أفكار وآراء

البلوكشين وتطوير النظم القانونية

09 يناير 2019
09 يناير 2019

د. عبد القادر ورسمه غالب -
[email protected] -

البلوكشين يعني قاعدة بيانات تمتاز بقدرتها على إدارة قائمة من السجلات (كتل أو بلوك)، تحتوي كل منها على رابط بالكتلة السابقة. هذه الكتل تحافظ على البيانات المخزنة ولا يمكن تعديلها، وهي آمنة حسب التصميم وتسمح بتحقيق نظام توافق لامركزي. ولذا تستخدم سلسلة الكتل في تسجيل الأحداث، العناوين، السجلات الطبية، إدارة الأنشطة، الهوية، معالجة المعاملات والتحقق من مصدرها. ولهذا تداعيات على النظام الاقتصادي بالاستغناء عن الوسطاء وإتمام المعاملات دون وسيط،(شبكة الند للند الموزعة حول العالم) وهذا سيؤثر على معظم النشاطات كما نعرفها. وخير مثال، استخدام سلسلة الكتل «بلوكشين» في عملة «البتكوين» مما جعلها أول عملة رقمية تتم فقط بين الأطراف دون وسيط.
من الوظائف الأساسية للبلوكشين، التخلص من الحاجة للوسطاء. ويهمنا هنا، أن استخدامه سيخلق العديد من الفرص لتطوير العديد من النظم شاملة العديد من المسائل القانونية، وكأمثلة، العقود الذكية (الرقمية) حيث تتم المعاملات والتعاقد بين الأفراد مباشرة دون اللجوء للمحامين والمستشارين، بالرغم من المخاطر الخطيرة لابتعاد الذهنية القانونية التي ترى الصالح من الطالح. ولكن إذا نظرنا من الجانب الآخر، هناك الكثير من الحالات التي تمكن المهن القانونية الاستفادة من تقنية البلوكشين اللانهائية. ونعلم بقضايا حقيقية في المحاكم تعثرت بسبب تزوير أو فقد الأدلة والمستندات، ويمكن الاستفادة من البلوكشين في تتبع حركة المستندات الرقمية وتخزينها بشكل دائم ومنع عمليات الحذف وتوفير مسار موثوق بعيد عن أي نوع من أنواع التلاعب. أيضا، يمكن تتبع نظام تحديد المواقع العالمي إذا قام شخص ما بتحريك الأدلة أو سرقتها. وكل هذه العمليات عبر تقنية البلوكشين يمكن تقنينها لتوفر أدلة قوية مقبولة في المحاكم. ومن ناحية عملية، يسمح البلوكشين، بوضع «علامة رقمية» على الملفات والمستندات، وباستخدام العلامة الرقمية يمكن تتبع الحركات سواء يدوياً أو عبر الإنترنت وبذا يساهم البلوكشين في تطوير النظم القانونية.
وفي حالة استدعاء الأطراف للحضور للمحكمة يتم الإثبات بشهادة تثبت للمحكمة أن تبليغ الشخص تم. والشركات التي تقوم بهذه الخدمة لها «خوادم تشغيلية» تستخدم تكنولوجيا البلوكشين لتسجيل تقديم مستندات الحضور مع إنشاء دليل يمكن التحقق منه لعملية تسليم المستندات. وبهذه الكيفية ينتهي دور العنصر البشري في تعطيل الإجراءات، وهذا يحدث كثيرا ولعدة أسباب منها سوء النية.
وفي حالة وجود وثيقة العقد الذكية فإن هذه «الوثيقة الذكية» تسمح للأطراف في العقد بدمج معاملات العقود في نفس الوثيقة ويخزن البلوكشين جميع تلك المعاملات بشكل آمن. مثلا، يمكن ربط عقد الإيجار مع كل «دفع رقمي» للإيجار لنفس العقد وتتفاعل الوثيقة مع البرامج المختلفة. لذلك إذا وقعت شركة جديدة عقد الإيجار، يمكنها تحميل المستند الذكي في نظامها وسترى سجل كل المعاملات السابقة. ومن حيث المبدأ، يمكن أن تؤدي تكنولوجيا البلوكشين نفس دور «كاتب العدل». مع العلم أن البيانات البيومترية ستتضمن، «تصديق الوثيقة»، مصادقة أكثر قوة لتوثيق وإثبات المعاملات والبيانات.
وفي مجال «الملكية الفكرية» كبراءات الاختراع والعلامات التجارية وحقوق التأليف والنشر، فإن استخدام البلوكشين في تسجيل الملكية الفكرية يقود لإنشاء سجل دائم مضمون للملكية والامتيازات التي يمكن الرجوع لهذا السجل لحل أي نزاع. وبهذا فإن الجمع بين البلوكشين والقانون في عالم الملكية، خاصة في الألعاب والتصوير الفوتوغرافي وال «آكشن» وغيره، يجلب فوائد عديدة تساهم في تطوير النظم القانونية وحفظ الحقوق وتشجيع المبدعين.
وإذا أخذنا، أيضا، عمليات «الدمج والاستحواذ» في الشركات، نجد هناك العديد من المتطلبات القانونية للعناية الواجبة طويلة الأمد المتعلقة بأحقية الملكية الفكرية، وتقنية البلوكشين تظهر التسجيل والترخيص لجميع حقوق الملكية الفكرية وتصبح تمارين الحماية اللازمة أكثر سلاسة وأسرع مما هي عليه اليوم.
إن عصر التقنيات الحديثة، أتى وأصبح حقيقة واقعة ملموسة لا يمكن تجنبها ودفن الرؤوس في الرمال. وفي مسار المساعي لتطوير النظم القانونية ولتقديم العدالة وخدمتها للوصول لأعلى القمم الممكنة، هناك ضرورة قصوى وحالة ماسة للاستعانة بتقنية البلوكشين في العديد من الحالات والمستويات، وعبر هذه التقنية الحديثة سنعبر بالإجراءات القانونية وكل النظم القانونية لعالم يتوفر فيه أعلى درجات الأمان والمصداقية. ولنساهم في إيجاد وتفعيل هذا العالم من أجل القانون والعدالة التي يتطلع لها الجميع كأحق الحقوق.