الملف السياسي

الشباب العماني في مسيرة التنمية.. قضايا وتحديات

07 يناير 2019
07 يناير 2019

د.صلاح أبو نار -

ذكرت دراسة «الحالة الزواجية من واقع تعداد 2010»، أن متوسط عمر الذكور عند الزواج الأول في 1993 هو24,7 عام و20,7 للإناث ارتفع في تعداد 2010 إلى 28,4 للذكور مقابل26,1 للإناث. هذه المتوسطات لو حللناها من منظور عالمي سنجدها منخفضة، فهي ذات متوسطات أوروبا الشرقية وأفريقيا.

يمثل الشباب العماني إحدى القوى الأساسية المحركة للتنمية المستدامة، ليس فقط من واقع الحيوية الاجتماعية القصوى الكامنة في تلك الشريحة العمرية، بما تنطوي عليه من طاقة حركية وقدرة على التجديد والانفتاح على العالم، ولكن أيضا لأنه يمثل الشريحة التي تتكون داخلها قيادات المستقبل.

ويفرض هذا النظر إلى واقع الشباب العماني، ومحاولة اكتشاف القضايا التي يثيرها والتحديات التي يواجهها. وهي مهمة واسعة بالتأكيد سنحاول الاقتراب منها، عبر ثلاثة محاور: التعليم والعمل وتكوين الأسرة.

ومن المفيد البدء بتحديد وزن هذه الشريحة الاجتماعية وخصائصها الاجتماعية. وفقا للإحصاءات الرسمية وصل عدد سكان البلاد من العمانيين في منتصف 2016 إلى 2,427,825، يدخل منهم 705,753 يمثلون 29% من إجمالي العمانيين في الشريحة العمرية، التي تتفق تقاليد التحليل الإحصائي على تعريفها بمصطلح «الشباب». ودرجت ذات التقاليد على توزيع تلك الشريحة على ثلاث فئات عمرية ، من 15 إلى 19 سنة، ومن 20 إلى 24، ومن 25 إلى 29. وفي الحالة العمانية استوعبت الفئة الأولى 30,8% والثانية 34,7% والثالثة 34% من إجمالي شريحة الشباب، ويشكل الذكور 50.8% والإناث 48,2% من إجمالي الثلاثة. والحاصل أننا أمام شريحة تمثل أقل قليلا من ثلث العمانيين، وأن ثلثي هذا الثلث يشكل القطاع العمري من 20 سنة إلى 29 سنة. وهو قطاع حيوي تماما. لماذا؟

في تلك الشريحة العمرية – أولا - ستبدأ وتنتهي الدراسات الجامعية وما بعد الجامعية، أي مجال إنتاج المعرفة الفنية وكوادرها المتخصصة، التي ستدير مؤسسات الإنتاج الاقتصادي والهياكل الاجتماعية.

وفيها - ثانيا – سيبدأ انتشار واستقرار تلك الكوادر الفنية داخل النظامين الاقتصادي والاجتماعي، عبر اختيار الأفراد لمسارهم المهني واكتسابهم لتدريبهم المهني الأساسي.

وفيها – ثالثا – سيشرع ذات الأفراد في بناء قواعدهم الاجتماعية الخاصة في شكل الأسر، في إطار انتماءات وتحالفات اجتماعية أوسع تنظم علاقاتهم بمجمل البناء الاجتماعي. ومن شأن هذا التحليل أن يعيدنا إلى محاور موضوعنا الثلاثة المذكورة في مطلع المقال: التعليم والعمل وتكوين الأسرة.

في عام 2014 – 2015 الدراسي تواجد في عمان 69 مؤسسة جامعية عليا، وصل إجمالي الطلبة المقيدين فيها إلى 131,760 طالبا، وإجمالي المقبولين فيها إلى 34,008 طلاب، وإجمالي العاملين فيه إلى 15,766. هذه القاعدة تتوسع باطراد كميا وكيفيا، ليس فقط لضرورات إنتاج المعرفة اللازمة لإدارة المجتمع، بل أيضا لأنها ترتكز على قاعدة تعليمية واسعة يحركها طموح اجتماعي واسع للعلم والترقي الاجتماعي، تكونت في عام 2017 من 1809 مدرسة. قاعدة تضم 770,481 طالبا، تسجل أعلى معدلات التحاق في العالم العربي، ووصلت معدلات التحاقها في صفوفها النهائية 10 – 12 إلى 96,7 للذكور و96,4 للإناث. وتتحدد كفاءة أي جامعة في العالم، ليس بمجرد تقدم وحداثة مناهجها، وعلم أساتذتها وقدرتهم على توصيله، وكفاءة تجهيزاتها الفنية. فكل ذلك شروط أساسية، ولكن معيار الكفاءة النهائي هو قدرتها على الارتباط العضوي بعملية الإنتاج الاقتصادي والاجتماعي. تلك الرابطة التي جرى العرف على تبسيطها في عبارة: علاقة التعليم الجامعي بسوق العمل.

