1081337
1081337
المنوعات

حمد الراشدي في مذكراته «بين بلاغين».. ذكريات كثيرة عن الإعلام العماني.. وأسئلة تبقى حائرة

22 ديسمبر 2018
22 ديسمبر 2018

عاصم الشيدي -

ينتظر القارئ عندما يشرع في قراءة أي مذكرات، سواء كانت لرجال السياسة أم الثقافة والإعلام أن ترافقه الدهشة والإثارة وكشف الكثير من الحقائق والمفاجآت التي كانت غائبة أو مغيبة، وتصحيح الكثير من المعلومات التي رويت في حينها من طرف واحد أو نظر إليها من زاوية قد لا تستطيع كشف الحقيقة بأكملها، وهذا أحد أهداف كتابة المذكرات، باعتبارها تدخل ضمن وثائق التاريخ أو ما يستعين به المؤرخ عندما يكتب التاريخ ويوثقه.
كان هذا الفهم يرافقني عندما شرعت في قراءة مذكرات الأستاذ حمد بن محمد الراشدي وزير الإعلام السابق، المذكرات التي عنونها بعنوان «بين بلاغين» وعنوان فرعي آخر «سيرة مع أهم التطورات في الإعلام العماني» والصادرة حديثا عن دار الانتشار العربي في بيروت.
وتكمن أهمية «بين بلاغين» في أن كاتبه عايش الإعلام العماني منذ بداياته الأولى حين عمل محرر أخبار ومذيعا في التلفزيون بين عامي 1974 و1979 ثم بعد ذلك مديرا عاما للإعلام ومديرا لمكتب الوزير حتى عام 1985 ثم رئيسا لتحرير جريدة عمان بين عامي 1985 و1987 ثم وكيلا لوزارة الإعلام بين عامي 1987 و2001 ثم وزير للإعلام 2001 - 2012.

هذه المساحات الوظيفية التي شغلها الراشدي طوال هذه المدة الزمنية أتاحت له أن يرى الكثير ويشهد على الكثير من الأحداث والمتغيرات السياسية وبشكل خاص في الجانب الإعلامي.. وبذلك تتيح له أن يتحدث بشيء من الثقة وبكثير من الوثائق التي تعضد ما يذهب إليه.

ولأن الإعلام العماني كان محط تساؤلات دائمة من قبل القارئ فإن فكرة كتابة مذكرات لرجل مثل حمد الراشدي تشكل لدى القارئ أهمية كبيرة لأنها لا بد أن تطرح إجابات على الكثير من تلك التساؤلات وتوضح بعض الالتباسات التي كانت تحيط بالعمل الإعلامي.

ولذلك يغطي الكتاب المساحة الزمنية بين البلاغ الأول الذي سمع فيه حمد الراشدي اسمه مقبولا للعمل في وزارة الإعلام والسياحة، كان ذلك في أحد مساءات شهر يونيو من عام 1974، وبين البلاغ الثاني الذي تلقاه في فبراير من عام 2012 عبر اتصال هاتفي جاءه في الساعة الرابعة عصرا وكان عائدا من اجتماع في مجلس الوزراء، كان المتحدث معالي السيد خالد بن هلال البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني لينقل له سلام وشكر جلالة السلطان على خدماته ويبلغه أن تعديلا وزاريا سيذاع في الساعة الخامسة يقضي بتعيين وزير جديد للإعلام.. وبين البلاغين «جرت أنهر وساحت أودية» كما يقول الراشدي.

يستعرض الراشدي تفاصيل كثيرة جدا في كتابه عن الإعلام العماني والتحديات التي واجهته وكيف تم التعامل معها في تلك المرحلة من مراحل تشكل النهضة الحديثة في عمان.

