؤتمر أنه مع مرور 50 سنة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق حقوق الإنسان وإنشاء مجلس حقوق الإنسان ولجنة بناء السلام، فرضت الدول المتقدمة أجندتها بإعلاء حقوق الإنسان المدنية والسياسية على الحقوق الجماعية، وخاصة الحق في التنمية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وذلك في نفس الوقت الذي رفضت فيه الالتزام بما قررته المؤتمرات الدولية من تخصيص 0.7 % من ناتجها القومى الإجمالي لتمويل التنمية، واستخدام شعار حقوق الإنسان -ككلمة حق يُرَاد بها باطل- للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم الوفاء بالتزاماتها. ومن ثَمَّ، من الضروري الالتزام بجميع حقوق الإنسان وفقا لما نصت عليه المواثيق الدولية ذات الصلة، وأولها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد أن احتفلنا يوم 10 ديسمبر الجاري بمرور سبعين سنة على اعتماده، وضرورة مراعاة التوازن في الممارسات فيما بين الدول، بين الحقوق الفردية للإنسان وخاصة الحقوق المدنية والسياسية من ناحية، والحقوق الجماعية للإنسان من ناحية أخرى، ولاسيَّما الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحق في التنمية وحق تقرير المصير للشعوب. وفى ظل كل تلك المتغيرات، لاحظ المجلس أن روسيا تعود بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط لتصبح منافسا قويا للولايات المتحدة التي خسرت كثيرا بسبب انحيازها لإسرائيل، بينما نجحت روسيا في تطوير علاقاتها بالدول العربية، والتأثير المتزايد لروسيا في دول الشرق الأوسط، بما في ذلك مع تركيا وإيران لتملأ الفراغ الذي تسعى الولايات المتحدة لتركه، وتشهد على ذلك رحلات خبراء البترول الروس الذين يجوبون دول الشرق الأوسط للتنقيب عن البترول والغاز، وتجارة السلاح الروسي كمنافس للسلاح الأمريكي، والبحث عن مزيدٍ من الصفقات مع دول المنطقة، بما في ذلك إقامة محطات نووية في دول الشرق الأوسط من خلال العقود التي أُبرِمَت مع دول المنطقة، ومنها الاتفاق مع مصر على إنشاء محطة نووية في منطقة الضبعة.
شدد المؤتمر على التوصية بالالتزام في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما توفره منظومة الأمم المتحدة وبرامجها وصناديقها ووكالاتها المتخصصة من الأنشطة لاستثمار الإمكانيات والثروات التي تتيحها مختلف الأعمال العلمية والثقافية والتعليمية والتكنولوجية، وفي المجالات الزراعية والتعدينية والثروات البحرية، وتنفيذ ما صدر من إعلانات وبرامج العمل للمؤتمرات العالمية، وآخرها تنفيذ أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر مع حلول عام 2030.
في النهاية . في هكذا خليط من الأجواء والتغيرات والمؤثرات والتقلبات والتشوهات علينا أن نواصل جهودات التنموية، حتى نحقق التقدم والرخاء اللذين يستحقانهما.