كيف تبدو علاقة الشباب العماني بجامعاتهم عبر هذا المنظور؟

لدينا في هذا الصدد أكثر من دراسة استطلاعية لآراء الطلاب أجراها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. تسجل أرقام دراسة »استطلاع رأي الطلاب حول جودة التعليم الجامعي 2016»، نسبة رضا 79% عن كفاءة الأساتذة، مقابل عدم رضا بنسبة 9 %. ونسبة رضا 67% عن تواصل الأساتذة مع الطلاب، مقابل 15% لعدم الرضا ونسبه الرضا عن تشجيع الأساتذة للطلاب على التعلم الذاتي 63%، مقابل 12% لعدم رضا. ولكن عندما ننتقل إلى نسب رضا الطلاب عن تأهيل الجامعات لهم سنجدها منخفضة عن رضاهم عن الأساتذة، لكن دون أن يصل الأمر إلى عدم الرضا. وافق 61% على أن الجامعة تؤهله لسوق العمل جيدا، وهي نسبه ليست نموذجية ولكن نسبة من قالوا إنها لا تؤهلهم 15% فقط. ولوحظ نسب الرضا تتراجع كلما أوغلت الدراسة في المجال التجريبي. فهي 67% في العلوم الأدبية والتجارية والاجتماعية، وتنخفض الى 55% في العلوم الهندسية والتنفيذية. وفي معرض تفسير قصور التأهيل العلمي، قال69% بعدم كفاية التدريب العملي، و46% بقصور في المناهج، و42% بضعف مستوى اللغة الانجليزية. ومن السهل ان نستنتج مقترحات الطلاب لتخطي المشكلة.

اقترح 71% تحسين كفاءة الأساتذة، و59% الاهتمام باللغة الانجليزية، و56% استخدام التكنولوجيا الحديثة في التدريس، و53% تحسين المرافق والخدمات. وهي بالتأكيد مقترحات جيدة، غير أن مشكلتها إلقاء الكرة في ملعب الجامعات فقط. واقع الأمر أن تأسيس علاقة مثلى للجامعات بسوق العمل، مرتبطة أيضا بقدرة هذا السوق على تطوير علاقة صحيحة مع الجامعات. علاقة تغذية متبادلة وشراكة عضوية، قادرة على التمييز بين ضرورات السوق وضرورات البحث العلمي، في ذات اللحظة التي تقوم بالربط العضوي بينهما.

لاحظت دراسة «خصائص الباحثين عن العمل» التي أصدرها المركز الوطني، أن الشباب يشكلون 86,2% من إجمالي الباحثين عن العمل، وفقا لتعداد 2010. ولكن لا يشكل هذا الوجه السلبي الأساسي لعلاقة الشباب بالعمل، فهذا الوجه سنجده في تحيز الشباب المعروف للعمل داخل قطاع الدولة، والتباعد عن العمل في القطاع الخاص.

وتؤكد دراسة المركز الوطني الميدانية «توجهات الشباب العماني نحو العمل 2015» إحصائيا هذا التحيز. يفضل «طلاب التعليم العالي» العمل الحكومي بنسبة67%، مقابل 32% للعمل الخاص، وترتفع نسبة تفضيله الى 85% لدى «العاملين» مقابل 12% للخاص، وتواصل نسبه التفضيل ارتفاعها لدى «الباحثين عن العمل» لتصل إلى 95% مقابل5% للخاص. وتورد الدراسة أسباب التفضيل المعروفة بمؤشرات إحصائية: استقرار وأمان وظيفي 9%، فرص ترقي جيدة 8,7%، ورواتب وحوافز عالية 8,7%، ونظام تقاعد جيد 8,3%، والوضع الاجتماعي الجيد 8.5%.