وعبر خمسة أبواب يحملنا الراشدي في رحلة طويلة عن الإعلام منذ البدايات وحتى اللحظة التي تحدث فيها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في آخر اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة جلالة السلطان حضره الراشدي والذي أفاض فيه جلالته الحديث حول «جوانب التنسيق بين الحكومة ومؤسساتها المختلفة من ناحية ومجلس عُمان من ناحية أخرى، وقد كان ما يخص الإعلام في ذلك الحديث، فيه الكثير من التوجيه السديد» يقول حمد الراشدي «تمنيت وأنا كلي إنصات أنه لو كان قبل عشر سنوات، بداية تسلمي مسؤولية وزير الإعلام، لما تضمنه حديث جلالته من رؤى وثابة تستوجبها طبيعة العمل الإعلامي»، إلا أن حمد الراشدي يتبع ذلك بالقول: «كان بين تشرفي بالاستماع إلى هذا التوجيه الغالي والإعفاء من المسؤولية شهر واحد».

في الباب الأول من الكتاب يتحدث الراشدي عن تجربته في الإذاعة وآليات العمل بها وعن مطبخ الأخبار والتجارب التي مر بها في تلك المرحلة. وفي هذا الباب من أبواب الكتاب نقل الراشدي بعضا من تفاصيل التجارب الصحفية التي شارك فيها لتغطية بعض الفعاليات والزيارات الرسمية لكبار رجال الدولة مثل تجربته في تغطية القمة العربية في القاهرة عام 1976. كان الراشدي يملي تغطيته لتلك القمة من كابينة هاتفية مخصصة لهذا الأمر، ويتحدث عما يصاحب ذلك من تحديات في تلك المرحلة من مراحل الإعلام قبل أن تتوفر اليوم أفضل السبل وأسهلها للعمل الإعلامي. ويتمتع الراشدي في كتابه بذاكرة قوية يستعيد بها تفاصيل دقيقة حدثت في هذه التغطية أو في تلك أو يستعيد المسببات التي من شأنها اتخذت بعض القرارات حول السياسة الإعلامية في السلطنة.

في عام 1977 حدثت مرحلة انتقالية لدى صاحب المذكرات فقد انتقل للعمل في ديوان عام الوزارة، حين حل محل الأستاذ محمد بن سليمان الطائي رئيس تحرير جريدة الوطن حاليا وكان حينها سكرتيرا لمكتب وكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية عبدالعزيز الرواس الذي سيصبح لاحقا وزيرا للإعلام. وكان الطائي قد اضطر بعد وفاة والده ترك العمل الحكومي والتفرغ لجريدة الوطن.

من الأعمال التي يتحدث صاحب المذكرات أنه تشرف بالعمل فيها ضمن فريق عمل المشاركة في كتابة الصياغة الأولى لخطابات صاحب الجلالة في الأعياد الوطنية خلال العقد الأول من عصر النهضة، وكان ذلك يتم في تلك المرحلة بإشراف وكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية الأستاذ عبدالعزيز الرواس. في الوظيفة الجديدة التي انتقل إليها الراشدي كان أمامه الكثير من الملفات التي عليه متابعتها بشكل دقيق وخاصة منها كان منها متعلقا بمتابعة الصحف والمجلات العربية التي كانت تصدر في أوروبا وبشكل خاص في فرنسا من بينها مجلة المستقبل التي كان يرأس تحريرها نبيل خوري، وكان من أبرز كتابها في ذلك الوقت الصحفي المعروف رياض الريس الذي تعود علاقته بالسلطنة إلى فترة مبكرة حيث كان أول صحفي عربي يجري حوارا مع جلالة السلطان في الأيام الأولى من عهد النهضة المباركة. وسيصدر الريس لاحقا في لندن صحيفة المنار. ولم تكن مجلة المستقبل وحدها تصدر في باريس بل كانت هناك مجلة «الوطن العربي» التي أسسها الصحفي اللبناني وليد أبو ظهر، وهو صاحب العنوان الشهير «لبيك صدام» على غلاف المجلة يوم غزت العراق الكويت في أغسطس من عام 1990.

وكان في بيروت مجلة أخرى مهمة وتلقى متابعة كبيرة وهي مجلة «الحوادث» للصحفي المعروف سليم اللوزي الذي أجرى أيضا حوارا مع صاحب الجلالة وهو أحد الحوارات المهمة.

