adel
adel
أعمدة

زمـن الشـجـاعـة

10 يناير 2019
10 يناير 2019

عادل محمود -

كنت استمتع بالجلوس أمام التلفزيون لأسمع حديث بورقيبة ـ الرئيس التونسي الأسبق. «أبو الاستقلال ـ كما يسمونه في تونس». حديثه كان نوعا من المسامرة، الخفيفة الظل، مع التونسيين. وكان عندما يصل إلى منطقة البذاءة في الحديث «اللغة العارية» كان يقول للأمهات: «أبعدن أولادكن عن التلفزيون».

وحين أراد زين العابدين بن علي، إزاحة بورقيبة جمع المجلس الطبي الأعلى، وقرروا أن الرئيس لم يعد صالحاً للرئاسة بسبب الشيخوخة، وهذا ما ينص عليه الدستور، حين اجتمع الأطباء ومعهم زين العابدين، أبلغوه بلطف شديد قرارهم.

نظر بورقيبة في وجوههم وهو يرتجف… وبعد صمت قال ما قال… ونهض مغادرا إلى مسقط رأسه في مدينته البحرية «المنستير»، وظل حبيس بيته هناك حتى مات.

بورقيبة في عام 1954 ذهب إلى الأمم المتحدة في وفد لحضور اجتماعات الجمعية العامة ممثلا لتونس.

بينما كان الوفد الرسمي هو المندوب الفرنسي لأن تونس تحت الاحتلال.

لم يسمح الحرس لبورقيبة بالدخول لأنه لا صفة له. وفيما هو يتجادل مع الحراس، وصل الوفد العراقي برئاسة الدكتور فاضل الجمالي، وزير خارجية العراق. وبعد أن عرف الجمالي بالموضوع قال لبورقيبة تعال: أنت عضو في الوفد العراقي وانتزع شارة الدخول عن صدر أحد أعضاء الوفد ووضعها على صدر بورقيبة ودخلا معا إلى الجلسة.

أنهى الدكتور الجمالي خطابه، وقدّم بورقيبة ليتكلم باسم تونس والشعب التونسي. اعتلى بورقيبة المنبر، وألقى خطاباً صفقت له الوفود وقوفا فيما غادر الوفد الفرنسي القاعة.

بعد نزوله عن المنبر اتجه إلى الجمالي قائلا: «لا أنا ولا تونس سننسى صنيعك هذا».

في عام 1958 حدث انقلاب في العراق بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، وتشكلت محكمة العهد الجديد لمحاكمة العهد البائد، وكان أول ضحاياها الدكتور فاضل الجمالي الذي تلقى حكما بالإعدام.

كان بورقيبة قد أصبح رئيسا لتونس، فاتصل بالرئيس الزعيم عبد الكريم قاسم وطلب منه الإفراج عن الجمالي وتسفيره إلى تونس، واستقبل هناك استقبال الأبطال الشرفاء. وحاول الرئيس بورقيبة أن يخصص للجمالي راتبا شهريا إلا أنه رفض وطلب أن يصبح محاضراً في الجامعة.

1995 تلقى الجمالي، وهو في تونس، دعوة من الأمم المتحدة لحضور احتفال ذكرى تأسيس هذه المنظمة، وكان الجمالي مدعوا بصفته أحد المؤسسين إلا أنه أرسل خطاباً مليئاً بالإدانة لأن العراق تحت الحصار: «الأمم المتحدة تحاصر بلدي وتقتل الأطفال، وتصنع الموت… أنا لا يشرفني حضور احتفالها».

أحد أصدقائي يرسل لي يوميا، أخبارا وحكايات وتعليقات.

والآن، وأنا أكتب هذه المقالة، رن جرس الرسائل في الهاتف. كانت رسالة من صديقي يقول: تخيّل ما يجري في العراق… لم يكن موجودا في العهد الملكي: محافظ كربلاء السابق(!) متهم بصرف 5 مليارات دينار عراقي تكلفة القضاء على الكلاب الشاردة.