1111703
1111703
المنوعات

دار الفنون الموسيقية.. جسر تمده عمان للتواصل بين الحضارات ونشر ثقافة الجمال

21 يناير 2019
21 يناير 2019

العمانية: مع كل صرح ثقافي وفني يفتتح في السلطنة يستطيع العماني والعربي أن يشعر بالكثير من الفخر أن قائدا عربيا يملك كل هذا الاحتفاء بالثقافة والفنون، ويعطيها المساحة التي تستحقها في بناء الحضارة والبناء الإنساني.

ليس ذلك في سياق استهلاكي ولكن وفق رؤية عميقة ومدروسة تستطيع التغلغل في عمق المجتمع لتنثر ما تحمله من جمال ومن روعة وتنشئ جيلا يحمل الفنون الأصيلة عنوانا من عناوينه.

وكانت الفنون تحظى باهتمام حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، حفظه الله ورعاه، منذ بدايات عصر النهضة المباركة، وإذا كان ذلك الاحتفاء قد تم تتويجه بافتتاح دار الأوبرا السلطانية في أكتوبر من عام 2011 فإن مسيرة الاحتفاء والاهتمام ما زالت متواصلة وهذا ما يؤكده افتتاح دار الفنون الموسيقية لتكون صرحا ثقافيا وفنيا شامخا هو الآخر ومتكاملا مع دار الأوبرا السلطانية وتتويجا آخر لعناية جلالة السلطان، أعزه الله، بالفنون التي تستطيع أن تبني جسورا من التواصل بين مختلف الحضارات الإنسانية. ويصر أرباب الثقافة على القول إن الفنون وحدها تستطيع أن توحد بين الشعوب على اختلاف توجهاتهم وهي تملك لغة يفهمها الجميع، وهذا الشعار أحد الشعارات التي قامت عليها الكثير من المشاريع الفنية في السلطنة.

وإذا كانت دار الأوبرا السلطانية مسقط قد استطاعت أن تلفت الأنظار لها خلال السنوات الماضية ليس في السلطنة أو المنطقة العربية فحسب بل بين كبريات دور الأوبرا في العالم فإن دار الفنون الموسيقية تَعِدُ بالكثير من ذلك لأنها تسير بنفس الالتزام والجدية اللذين تسير بهما دار الأوبرا السلطانية وهذا أحد أهم شروط نجاح المؤسسات الفنية والثقافية. فخلال مواسمها الماضية استطاعت دار الأوبرا السلطانية أن تعكس لزوارها نوعا نادرا من الالتزام في الفعل الثقافي والفني وهذا ما أكسبها احتراما كبيرا ليس مع زوارها الذين باتوا يعرفون درجة الالتزام وليس مع الفنانين العالميين الذين تعاملوا معها ولكن أمام المؤسسات الفنية والثقافية الدولية التي وصلتهم سمعتها في هذا الجانب وأشادوا بها عبر الكثير من الزوار الذين ظلوا على الدوام يشيدون بنوعية العمل الذي تقيمه الدار ووضوح الرؤية.

وعندما يقف الزائر لدار الفنون الموسيقية في الباحة الخارجية يتطلع لمبنى شامخ مبني على طراز المعمار العماني، وهو نمط معمار يمزج بين لمسات الشرق والغرب وبين النمط القديم والحديث في إشارة واضحة إلى المواءمة بين الأصالة والمعاصرة.

لكن لا يخفى على الزائر مقدار الحفاظ على نمط المعمار الإسلامي وهو نوع من المعمار يعطي الزائر انطباعا ترحيبيا، وهو نمط أيضا متوائم مع الكثير من المباني الأساسية القائمة في السلطنة.

وإلى الداخل من المبنى يجد الزائر نفسه أمام فخامة تليق بدار للفنون، ومركز من مراكز الثقافة التي يراد لها أن تكون ملتقى حضاريا وساحة للتبادل الثقافي. ويشاهد الزائر جماليات الأبواب الخشبية والزجاج المنقوش.. ولا يختلف البهو عن النمط العام للدار من الداخل، حيث يوفر البهو إطلالة على التصميمات الداخلية لدار الفنون ويمكن للمتأمل أن يناظر الأعمدة الرخامية والمشربيات المنحوتة بدقة متناهية وبكثير من التناسق والجمال.