والواقع أن الأسباب السابقة لا تمنحنا سوى وجه المقارنة المباشرة بين مزايا القطاعين، وهي مقارنة مفيدة بالتأكيد لكنها لا تقدم تفسيرا شاملا، فهناك عوامل أخرى خلف هذا التحيز علينا أن نعيها إن أردنا معالجة الموقف جذريا. هنا نلمس تأثيرا واضحا لفترة دولة الرعاية في زمن الوفرة النفطية، حيث الموارد الوفيرة والعمل السهل والعوائد العالية. وهنا نلمس ضعف ثقافة المبادرة الاقتصادية، القائمة على المخاطرة والقدرة على تحمل الخسائر ومعاودة المحاولة. وهنا نلمس تأثير قوى البنى الاجتماعية التقليدية، أي العائلة الممتدة والعشيرة وما يرتبط بها من مفاهيم ثابتة للهيبة والمكانة. وهنا نلمس ضعف التطور المؤسسي للهياكل الرأسمالية الحرة، الذي يجعلها أقل قدرة على تقديم الضمانات الوظيفية للعاملين. وهنا نلمس خصوصيات الإدارة داخل بعض مناطق القطاع الخاص، التي تخلق تحيزات ثقافية لصالح الوافدين تجعل فرص العماني في الترقي اقل. والحاصل أن الشباب يواجه مأزقا في بحثه عن العمل، فالدولة قدرتها على التوظيف تتراجع، وتتبنى استراتيجية خلق فرص العمل خارجها، عبر الدفع صوب التنويع وإقامة المشاريع الصغيرة. بينما الشباب لا يزال متحفظا على العمل في القطاع الخاص، والبيئة الاستثمارية المناسبة لنمو المشاريع الصغيرة تنمو بدرجة أقل كثير من نمو الطلب على العمل. وهذا يفرض مداخل معالجة تسعى أساسا لنشر قيم جديدة للعمل، مقرونه بمبادرات من أصحاب الأعمال الخاصة تجعل أعمالهم أقل ربحا لكنها أكثر جاذبية للعمانيين. تشير مؤشرات عديدة على أن الشباب العماني أضحى الآن على وشك مواجهة أزمة في عملية تكوينه للأسرة. في عام 2012 كانت وثائق الزواج المسجلة 29,840، وفي 2016 انخفض العدد إلى 24,014 وثيقة. وذكرت دراسة «الحالة الزواجية من واقع تعداد 2010»، أن متوسط عمر الذكور عند الزواج الأول في 1993 هو 24,7 عاما و20,7 للإناث ارتفع في تعداد 2010 الى 28,4 للذكورمقابل26,1 للإناث. هذه المتوسطات لو حللناها من منظور عالمي سنجدها منخفضة، فهي ذات متوسطات أوروبا الشرقية وأفريقيا، على عكس أوروبا الغربية والشمالية التي تتجاوز سن الثلاثين. لكنها بالمعايير العمانية تعتبر مرتفعة، وباتت تثير جدالا اجتماعيا واسعا. وهي بالقطع علامة على تطور البنية الاجتماعية العمانية، ولكنها في وضعها الراهن تخلق إحساسا بأزمة ما، داخل مجتمع ما زال في طور تهيئة نفسه ثقافيا لاستيعاب حتميات تطوره الاجتماعي. ويبدو هذا واضحا في دراسة « استطلاع رأي العمانيين حول أهم تحديات الزواج»، حيث تخبرنا أن المتوسط العام لسن الزواج الملائم للمرأة 22,7 وللرجل 25. ويختلف هذا المتوسط العام حسب الحالة التعليمية، ليصل إلى أكبر درجاته لدى أصحاب المؤهل الجامعي الذي رأوا أن سن الزواج المناسب هو 23,6 للمرأة و26,1 للرجل، وهو أقل من متوسط سن الزواج الفعلي الراهن. وفي مسار استطلاع آراء العينة لأسباب التأخر، قال 77% إن السبب ارتفاع تكلفة الزواج. وفي معرض تفسير هذا الارتفاع، أبرز 82% غلاء المهور، و82% التفاخر والتباهي، و77% ارتفاع تكلفة المعيشة، و75% المبالغات في متطلبات السكن وتجهيزاته.

ومن الواضح إننا أمام مشكلة مركبة. في قاعدتها الأساسية تشكل عرضا من أعراض تحديث وتقدم المجتمع العماني، بفعل انتشار التعليم العالي وعمل المرأة ونمو الأسرة النووية والتحضر والحداثة الثقافية. قاعدة يصعب مقاومة تأثيرها لأنها جزء من التطور الكلي للمجتمع. ولكن في جزء آخر منها ليس هامشيا تشكل امتداد لسلوكيات ترفية وتفاخرية، تولدت وانتشرت عبر المحاكاة الاجتماعية، وهذا الجزء قابل للتأثير القوي عليه. عبر خطاب عام ونقدي، وانتهاج الصفوات الاجتماعية لنماذج رشيدة والإبراز العام لها، ستتحول فورا إلى نماذج للمحاكاة العامة لدي الفئات الأخرى. وفي كل الأحوال لسنا أمام مشكلة هينة التأثير، بل مشكلة معوقة للشباب وقدرته على الانطلاق والعمل.