أفكار وآراء

المسار السياسي للأزمات في العام الجديد

25 ديسمبر 2018
25 ديسمبر 2018

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

الوضع في سوريا وصل إلى مرحلة استحالة الحسم العسكري، ومن هنا جاءت تلك التطورات والتي تتحدث عن تشكيل لجنة صياغة الدستور الجديد وهي مرحلة تتسم بالصعوبة ومع ذلك فإن روسيا وهي اللاعب الأساسي في الموضوع السوري ومعها إيران وتركيا قد يدفعان بالحل السياسي للأمام ويبقي موضوع الأكراد هو الموضوع الشائك لدى تركيا من خلال التهديد باجتياح شرق الفرات ضد الجماعات المسلحة الكردية والتي ترى أنقرة أنهم يشكلون خطرا على أمنها القومي.

والعالم يستعد لوداع عام 2018 يبرز عدد من الأزمات السياسية والتي شكلت صراعات مزمنة على الصعيدين الإقليمي والدولي بل إن هناك أزمة سياسية داخلية في الولايات المتحدة شهدتها الشهور الأخيرة بين المؤسسة التشريعية والبيت الأبيض علاوة على ظاهرة الاحتجاجات الشعبية وتواصل الأزمات التقليدية في فلسطين واليمن وليبيا والأزمة الخليجية مع بقاء التوتر على الحدود اللبنانية -الإسرائيلية وأيضا الأزمة السورية، والسؤال الأهم وأيام العام الحالي على وشك الانتهاء أين تتجه مسارات تلك الأزمات في ظل المتغيرات الاقتصادية والسيو-استراتيجية؟

هل يشهد العام الجديد استمرار تلك الأزمات أم انحسارها أو الاتجاه إلى حل بعضها على الأقل كما هو الحال في الأزمة السورية واليمنية وأيضا الأزمة الخليجية كما أن أوضاع الطاقة سوف يحدد ملامح بعض الأزمات على اعتبار أن أسعار النفط والنمو الاقتصادي سوف يلعب دورا محوريا على اعتبار أن استمرار تلك الأزمات تحتاج إلى مزيد من ضخ الأموال.

الانسحاب الأمريكي

من أهم المؤشرات للتأثير الاقتصادي على الأزمات السياسية والتي تمت الإشارة إليها هو إعلان الرئيس الأمريكي ترامب على سحب القوات الأمريكية من سوريا وأيضا سحب جزء كبير من القوات الأمريكية من أفغانستان، وأشار ترامب إلى أن واشنطن لن تكون شرطي الخليج وأنها لن تحارب بالنيابة عن الآخرين ولن تدفع مليارات الدولارات والآخرون يتفرجون.

وهذه إشارة واضحة بان الاقتصاد سوف يلعب دورا مؤثرا حتى مع الدول الكبرى، فهناك الأزمة الاقتصادية في فرنسا واحتجاجات أصحاب السترات الصفراء، كما أن الخلافات بين المؤسسة التشريعية والبيت الأبيض حول بناء الجدار مع المكسيك جعل عددا من المؤسسات الحكومية تقفل أبوابها.

الولايات المتحدة سوف تشهد خلافات ومواجهات كبيرة في بداية العام الجديد بين الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب والبيت الأبيض خاصة وأن ملامح تلك المواجهة قد بدأت والتي أدت إلى استقالة وزير الدفاع ماتيس بسبب الاعتراض على انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، كما أن قضايا الحرب التجارية مع الصين مرشحة للتصعيد والمدة الزمنية تقترب من نهايتها وهي 3 أشهر ومن هنا فإن النموذج الأمريكي والمشكلات التي يواجهها داخليا وخارجيا تعطي مؤشرا على موضوع الأزمات السياسية ومسارها في العام الجديد ومنها الوضع في اليمن وسوريا والأزمة الخليجية والعلاقات مع إيران وروسيا.

انحسار الأزمات

هناك عدد من الأزمات الإقليمية وصلت إلى مرحلة لا يمكن الحسم فيها عسكريا، ونتحدث هنا عن الحرب في اليمن وأيضا الصراع في سوريا والحرب في أفغانستان وليبيا كما أن هناك أزمات سياسية وصلت إلى نفق صعب بمعنى أن الشروط المنتظرة لإنهاء تلك الأزمات قد وصلت إلى مرحلة مستحيلة ونشير هنا إلى الأزمة الخليجية والتي قد تشهد انفراجا نسبيا خلال العام الجديد.

