إشراقات

وسائل تحقيق التكافل المادي

17 يناير 2019
17 يناير 2019

د. أحمد بن يحيى الكندي -

عني الإسلام بوسائل عملية تحقق التكافل وفي مقدمة ذلك الزكاة، ويشارك الزكاة في الوسائل الواجبة الكفارات بأنواعها المختلفة ككفارات تضييع العبادات وكفارة اليمين وكفارة قتل الصيد، وكفارة الظهار، والنذور والوصية الواجبة، وصدقات الفطر، والأضاحي الواجبة، وإسعاف المضطر المحتاج لقول النبي صلى الله عليه وسلم (برئت ذمة الله من أهل عرصة بات فيهم جائع) والنفقة الواجبة على من يجب عولهم وغير ذلك مما يتعين وجوبه، وأما المندوب فأبواب الصدقات المندوبة، والهبات والأضاحي المندوبة، ووصايا الخير والأوقاف والعارية وغير ذلك، وهذا التنوع يصب في تنشيط التكافل وتنوع روافده ومصادره. وهي من أهم وسائل التكافل، وهي فريضة فرضها الله على المسلم دينا، ويتجلى دورها لكونها تجب على كل من ملك النصاب بما يعادل قيمة 84 جراما من الذهب وبالتالي تستوعب شريحة كبيرة، ومن حيث مقدار الزكاة فهي تمثل 2,5% غالبا من مجموع الأموال، وهذه النسبة لو طبقت كفيلة بحل مشكلتين كبيرتين هما الفقر والركود، فتنصب في جيوب الفقراء، فمن ناحية مع الاستمرار تزيل الفقر ومن ناحية أخرى يشتري بها الفقراء حاجتهم بما يعزز حركة السوق ويرفع الركود، وفضلا عن ذلك ما تحققه الزكاة من آثار معنوية وأخلاقية واجتماعية وروحية.

2 - الكفارات: والكفارات فرضها الإسلام على المسلم جزاء لارتكابه بعض المحظورات أو تضيعه بعض الواجبات، ومن هذه الكفارات كفارة اليمين إذا حلف المسلم بالله فحنث، وكفارة الفطر عمدا بدون عذر مقبول نهار رمضان أو كفارة انتهاك الصوم بأي مفطر آخر كالجماع. وغير ذلك من الكفارات، وهذه الكفارات في بعض مصارفها إطعام لعدد من المساكين، ولذا كانت وسيلة من وسائل تحقيق التكافل قال الله تعالى في شأن كفارة اليمين: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ).

3- صدقة الفطر: وهي صدقة يجب إخراجها يوم عيد الفطر بعد شهر رمضان وهي صاع من طعام وتقدر مقدار 2 كيلوجرام و80 جراما تقريبا وتكون من غالب قوت البلد، وهي واجبة على كل مسلم: الرجل والمرأة، والصغير والكبير. وهدفها كما قال صلي الله عليه وسلم «أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم».

4 - إسعاف المحتاج: وهنا يجب على من علم بأن جاره جائع ولا يجد ما يأكل أن ينقذه إذا كان ذلك في استطاعته، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به» ويقول: «برئت ذمة الله من أهل عرصة بات فيهم جائع» بل إن الإسلام يعطي الحق لمن وصل إلى هذه الدرجة أن يأخذ ما يدفع عنه الجوع من الآخرين ولو بالقوة إن احتاج الأمر لذلك.

5- وصية الأقربين الواجبة: وهذه صورة أخرى من صور التكافل، وجعل الله وصية الأقربين واجبة بقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين).

ب - الوسائل الفردية المندوبة: وكما أن الإسلام شرع وسائل واجبة للتكافل فإنه دعا إلى وسائل مندوبة شرعها على العباد على وجه التطوع ومنها:

1- الوقف: فقد شرع الإسلام الوقف وجعله من الأعمال التي يتقرب بها العبد لله مولاه وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».

والوقف - كما قال الإمام القطب هو الحبس ووقف مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه لقطع تصرف الواقف وغيره في رقبته لصرف منافعه جهة خير تقربا إلى الله تعالى.

وفي الوقف يتبرع المسلم بعين ما تبقى لمدة من الزمن لجهة معينة شريطة عدم التصرف في العين مع الاستفادة من منافعها وغلاتها، ويمكن أن يكون ذلك في صورة عمارة سكنية أو استثمار أو أرض زراعية أو غير ذلك.

وقد عني المسلمون في التاريخ الإسلامي بالوقف وتنوع مصادره وتعدد أهدافه وجهاته، وقد شكل الوقف نظاما حيويا للمجتمع وكان يقوم حتى اليوم بالوظائف العامة والأمن والرعاية الاجتماعية للفئات المحتاجة.

2- العارية: وهي تمكين الشخص غيره من استخدام وسائله مجانا شريطة أن يردها له. وقد حث الإسلام على هذا الأسلوب من التعاون والتكافل لما له من آثار إيجابية وبناءة في غرس المحبة بين أفراد المجتمع وفي تقوية العلاقات الاجتماعية وإقامتها على المشاركة والتعاون، وأنكر على من يمنع هذا الحق ما دام لا يلحق به ضرر وقرنه بالتقصير في الصلاة.

4 - الهدية والهبة: وقد حث الإسلام على تبادل الهدايا ذاكرا دورها في تقوية النسيج الاجتماعي وإشاعة روح الألفة والمودة بين أفراد المجتمع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا».