العرب والعالم

تداعيات أزمة «الرئاسي» الليبي الأخيرة

17 يناير 2019
17 يناير 2019

طرابلس-(الأناضول): أزمة داخلية جديدة ألمّت مؤخرًا بالمجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق الوطني» الليبية، اعتبرها البعض «القشة التي ستقصم ظهر البعير»، بينما رأى آخرون أنها «مجرد وسيلة ضغط»، ستمر كسابقاتها.

وعلى مدى 3 سنوات، هي عمر المجلس الرئاسي، الذي تشكل نهاية 2015، شهد المجلس عدة عراقيل وانشقاقات داخلية أثرت على مسيرته.

وتشكل المجلس الرئاسي الليبي، بعد توقيع اتفاق سياسي في منتجع «الصخيرات» المغربي، في 17 ديسمبر 2015، ويتشكل من رئيس و3 نواب و5 أعضاء، وتتبعه الحكومة.

أول تلك العراقيل، كانت رفض مجلس النواب في 2016، منح الثقة للحكومة التي تقدم بها رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج؛ لكن الأخير فوض وزراءه للعمل بشكل مباشر، معتمدًا على الاعتراف الدولي الممنوح لحكومته.

ذات المجلس تعرض مجددًا في ذات العام لخلل داخلي، حين أعلن نائب رئيس المجلس، على القطراني، ممثل قوات خليفة حفتر في شرق ليبيا، وعضو المجلس عمر الأسود ممثل مدينة الزنتان (170 كم جنوب غرب طرابلس) انسحابهما . تلك الخطوة بررها العضوان بأنها ناتجة عن اعتراضهما على التشكيلة الحكومية التي تقدم بها السراج للبرلمان.

لكن استقالتي القطراني والأسود، لم تؤثرا في جلسات أو قرارات المجلس الرئاسي، الذي وصل في 31 مارس 2016، العاصمة طرابلس، للعمل من داخلها بعد أشهر من العمل في تونس.

ورغم ذلك استمرت المناوشات السياسية والإدارية بين العضوين المنسحبين ورئيس المجلس في شكل بيانات وتهم متبادلة لم تؤثر في المجلس بشكل إداري لكنها ساهمت في اصطفاف المزيد من الخصوم ضده.

ومطلع يناير2017، تعرض المجلس الرئاسي لهزة أخرى كانت أقوى من سابقاتها، حيث أعلن موسى الكوني، نائب رئيس المجلس الرئاسي، الذي يمثل الطوارق بجنوبي ليبيا، استقالته على الهواء مباشرة، بسبب ما قال إنه فشل مؤسستهم «في الوفاء باستحقاقاتها تجاه الليبيين».

استقالة الكوني، جعلت المجلس الرئاسي يضعف لسببين؛ أولهما أن الرجل هو نائب الرئيس، حيث أصبح السراج بنائبين فقط بعد انسحاب القطراني واستقالة الكوني، وبقاء أحمد معيتيق، وفتحي المجبري، النائبين الآخرين للرئيس.

أما ثاني الأسباب، وهو أن الكوني ممثل كامل مناطق جنوب ليبيا في المجلس الرئاسي، ما جعل الكثيرين يحكمون بـ«موت المجلس»، لغياب تمثيل أحد أقاليمه رسميًا، أي انعدام أحد أهم أسباب إنشاء المجلس وهو «الوفاق».

بعد الكوني، استمر المجلس أيضًا في مسيرته ناقصًا بستة أعضاء من إجمالي تسعة؛ وسط موجة من الانتقادات التي تحطمت جميعها أمام إصرار المجتمع الدولي على أن ذلك المجلس هو الممثل الوحيد لليبيا في جميع المحافل والاتفاقات الدولية.

