أفكار وآراء

تحالف الشرق الأوسط والمسار المجهول

15 يناير 2019
15 يناير 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

بدأ الترويج الفعلي لإطلاق مشروع تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي بعد جولات مكوكية لعدد من المسؤولين الأمريكيين بدأها في شهر سبتمبر نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج تيم ليندر كينج وتوجت بالجولة الأخيرة لوزير الخارجية مايك بومبيو إلى عدد من دول المنطقة، حيث تم الكشف عن عقد مؤتمر استراتيجي لتلك الدول المرشحة للدخول في ذلك الحلف يعقد في العاصمة البولندية وارسو يومي الثالث عشر والرابع عشر من شهر فبراير القادم.

ولعل مشروع ذلك الحلف الشرق الأوسطي الذي يتوقع له أن يكون على غرار الناتو الغربي إذا تم إقراره أن يثير الكثير من الجدل الذي اتضح في التصريحات الإيرانية المعارض لعقد قمة وارسو القادمة، كما أن الأزمات المشتعلة في المنطقة سوف تتجه إلى مسار أكثر تعقيدا علاوة على أن المواقف السياسية لبعض الدول لم تتضح بعد من هذا المشروع.

بعيدا عن الأحلاف

من خلال مشروع الشرق الأوسط الاستراتيجي فإن الهدف منه بشكل مباشر هو مواجهة ايران وهذه إشكالية لا تساعد على الابتعاد عن الأحلاف والتركيز على الحوار خاصة أن الرئيس الإيراني حسن روحاني رحب بالحوار مع بعض دول الخليج التي لها خلافات حادة مع إيران، ومن هنا فإن موضوع الأحلاف الاستراتيجية سوف تعقد الأمور خاصة أن إسرائيل من خلال رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو قد يحضر ذلك المؤتمر وهذا يضيف بعدا خطيرًا للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

وهناك شكوك كبيرة حول نجاح مشروع التحالف الشرق أوسطي حيث إن الأزمة الخليجية لا تزال متواصلة رغم الدعوات الأمريكية لإنهائها، كما أن السلطنة ومن خلال رؤيتها السياسية ترفض الدخول في الأحلاف وتفضل لغة الحوار في ظل فرص حقيقية لنجاح ذلك الحوار.

إن إقرار مبدأ الحلف الاستراتيجي سوف تكون له تداعيات في غاية الخطورة من خلال مواجهة محتملة مع إيران سوف تشعل المنطقة بأكملها وسوف تكون دول الخليج وإيران المتضرر الأكبر من تلك المواجهة، وهذا يعطي احتمالا أكبر بأن المشروع قد لا يرى النور ويظل مؤتمر وارسو يدور في إطار إقرار آليات محددة لمجابهة إيران وهذا التحليل قد يكون هو الأقرب إلى التطبيق خاصة أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد إيران لم تعط التأثير الكبير على إيران.

جولة وزير الخارجية الأمريكية بومبيو لن تحقق الكثير من الأهداف فأطراف الخلاف في الأزمة الخليجية لا تزال مواقفهم لم تتغير وهناك جهود دبلوماسية عمانية يتطلع الجميع إلى نجاحها وعودة اللحمة إلى مجلس التعاون.

الصراع مع إسرائيل

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأن مستشار الأمن القومي جون بولتون طلب من وزارة الدفاع الأمريكية خطة عسكرية لضرب إيران وهذا يعد تصعيدا كبيرا من قبل صقور البيت الأبيض، ورغم أن تسريب مثل تلك الأخبار قد يدخل في إطار الضغط السياسي على إيران إلا أن أي مواجهة محتملة في المنطقة سوف يحدث كارثة حقيقية تتضرر منها دول المنطقة وحتى الولايات المتحدة نفسها ومصالحها في المنطقة، كما أن الرئيس الأمريكي ترامب والذي يأتي من خلفية اقتصادية ومالية لن يغامر بحرب لا يعرف مسارها ونتائجها.

ويبقى الصراع العربي مع إسرائيل هو حجر الزاوية لكل تلك المخططات ابتداء من صفقة القرن ومرورا بالضغوط الأمريكية على السلطة الوطنية الفلسطينية وانتهاء بمشروع حلف الشرق الأوسط الاستراتيجي.

وفي ظل وضع عربي ضعيف وغير متماسك وخلافات متواصلة فقد وجد المخطط الأمريكي وبالتنسيق مع إسرائيل بأن الظروف تبدو ملائمة للدفع بتلك المخططات إلى الأمام وأيضا من خلال الدفع بالمشروعات الاقتصادية الكبيرة في فلسطين وتحسين صورة الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية.

إن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب أقدمت على خطوات ضد القضية الفلسطينية خلال عامين لم يجرؤ أي رئيس أمريكي على اتخاذها منذ نكبة فلسطين عام 1948 وقيام الكيان الإسرائيلي واغتصاب فلسطين وتشريد الملايين من الشعب الفلسطيني في واحدة من أكبر جرائم التاريخ الحديث، ومن هنا فإن مشروع التحالف الشرق أوسطي أو الناتو العربي يهدف أولا إلى مواجهة إيران سواء من خلال مواجهة عسكرية محتملة أو تقزيم دورها في المنطقة ومحاصرتها.