ولعل الموضوع اليمني تحديدا قد شهد مرحلة من الانفراج بعد مشاورات السويد بين الفرقاء اليمنيين وبرعاية الأمم المتحدة من خلال مبعوثها مارتن جريفيث وبدعم سياسي ولوجستي من السلطنة ودولة الكويت من خلال التوافق على عدد من النقاط منها إطلاق الأسرى بين الطرفين وتحييد ميناء الحديدة ووصول المساعدات الإنسانية من خلال المنافذ المختلفة والشروع في محادثات مكثفة حول الموضوعات السياسية وحول شكل الدولة اليمنية الجديدة.

الوضع في سوريا وصل إلى مرحلة استحالة الحسم العسكري، ومن هنا جاءت تلك التطورات والتي تتحدث عن تشكيل لجنة صياغة الدستور الجديد وهي مرحلة تتسم بالصعوبة ومع ذلك فإن روسيا وهي اللاعب الأساسي في الموضوع السوري ومعها إيران وتركيا قد يدفعان بالحل السياسي للأمام ويبقى موضوع الأكراد هو الموضوع الشائك لدى تركيا من خلال التهديد باجتياح شرق الفرات ضد الجماعات المسلحة الكردية والتي ترى أنقرة أنهم يشكلون خطرا على أمنها القومي.

هناك محادثات سياسية تواصلت بين حركة طالبان والولايات المتحدة ورغم عدم تحقيق تقدم يذكر فإن انسحاب جزء كبير من القوات الأمريكية من أفغانستان قد يساعد على تلبية أحد شروط حركة طالبان للتفاوض المباشر مع حكومة كابول، وهي انسحاب القوات الغربية من أفغانستان وهو موضوع لايزال شائكا وإن كانت تلك المفاوضات قد تفتح أمالا لإنهاء الحرب الأهلية الأفغانية المتواصلة منذ عقد السبعينات من القرن الماضي من خلال مواجهات مختلفة، بسبب الاحتلال السوفييتي السابق لأفغانستان وبعد ذلك الحرب الأمريكية على القاعدة في بداية الألفية الجديدة وأخيرا الحرب على حركة طالبان ومن هنا فإن تلك الأزمات الثلاث قد تشهد انحسارا نسبيا خلال العام الجديد.

هل انتهت الطموحات؟

شكل اندلاع بعض تلك الأزمات- طموحات لعدد من اللاعبين الإقليميين- والتي تم الكشف عن بعضها إعلاميا خاصة في سوريا واليمن وحتى على صعيد الأزمة الخليجية، ويبدو أن المتغيرات السياسية والاقتصادية وتبدل التحالفات وعدم الاكتراث الأمريكي ببعضها قد جعل تلك الطموحات الإقليمية يتلاشى أو ينحسر على الأقل.

فاي مخطط استراتيجي قد يصل إلى مرحلة العجز المرحلي أو أن الظروف الطارئة قد تجعله صعب التحقيق كما أن وسائل الإعلام والصحافة لعبت دورا محوريا في الكشف عن بعض تلك الاستراتيجيات ومسارها ومن هنا فإن انحسار تلك الأزمات في المنطقة يعني تلاشي تلك الطموحات الغير منضبطة.

هناك عوامل غير متوقعة تحدث ولعل الوضع في اليمن هو نموذج صارخ في هذا الإطار فالحسم العسكري لاستعادة الشرعية في السنة الأولى للحرب جعل الأزمة اليمنية تتحول من صراع عسكري إلى أزمة إنسانية كارثية، جعلت العالم يحول نظرته إلى ضرورة إيجاد حل سريع فيما يخص تلك الأزمة الإنسانية. ومن هنا تراجع تلك الطموحات واصبح الحل السياسي هو مطلب دولي وهو ما يحدث الآن.