غياب تمثيل إقليم كامل داخل المجلس الرئاسي، تكرر مجددًا بعد إعلان فتحي المجبري، نائب رئيس المجلس الرئاسي، (ممثل عن منطقة الهلال النفطي) انسحابه رسميًا خلال مؤتمر صحفي مشترك مع زميله المنسحب علي القطراني، ليعلنا انسحاب إقليم برقة (شرق ليبيا) من المجلس الرئاسي وخروجه من الاتفاق السياسي كاملًا.

وبرر المجبري، موقفه «بسيطرة المليشيات المسلحة على القرار في طرابلس، وانعدام شخصية المجلس الرئاسي أمام تغولها». لكن إعلانه لم يُحدث ردة فعل كبيرة حيث احتسب سياسيون ذلك بأنه «موقف شخصي ضد السراج حليفه بالأمس، وليس لأجل ليبيا».

ومع تواصل انفراط عقد المجلس الرئاسي، شكلت كل تلك المحطات السابقة مجتمعة سببًا رئيسيًا في ظهور فكرة استبداله بآخر جديد، وهو ما أعلن عنه مجلس النواب في طبرق (شرق) والمجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري/‏‏ طرابلس)، بعد عدة اجتماعات في 17 سبتمبر 2018.

وبدأت تلك الخطوات ضد الرئاسي، بمبادرات فردية من أعضاء بمجلسي الدولة والنواب؛ تحولت في 1 نوفمبر 2018، إلى اتفاق رسمي على استبدال المجلس الرئاسي، بآخر من رئيس ونائبين فقط، يمثلون أقاليم ليبيا الثلاثة (غرب وشرق وجنوب)، وفصله عن الحكومة التي تقرر إعادة تشكيلها هي الأخرى. تلك الخطوة لم تؤثر في المجلس الرئاسي؛ رغم اتفاق الخصوم السياسيين (مجلسي النواب والأعلى للدولة)، حيث اصطدمت بعدة عراقيل منها المبادرات الدولية التي أكدت على وجوب بقاء الحال على ما هو عليه، لحين عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية توحد كامل ليبيا.

حاليًا يشهد المجلس الرئاسي، الذي يعمل برئيس وأربعة أعضاء، خلافات داخلية أخرى؛ لكنها أشد وطأه، حيث توقع البعض أنها «المسمار الأخير» في نعش المجلس، بينما اعتبر البعض أنها مجرد عملية ضغط على السراج، في مشهد متكرر.

تلك الاضطرابات تمثلت في إصدار خطاب من ثلاثة أعضاء بالمجلس، لمدير وموظفي الإدارة القانونية بمجلس الوزراء، وكل أعضاء الرئاسي، يحذرونهم فيه من «مغبة تنفيذ القرارات الفردية » الصادرة عن السراج.

وتضمن الخطاب، الذي صدر الثلاثاء الماضي والموقع من النواب بالرئاسي أحمد معيتيق (يمثل مصراتة)، وعبد السلام كاجمان (يمثل الإخوان المسلمين)، وفتحي المجبري (منسحب)، اتهامات للسراج بـ«مخالفة» الإعلان الدستوري وتعديلاته والاتفاق السياسي الليبي الموقع في 2015، الذي تأسس بموجبه المجلس.

ولم يكتفِ الأعضاء الثلاثة بذلك، بل أصدروا السبت الماضي، بيانًا موجهًا للسراج، اتهموه فيه «بقيادة ليبيا نحو مجهول قد يعيدها إلى نقطة الصفر، ويقودها لصدام مسلح من جديد».

في المقابل، رد السراج، على تلك الاتهامات خلال لقاء تلفزيوني، الأحد الماضي واتهم بدوره بعض أعضاء الرئاسي (لم يسمهم) «بنقل الصراعات إلى داخل المجلس بدلًا من تفكيكها».