وثانيا أن يكون ذلك الحلف مقدمة لتعاون استراتيجي بين العرب وإسرائيل وإنهاء الصراع بشكل كامل وقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتبادل للأراضي وبقاء الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس مع إيجاد حل جزئي لموضوع القدس من خلال ضم بعض البلدات الفلسطينية القريبة من القدس واعتبارها عاصمة للدولة الجديدة.

وثالثا يهدف مشروع الحلف إلى إيجاد الشرق الأوسط الكبير الذي تحدث عنه الرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز في كتابه المعروف وأن يكون التعاون الاقتصادي والعلمي وتدفق الاستثمارات والتجارة بين دول الشرق الأوسط وبالتالي يتحقق حلم إسرائيل كذراع قوية للمنطقة وتصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل.

ومن هنا تبرز خطورة مشروع الحلف الاستراتيجي الذي قد يناقش بشكل موسع في مؤتمر بولندا القادم تدعمه في ذلك إدارة أمريكية منحازة لإسرائيل بشكل لم يحدث في تاريخ الرئاسة الأمريكية خلال العقود السبعة الأخيرة.

هل من خيارات؟

إسرائيل تدرك أن أهدافها إن لم تتحقق خلال إدارة الرئيس ترامب فإنه من الصعب التكهن بالإدارة الجديدة خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020 خاصة أن الرئيس ترامب يواجه مشكلات معقدة في الداخل الأمريكي من خلال المواجهة مع مجلس النواب الأمريكي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون وهناك تحقيقات موللر وهناك الأنباء التي تتحدث عن فتح تحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي حول العلاقات مع روسيا.

كما أن الخلاف مع الديمقراطيين حول تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك لا يزال متواصلا في ظل توقف عدد من المؤسسات الفيدرالية، ومن هنا فإن ما يدور من تحركات تهدف إلى تحقيق تلك الرؤية والذي يبدو أنها أعدت بعناية من خلال مستشاري الرئيس الأمريكي وبالتنسيق المتواصل مع إسرائيل.

السؤال المهم هل هناك خيارات أمام دول المنطقة لتجنب تلك الخيارات أم أن المسار أصبح من الصعب توقيفه أو الوقوف أمامه وعلى ضوء نتائج تلك التحركات الأمريكية وعلى ضوء قمة بولندا الاستراتيجية وما يحدث من تطورات في الأزمات الإقليمية خاصة في اليمن وسوريا تحديدا فإن الأمور سوف تتضح بشكل جلي وواضح ولعل التصريحات الإيرانية المحذرة من قمة بولندا الاستراتيجية تعطي مؤشرا سلبيا على مجمل نتائج تلك القمة.

إذا حضر رئيس الوزراء الإسرائيلي قمة بولندا الاستراتيجية مع تواجد المسؤولين من دول الخليج ومصر والأردن فإن ثمة مؤشرات على تلك الخطط وإعلانها في وارسو أو من خلال قمة أخرى تعقد في الولايات المتحدة خلال هذا العام ومع كل هذا الزخم السياسي فإن ثمة خيارات ممكنة لتجنب ذلك المسار المعقد، وهو أولا إنهاء الأزمة الخليجية وعودة مجلس التعاون إلى سابق عهده وأن تقوم القمة العربية القادمة في تونس مارس القادم بإنهاء الخلافات العربية وأن يكون التكتل العربي هو الأساس بعيدا عن التحالفات.

العرب في مفترق طرق ووضعهم الراهن هو الذي حفز الآخرين لفرض تلك الخيارات الصعبة وإنتاج المواجهات والحروب مع الجارة إيران بعد تجارب مريرة شهدتها منطقة الخليج خلال العقود الثلاثة الأخيرة ودمرت مقدرات عدد من الدول وأضرت كثيرا بالبيئة البحرية، والمصلحة القومية للعرب تقتضي المراجعة للسياسات الحالية والتي قد تؤدي إلى مسار من الصعب التنبؤ بنتائجه المريرة.

ولعل مثال الحرب في اليمن هو نموذج في هذا الإطار حيث معاناة ملايين اليمنيين تتواصل على مدى أربع سنوات. وفي المحصلة النهائية فإن المنطق السياسي والموضوعية يحتمان على العرب أن تكون لهم خيارات تنسجم ومصالح شعوبهم، وإذا كانت هناك خلافات مع إيران فإن الحوار المبني على الصدق والشفافية سوف يقود إلى استقرار المنطقة وإبعادها عن مغامرات الحروب حيث إن هذه الأخيرة سوف تحصد الأرواح والمقدرات وبالتالي نشهد مآسي جديدة عانت منها المنطقة لسنوات عديدة.