وإلى الداخل أكثر حيث الجزء الأساسي في دار الفنون الموسيقية وهو المسرح المزود بأحدث الأنظمة التي تستطيع تلبية كافة متطلبات أية عروض تقدمها الفرق الدولية أو المحلية. ويستطيع المسرح استيعاب جميع متطلبات الأعمال الفنية والموسيقية سواء كانت في الإطار التثقيفي أم عروض الأعمال الأوبرالية التي تعود إلى مختلف العصور، وتوفير المكان المناسب لجميع الفعاليات الفنية وفق ما أكدت الدار في بيانها الإعلامي. ويمتلك المسرح أبراجا صوتية قابلة للتحريك ويمكن التحكم بها وفق ما يتناسب مع كل عرض على حدة. لكن دار الفنون ليست فقط مسرحا بإمكانيات عالمية حديثة ولكنه أيضا مركزا ثقافيا يحمل بعدا تنويريا. ويتكون المركز من مكتبة حديثة تضم الكثير من الأبحاث العلمية، إضافة إلى أرشيف متكامل وقاعة للمعارض ومكتبة للموسيقى.. كما يضم المركز معرضا دائما وهذه المفردات تشكل المركز الثقافي الذي يهدف إلى مد جسور المعرفة والتواصل مع مختلف شرائح المجتمع.

ورغم أن دار الفنون الموسيقية تتعامل مع عروض قديمة في الغالب إلا أنها في الوقت نفسه مزودة بأحداث المبتكرات في مجال التقنيات الرقمية وهو إشارة أخرى إلى فكرة الأصالة والمعاصرة، وهي الثنائية التي ظلت عمان تحافظ عليها منذ بدايات عصر النهضة المباركة.

وتسعى المكتبة الموسيقية لتكون أرشيفا يضم كنوز المصنفات السمعية والبصرية والمطبوعات إضافة إلى موسيقى مختلف العصور لتكون قادرة على تلبية جميع المتطلبات وخاصة الجانب البحثي. وتضم المكتبة مختبرا موسيقيا ومقصورات للدراسة ومرافق لحفظ الكتب والمخطوطات، وقاعات لورش عمل كبيرة ومجهزة بالكامل لأمناء المكتبة. كما تستطيع المكتبة تنفيذ أنشطة ثقافية للنشء. إضافة إلى شاشات عرض رقمية تتيح للزوار الاستمتاع والاستماع إلى المحتوى الموسيقي التفاعلي الذي تقدمه الدار.

وفي الطابق الأول يجد الزائر لدار الفنون الموسيقية قاعات المعارض، وهي قاعات مقسمة إلى جزءين بحيث تتيح تنظيم فعاليتين في الوقت نفسه، وتضم القاعات شاشات إلكترونية تعمل بمجرد دخول الزائرين لها.

ولا تختلف الهندسة المعمارية في القاعات عن هندسة المسرح أو البهو الخارجي والممرات بل تحاكي القاعات نفس النمط المعماري ونفس الجمال الباذخ الذي يشعرك بالكثير من الارتياح ويقربك للمبنى وما يضمه من فنون وتثقيف.

أما الطابق الثاني فيجد فيه الزائر المعرض الدائم وقاعة للمعارض الزائرة، وهو مكان يجمع بين الشاشات الرقمية التفاعلية والعناصر المعمارية وتجهيزات الإضاءة والصوت المرئي. ويجد الزائر في للمعرض الدائم محورين: الأول حول صناعة الموسيقى من خلال ركن عالم الموسيقى وركن التنوع الموسيقية وركن الآلات الموسيقية، أما المحور الثاني فيحمل عنوان كيف تعمل الموسيقى من خلال التفاعل الموسيقي وصناعة الموسيقى. ودار الفنون الموسيقية ليس فضاء منفصلا عن دار الأوبر السلطانية بل هي مساحة متكاملة ويربط بين المبنيين جسر أنيق جدا. لكن هذا الجسر إضافة إلى أنه في الواقع يربط بين المبنيين إلا أنه يحمل بعدا رمزيا كبيرا من حيث أنه جسر يربط بين الفنون على اختلاف أنواعها.

والجسر في بعده الواقع يعتبر طرازا متميزا للجسور الحديثة، وأثناء العبور منه يمكن الاستماع للموسيقى المتنوعة التي تصدر بواسطة أجهزة استشعار روعي في تصميمها الاستعانة بكل ما هو جديد في التقنيات العالمية.

ومن بين المساحات الفنية التي يحتوي عليها مبنى دار الفنون الموسيقية يجد الزائر ميدان الدار الذي يتميز بواجهته البحرية وساحته الفسيحة وأروقته المستوحاة من التراث التاريخي، وهو بهذا مساحة مهمة للعديد من العروض والفعاليات.