ويذكر حمد الراشدي في سياق حديثه عن متابعته لهذه الصحف وما ينشر فيها أن الصحفي جلال كشك وكان أحد صحفيي الحوادث قد وصل السلطنة وطلب من وكيل الإعلام في ذلك الوقت عبدالعزيز الرواس أن يرتب له مقابلة مع جلالة السلطان ليبلغه رسالة من حاكم الشارقة كما قال إلا أن الوزير اعتذر له بحجة أن المقابلات مع جلالة السلطان للصحفيين ترتيب بشكل مبكر أما نقل الرسائل فتتم عبر القنوات الدبلوماسية، يقول الراشدي: وما هي إلا فترة أسبوعين حتى ينشر جلال كشك موضوعا في الحوادث تعرض فيه للسلطنة ونهضتها وكان أسلوبه مغايرا لما تعودت الحوادث أن تكتبه عن السلطنة.

ومن المفارقات الغريبة التي ينقلها حمد الراشدي في هذا الفصل من فصول الكتاب ما أخبره به أحد الإعلاميين من أن وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية المرحوم قيس الزواوي سمح لرئيس تحرير مجلة الحوادث سليم اللوزي الدخول إلى اجتماع مغلق في الجامعة العربية باعتباره ضمن أعضاء الوفد العماني، حدث ذلك على مشهد وذهول الوفود الأخرى حيث كان اللوزي معروفا من الجميع.

ومن الموضوعات التي أفرد له صاحب المذكرات مساحات كبيرة في كتابه موضوع جريدة عمان التي كلف برئاسة تحريرها بتاريخ 6 مايو 1985.

كان ذلك العام مليئا بالأحداث، فالسلطنة تستعد للاحتفال بمناسبة العيد الوطني الخامس عشر، واستضافة القمة الخليجية. ويتحدث الراشدي عن التغيرات التي أجراها في الجريدة بدئا بيوم 28 مايو 1985 حيث صدرت الجريدة بافتتاحية على الصفحة الأولى حملت عنوان «كلمة عمان» وبقيت تصدر بشكل يومي عدا الجمعة، وهذا التقليد بقي في الصحيفة حتى اليوم، فيوم الجمعة هو اليوم الوحيد الذي لا تكتب فيه افتتاحية أو كلمة. كان الراشدي يكتب الافتتاحية بنفسه دون أن يذيلها باسمه رغم أنه كان رئيس تحريرها. ويتذكر الراشدي نجوم الجريدة في ذلك الوقت وعلى رأسهم الكاتب حمود بن سالم السيابي الذي سيصبح لاحقا رئيسا لتحرير الجريدة، ومن العرب يستذكر الدكتور عبدالعاطي محمد الذي سيصبح بعد عودته للقاهرة رئيسا لتحرير مجلة الأهرام العربي، وممتاز القط الذي سيكون لاحقا رئيسا لتحرير أخبار اليوم المصرية، وعبدالله حسن الذي سيكون هو الآخر رئيسا لتحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، وحسين عبدالغني الذي سيكون مراسلا للبي بي سي ومديرا لمكتب الجزيرة في القاهرة، ويتذكر الدكتور عبدالحميد الموافي، إضافة إلى مجموعة من المحررين العمانيين أمثال المرحوم سالم بن عقيل باعمر، وسالم رشيد الناعبي، وعبدالله شامريد، وسعيد النعماني، وعبدالله العليان، ومجيد الرواس، وعلي عبدالله الحارثي، وسيف العبري وسيف الخروصي وأحمد بن سالم الفلاحي، ومن المصورين يستذكر مسلم الجعفري، وعبدالله الجعفري.