فيما يخص الوضع في ليبيا فإن للسلطنة دورا إيجابيا من خلال صياغة مسودة الدستور الليبي من خلال اجتماع الفرقاء الليبيين في مدينة صلالة جنوب السلطنة لمدة شهر ولاتزال تلك الصيغة مثار حوارات متعمقة من خلال الدور المتواصل لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة اللبناني غسان سلامة، ولايزال الوضع في ليبيا معقدا من خلال وجود اللاعبين الإقليميين ومع الدور المتنامي للأمم المتحدة وعدد من القوى الدولية قد تشهد ليبيا انفراجا سياسيا في العام الجديد في ظل استحالة الحسم العسكري بين الفرقاء.

وعلى ضوء المتغيرات الأخيرة لمسار تلك الأزمات إمكانية انحسارها فإن ذلك سوف يكون مقدمة لتلاشيها بعد أن تكون فقدت جزءا كبيرا من حيويتها السياسية والاهتمام بها وقد تتحول إلى أزمات منسية، كما هو الحال في الأزمة الأفغانية، كما أن هناك متغيرا مهما قد يساعد على تلاشي تلك الأزمات وهو المتغير الخاص بإعادة الإعمار خاصة في سوريا واليمن وحتى ليبيا حيث تنتظر الشركات الكبرى عقودا بمليارات الدولارات وهذا يعد عاملا اقتصاديا مهما للضغط على السياسيين لإنهاء تلك الأزمات.

المواجهات الكبرى

هناك مواجهات محتملة كبيرة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية خاصة على صعيد معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى والتي يلوح الرئيس الأمريكي ترامب بالانسحاب منها، وهي مسألة في غاية الحساسية على الأمن والاستقرار في العالم وهناك الموضوع الأوكراني وعلاقته بالأمن الأوروبي علاوة على موضوع الطاقة كمتغير سيو-إستراتيجي واثره على نمو الاقتصاد الدولي.

هناك المواجهة التجارية بين واشنطن وبكين حيث لا تبدو ملامح اتفاق جديد للتجارة قبل انقضاء فترة الثلاثة أشهر التي تم الاتفاق عليها بين البلدين خلال قمة العشرين الأخيرة في الأرجنتين، علاوة على موضوع الإشكالات الخاصة بالتقنية بين الولايات المتحدة والصين كما أن الخلافات الاستراتيجية بين أوروبا وأمريكا قد تكون حاسمة، بعد أن تحدث الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن ضرورة وجود الجيش الأوروبي لحماية أوروبا من الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة مما أثار ذلك سخط الرئيس الأمريكي وكرر أهمية أن تدفع أوروبا المزيد من الأموال لتعزيز حلف الناتو.

هناك مواجهة حول صفقة القرن حول السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتي سوف تكشف آخر ملامحها خلال العام الجديد وهي الصفقة المرفوضة فلسطينيا وعربيا وحتى أوروبيا والاحتكام إلى قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002 وهذه المواجهة المحتملة قد تؤدى إلى مشكلات في منطقة الشرق الأوسط.

الأزمة الكورية الشمالية ورغم لقاء القمة بين الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج اون والرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلا أن الإشكالات والتصريحات السلبية والعقوبات على بيونج يانج لاتزال باقية، كما أن روسيا والصين لهما مصلحة استراتيجية فيما يتعلق بالملف الكوري الشمالي في ظل خلافاتهما الكبيرة مع واشنطن ومن هنا فإن الأزمة لاتزال في مسار معقد.

وهكذا بقية الأزمات الإقليمية فعلى الصعيد العربي فإن الأزمة الخليجية تبقى احد الإشكالات التي لابد من حلها وقد تكون هناك بوادر إيجابية في العام الجديد ولعل وقف الحملات الإعلامية كما أشار إلى ذلك أمير دولة الكويت الشقيقة في كلمته في افتتاح القمة الخليجية الأخيرة في الرياض، وهي مقدمة موضوعية لإنهاء الإشكال السياسي بين بعض دول المنظومة الخليجية للانطلاق إلى المزيد من التعاون لأن استمرار الأزمة في العام الجديد يعني تعقيدها وهذا قد يؤدي إلى تلاشي مجلس التعاون الخليجي والأمل كبير في إنهاء هذه الأزمة وبقية الأزمات الإقليمية حتى تستقر الأوضاع في المنطقة والعالم.