«هل ينتهي الرئاسي الليبي؟»

هذه المرة ليست كسابقاتها، هذا ما قاله أستاذ العلوم السياسية في شرق ليبيا، وليد الصفار.وأضاف الصفار، في حديث للأناضول، أن «كل المنغصات التي مرّ بها المجلس الرئاسي، ليست بقوة موقف الأعضاء الثلاثة في بيانهم الأخير».

وأوضح أن «البيان حمل توقيع ثلاثة أعضاء بينهم اثنين (معيتيق، وكاجمان) يعدان من أهم حلفاء السراج، وأذرعه التنفيذية والسياسية».

وتابع: «معتيق يمثل مدينة مصراتة، التي تعد أهم حليف سياسي للسراج، وبدونها لن يقوى على فعل شيء، كما أن مصراتة هي القوة العسكرية للسراج، وصاحبة أهم إنجازاته، وهي تحرير مدينة سرت (450 كم شر طرابلس) من داعش، في ديسمبر 2016، عبر قوة البنيان المرصوص».

وزاد: «أيضًا أحمد معيتيق، يمثل آخر نائب للسراج، موجود بعد غياب نوابه الثلاثة موسي الكوني، وفتحي المجبري، وعلي القطراني؛ أي أن غياب معيتيق المحتمل أو حتى دخوله في صرع مع السراج، يشل الأخير على المستوى الإداري والتشريعي داخل المجلس».

واختتم حديثه بالإشارة إلى سبب آخر محتمل لانهيار المجلس الرئاسي، وهو أنه «بانضمام معيتيق وكاجمان، لخصوم السراج، لم يبق لديه سوى عضوين فقط في فريقه، وهم: محمد عماري زايد (يمثل إسلاميي مدينة بنغازي) وأحمد حمزة».

أما المحلل السياسي الليبي، علي الزليتني، فله رأي آخر تمامًا، حيث قال إن «البيان الثلاثي ليس إلا ورقة ضغط اعتدنا من جميع الأطراف السياسية استخدامها».

وأضاف الزليتني، في حديث للأناضول، «سبق للنواب إصدار العديد من البيانات ضد السراج، والمجلس الأعلى للدولة أصدر أيضًا بيانات ضد السراج، وجميعها لم تؤثر بل كانت فقط لمجرد الضغط عليه».

وأشار إلى أن «كل تلك البيانات والمواقف ضد السراج أو المجلس الرئاسي، تتحطم أمام موقف المجتمع الدولي، الذي لا يزال يراهن على بقائهما».

ورأى المحلل السياسي، أن الحل يكمن في يد السراج نفسه؛ موضحا أنه «من حق السراج، بحسب اللائحة الداخلية للمجلس الرئاسي استبدال الأعضاء المتغيبين بأعضاء آخرين من ذات المناطق التي يجب أن تمثل داخل الرئاسي».

«بذلك الحل يكون السراج حافظ على تمثيل جميع الأقاليم داخل مجلسه»، بحسب الزليتني، الذي أقر في الوقت نفسه بصعوبة تلك الخطوة، قائلًا «إيجاد بديل خاصة من شرق ليبيا أمر صعب بعض الشيء لكنه ليس مستحيلًا».

ورغم أن تلك الانشقاقات والانسحابات والخلافات الداخلية، أضعفت المجلس الرئاسي، هيكلًا وإدارة وتوافقًا، يرى السياسي الليبي بدر الغاوي، أن «إنجازات رئيسه فائز السراج، خلال 2018، مركز قوة». وقال الغاوي إن «السراج نجح العام الماضي، في إطلاق الترتيبات الأمنية، التي ساهمت بشكل كبير في استقرار الوضع الأمني في طرابلس، واحتواء المليشيات وتحجيم دورها، الذي كان قبل ذلك أهم الأدوار».

وأشار إلى أن «السراج، أطلق أيضًا الإصلاحات الاقتصادية، التي ساهمت في انخفاض قيمة الدولار، وحصول الدولة على مليارات الدينارات بعد فرض رسوم على بيع النقد الأجنبي».