لكن رئاسة الراشدي لتحرير جريدة عمان لم تطل كثيرا فقد صدر التكليف السامي في يونيو من عام 1987 ليتولى منصب وكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية. ويفرد الراشدي بابا كاملا من أبواب الكتاب للحديث عن مرحلة عمله وكيل لوزارة الإعلام والتي استمرت 14 عاما، وأطلق على الباب عنوان «في الدور الثالث» وهو الدور الذي كان فيه مكتب الوكيل في وزارة الإعلام في ذلك الوقت، وفصلا أخر اسماه «في الدور الخامس» وهو الدور الذي فيه مكتب وزير الإعلام، الدور الذي سينتقل له الراشدي في عام 2001. وفي هذين الفصلين يسهب الراشدي كثيرا بالحديث عن تفاصيل الإعلام والمشاريع التي تم تحقيقها في تلك المرحلة، وهي مشاريع لا يمكن إغفالها أو تجاوزها وفيها انتقل الإعلام العماني نقالات كبيرة خاصة على مستوى الجوانب التقنية والفنية. وإن كانت الأسئلة حول مساحات الحرية والسياسات الإعلامية استمرت مصاحبة لهذه المرحلة أكثر من غيرها من المراحل.

وتحدث الراشدي عن مرحلة ظهور الفضائيات والتسابق على البث عبر الأقمار الصناعية. كما تحدث عن مسلسل عمان في التاريخ والظروف التي أنتج التلفزيون المسلسل فيها والتي جاءت في أعقاب الندوة الشهيرة التي نظمتها وزارة الإعلام وحملت عنوان «عمان في التاريخ».

ورغم أن الكتاب مليء بالذكريات التي صاحبت تطورات المشهد الإعلامي في السلطنة إلا أن المتأمل يجد أن صاحب المذكرات كان يعلم أكثر مما قال في الكتاب، وكان بإمكانه أن يقول أكثر مما قال رغم أنه استخدام في الكثير من أجزاء الكتاب أسلوب الإيحاء وأسلوب الإشارات الخاطفة التي على القارئ أن يفسرها ويبحث وراءها ولكن هذا يمكن أن يكون في مقال بجريدة تحكمها سياسات تحرير ولكن مع كتاب المذكرات كان يمكن تجاوز التلميح إلى التصريح المباشر. وربما كان عنوان فصل من أبواب الكتاب من مثل «الطموح جامع لكن الواقع كابح» يمكن أن تفسر الكثير مما لم يقله الراشدي في كتابه، رغم أن عنوان هذه الفقرة كان في سياق الحديث عن الطموحات الكبيرة التي تقف الإمكانات البشرية والمادية أمام تحقيقها.

وفي سياق حديث الراشدي عن برنامج «هذا الصباح» الذي فتح قناة تواصل مباشرة بين المواطن وبين مؤسسات الدولة يتحدث الراشدي عن الصعوبات والتحديات التي واجهت هذا البرنامج الذي نقل وزير ديوان البلاط السلطاني في ذلك الوقت السيد علي بن حمود البوسعيدي رضا جلالة السلطان عنه لوزير الإعلام ما أعطى البرنامج دفعة كبيرة وثقة، رغم ذلك فإن وزير الإعلام كما يقول في كتابه تزاحمت عليه ملاحظات زملائه في مجلس الوزراء، كما عرضت بعض الملاحظات في أحد اجتماعات المجلس التي كان برئاسة جلالته مباشرة، الأمر الذي دعا وزير الإعلام لكتابة مذكرة للمقام السامي وضع فيها شرحا لموضوعات البرنامج والأسس التي يقوم عليها وأهدافه فكان رد جلالة السلطان على ما أثير من ملاحظات «خدمة عمان أولا».

رغم أني كنت أنتظر الكثير مما يمكن أن يقوله وزير للإعلام في حجم حمد الراشدي خبر الإعلام العماني منذ بداياته الأولى إلا أن الكتاب يستحق القراءة ويستحق الوقوف معه لفهم الكثير من الالتباسات في حركة الإعلام وفي أولوياته وفي التحديات التي كانت تقف أمام الكثير من الطموحات سواء في الإعلام البصري أو السمعي أو في الإعلام الورقي.. رغم ذلك فإن الأستاذ حمد الراشدي ما زال يملك الكثير مما يمكن أن يقوله كشهادة على المرحلة التي عاش فيها في الإعلام ومارس خلالها السياسة وكيلا للإعلام ثم وزيرا له وعارفا بالكثير من الخبايا التي دارت وتدور في الدهاليز المجاورة للإعلام في العادة.