المنوعات

لوحة مركز الكون للتشكيلية رهام نور.. أنت تحت أنظار العالم

03 يناير 2019
03 يناير 2019

جمال النوفلي -

عندما تقرر أن تقضي جزءا من يومك في حضرة الفن التشكيلي الجميل، أو حين تقرر أن تمتع ناظريك بشيء من الإبداع والجمال والفن الذي تبرزه الأعمال الفنية والتشكيلية هنا في عمان أو مسقط بالذات فإنك لا بد أن تقصد رأسا شارع الانشراح في مدينة السلطان قابوس، ذلك الشارع الخدمي الجميل الذي يجري بمحاذاة شارع السلطان قابوس، والذي يمر أمام المجلس الثقافي البريطاني أو البريتش كنسل كما يحلو للبعض تسميته، هناك إن اتجهت شرقا في هذا الشارع الهادئ الجميل تقريبا بعد عشر فلل من المجلس البريطاني ستجد فلة صغيرة وهادئة قد حولت إلى قاعة لعرض أعمال الرسامين والفنانين التشكيليين، هذه القاعة تسمى بقاعة ستال للفنون التشكيلية. وإن كنت فعلا قد قصدتها خلال الأسابيع الماضية فإنه لا بد من أنك التقيت بالفنانة التشكيلية الهنجارية جابريللا وأنها غمرتك بسعادة كبيرة وهي ترحب بك ببعض الكلمات العربية ثم تأخذك بلباقة وأدب لتريك بعض أعمال الفنان التشكيلي حسن المير، أو تترك لتقع في سحر عمل الفنانة الرائعة صفا البلوشي، والتي أرجو أن تتاح لي فرصة الحديث عن عملها الفني الساحر ذاك، لكنك في خضم كل ذلك الإبداع لن تستطيع أن تتجاهل تلك العيون الزجاجية الكثيرة جدا والصغيرة التي تطل عليك من إحدى اللوحات الموضوعة في الحائط المواجه لك عند أول ولوجك من باب القاعة، إنها عيون كثيرة متزاحمة وهامسة بشكل مقلق إلى الحد الذي يثير في نفسك الفزع، بل أنك حين تتجول في المعرض محاولا التركيز في تذوق الأعمال الفنية الأخرى سوف تشعر بهمساتها ونمنماتها على الرغم من إنها مجرد عيون سوداء فقط يحيط بمقلها البياض وجميعها قد رتب وصفف في حلقة دائرية متصلة وكبيرة داخل لوح زجاجي متوسط الحجم، وهي تحيط أي حلقة العيون بمقلة سوداء شديدة السواد، وكأن اللوحة هي عبارة عن عين كبيرة مصنوعة من عيون صغيرة وكثيرة، فإن اقتربت منها ثم وقفت أمامها وجها لوجه متأملا تلك العيون الكثيرة المتحلقة ثم أمعنت نظرك في تلك المقلة السوداء فإنك سترى الأمر العجاب الذي سيشدك في بداية الأمر ثم سيفزعك فزعا لذيذا لا يتركك إلا معلقا قلبك ومخيلتك في تلك المقلة، نعم إنك إن وقفت أمام تلك المقلة مباشرة وأمعنت النظر فيها فإنك سترى صورتك واضحة وضوحا جليا بسبب الانعكاس وقدرة الفنانة التشكيلية على استخدام وتوظيف تأثيرات المادة والضوء على اللوحة مستمدة ذلك من الحركة التأثيرية التي ظهرت بعد الثورة الفرنسية حين شرع علماء ذاك العهد في بحث علاقة الضوء بالصورة وتطبيقها والتي منها ابتكرت آلة التصوير الضوئي الكاميرا.

إن اسم هذه اللوحة كما كتب في ورقة صغيرة علقت بجانبها (مركز الكون) ومبدعتها هي الفنانة التشكيلية العمانية رهام نور، ويبدو لي أن الفنانة أرادت أن تقول للمتذوق ولمشاهد اللوحة أنت مركز الكون، ولعلها لم تكن في حاجة ماسة إلى تسمية لوحتها الرائعة تلك بذاك الاسم، لأن المتلقي والمتذوق بإمكانه إن أعطى اللوحة حقها من التأمل والتدبر أن يدرك فور اندهاشه من وجود انعكاس وجهه في تلك المقلة السوداء الزجاجية وفور ملاحظته أن العيون الكثيرة تحيط به من كل جانب ومن كل صوب هامسة مخاتلة وكأنها لا تهمس إلا عنه، لا بد له أن يدرك أن المقصود من ذلك كله أنه هو مركز الكون. لكن السؤال الذي ظل يلح على ذهني كثيرا هو لماذا تريد رهام الفنانة التشكيلية أن تخبر المتذوق بأنه مركز الكون؟ يعني ما هو الهدف من بذلها كل هذا الجهد والشقاء في صنع هذه اللوحة الجميلة والتي قد يدرك المتذوق من خلالها إن كان حاذقا أنه مركز الكون؟.

دعوني بداية أحدثكم عن المدرسة الفنية التي تنتمي إليها هذه اللوحة، إن هذا النوع من الفنون التشكيلية ينتمي إلى الحركة السريالية، وفكرة هذه الحركة ببساطة هو أنها لا تكترث كثيرا برسم الواقع بالضبط كما هو عليه، ولا تكترث أيضا بالإغراق في التجريدية، إنها تهدف من خلال أعماله الفنية أو الكتابية إلى مخاطبة العقل الباطن في النفس البشرية وتحرير الأفكار المكبوتة، أو دعوني أشرحها بشكل أبسط هل تعرفون كيف يكون الحلم وكيف تبدو الأشياء في الأحلام متداخلة أو متناقضة وغير معقولة لكنها في الحقيقة تعبر عن شعور نفسي ما أو حالة نفسية ما في العقل الباطن للحالم، هكذا هو الفن السريالي فهو يقدم أعمالا في رسومات غير معقولة وغير منطقية بتاتا منطلقا من أعماق النفس البشرية للإنسان مخاطبا فيها العقل اللاواعي، فهي تسعى الى عرض أعمال تبتعد عن الحقيقة والواقعية للتركيز على المضامين ولإطلاق الأفكار المكبوتة، وقد ظهرت هذه المدرسة بداية في فرنسا في العقد الأول من القرن العشرين ويعتبر الفنان الفرنسي أندريه بريتون هو مؤسسها ومنظرها، كما أنهم أي السرياليين يزعمون أن حركتهم تستمد أسلوبها من مبادئ وطرق التحليل النفسي للعالم سينغمود فرويد.

إذن إن عدنا التأمل مرة أخرى في لوحة مركز الكون فإننا سوف لن نحظى منها بأي مغزى منطقي يرتجى من محاولة فهمها أو أي رسالة يجب علينا أن نعيها من خلال اللوحة، صحيح أنك قد تفهم أنها ربما تريد أن تخبرك أنك مركز الكون إلا ان ذلك يبدو عبثيا حين تدرك أن هناك الكثيرين مثلك سيقفون أمام تلك اللوحة ويرون صورهم معكوسة محبوسة في بؤرة تلك المقلة. فإن كان أي منا بإمكانه أن يرى صورته فيها فمن يا ترى يكون مركز الكون!!.