الملف السياسي

التوتر على الحدود اللبنانية .. إلى أين؟

17 ديسمبر 2018
17 ديسمبر 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي  -

يبدو أن إسرائيل تبحث عن توتر جديد على الحدود مع لبنان من خلال موضوع الأنفاق بحيث يحدث التوتر الذي يبحث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو والذي يحاول إشعال الجبهة الشمالية مع لبنان في محاولة لإبعاد الضغط السياسي الداخلي المتعلق بالتحقيقات التي تجريها الشرطة الإسرائيلية حول احتمالات الفساد والتي إن ثبتت فسوف تهدد مستقبله السياسي كما أن استقالة وزير الدفاع ليبرمان بسبب المواجهة مع حركة حماس قد أضافت بعدا سلبيا لإدارة نتانياهو علاوة على استقالة عدد من الوزراء في حكومته والتي تواجه مشكلات كبيرة والدعوات المتكررة لإجراء الانتخابات مبكرة في إسرائيل.

عوامل التوتر

الحدود الإسرائيلية - اللبنانية شهدت هدوءا نسبيا منذ عدة سنوات وبالتحديد منذ انتهاء الحرب بين القوات الإسرائيلية وقوات حزب الله عام 2006 والتي استطاع من خلالها حزب الله دحر القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان ولم تجد إسرائيل وبسبب عجزها وفشلها الذريع في المواجهة العسكرية أن تقوم بقصف البنية الأساسية في لبنان وهو عمل لاقى إدانة عربية ودولية واسعة النطاق.

من عوامل التوتر على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية وبصرف النظر عن موضوع الأنفاق التي تتحدث عنه إسرائيل فإن العامل الأساسي لإيجاد ذلك التوتر هو شعور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالضغوط السياسية الداخلية فيما يخص موضوع المواجهة مع حركة حماس في قطاع غزة أو فيما يخص التحقيقات التي تجريها الشرطة الإسرائيلية حول شبهات الفساد المحتملة ضد نتانياهو.

وعلى ضوء تلك الضغوط المتزايدة على نتانياهو كان لابد من إيجاد متغير علي الساحة الإسرائيلية وتحدٍ جديدٍ يواجه الأمن الإسرائيلي ومن هنا جاءت مسألة الأنفاق التي تدعي إسرائيل أن حزب الله أوجدها بين الحدود اللبنانية -الإسرائيلية وان ذلك يشكل خطرًا كبيرًا على الأمن الإسرائيلي، ومن هنا جاءت الضجة الإعلامية التي كان نتانياهو يبحث عنها لإبعاد الأنظار نحو التحقيقات.

لقد كان تدخل قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة حاسمًا من خلال إيجاد التهدئة على جانبي الحدود علاوة على التدخلات الدولية لإبعاد شبح الحرب عن تلك المنطقة الملتهبة خلال العشر سنوات الماضية رغم أن إسرائيل وحسب التحليلات العسكرية لا تستطيع مجابهة حزب الله لأن التكلفة العسكرية والسياسية سوف تكون باهظة وربما تكون نتائجها وخيمة على مستقبل رئيس الوزراء نتانياهو وانتهاء مستقبله السياسي.

التكتيك الخاطئ

على ضوء الهدف الاستراتيجي الذي سعى إليه نتانياهو فان المحصلة النهائية هو فشل ذلك المتغير بدليل أن الدعوات داخل إسرائيل لإيجاد انتخابات مبكرة لا تزال موضع نقاش من الأحزاب مما يعني أن أي مواجهة جديدة في قطاع غزة أو في جنوب لبنان ستكون ذات تكلفة سياسية ضد نتانياهو.

إن الوضع على الحدود اللبنانية -الإسرائيلية حساس وهو في الأصل متوتر من خلال التماس الجغرافي بين البلدات اللبنانية في جنوب اللبناني وعدد من المستوطنات الإسرائيلية وبعضها جزء من الأراضي اللبنانية المحتلة كمزارع شبعا، ومن هنا فان التكتيك الذي اعتمد عليه نتانياهو قد فشل بشكل واضح

لقد كان لقوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة دور كبير في مسألة عودة التهدئة إلى تلك المنطقة الحدودية الحساسة وفي ظل عدم قدرة لبنان علي عدم تشكيل الحكومة فإن لبنان هو أيضا ليس في حاجه إلى حرب وتوتر في جنوب لبنان وهذا يحتم علي الفرقاء في لبنان ولقطع الطريق على أي فراغ سياسي قد تستغله إسرائيل المسارعة في إنهاء ذلك الفراغ السياسي واحتكام الفرقاء الى المنطق والموضوعية حتى يتجنب لبنان أي انزلاق جديد نحو حرب مدمرة.

إن إسرائيل في حالة توتر دائم خلال السنوات الأخيرة مع قطاع غزه وجنوب لبنان وهذا يجعل من الضغوط تزداد على نتانياهو والذي اتهمه وزير الدفاع السابق ليبرمان بالعجز عن مواجهة حماس بعد فشل العملية الأمنية في قطاع غزة وهي هزة كبيرة أصابت الحكومة الإسرائيلية.

إن التوتر على الحدود اللبنانية -الإسرائيلية وان كان قد شهد هدوءا نسبيا الآن، فالتطورات لا يمكن الجزم بها خاصة وأن إسرائيل تبحث عن ذرائع تتماشى ومشاكلها الداخلية. ولعل نتانياهو كان يبحث عن توتر جديد حين سلطت الأضواء علي التحقيقات التي لا تزال متواصلة، وهناك توصيات من الشرطة الإسرائيلية لمقاضاته قانونيا في المحاكم الإسرائيلية، ومن هنا فإن من مصلحة لبنان وفي ظل تلك التكتيكات الإسرائيلية السلبية أن ينتهي من موضوع تشكيل الحكومة اللبنانية والتفرغ للمصالح الوطنية اللبنانية وفي مقدمتها مناقشة المخاطر من خلال التوتر على الحدود اللبنانية وإبعاد المخاطر عن لبنان والذي يحتاج في هذه المرحلة إلى الأمن والاستقرار والبناء.

التنمية والحرب

لا شك أن لبنان عانى الأمرين من العدوان الإسرائيلي خلال العقود الثلاثة الأخيرة وأيضا من الاجتياح الإسرائيلي الذي وصل إلى العاصمة بيروت في تحدٍ سافر لإسرائيل وعدم اكتراثها بالقوانين والمعاهدات الدولية ورغم اندحار الجيش الإسرائيلي خلال حربي عامي 2000 و2006 في جنوب لبنان إلا أن هذا الأخير، وفي ظل الظروف الراهنة يحتاج إلى مزيد من الاستقرار والبناء خاصة في مجال الكهرباء والمياه لان ذالك يبعد شبح الحروب عن الساحة اللبنانية.

إسرائيل هي التي تشعل الحروب في المنطقة ولها تاريخ حافل في هذا المجال خاصة ضد الدول العربية ومن هنا فإن إسرائيل ورغم تلك الحروب لم تستطع تأمين الأمن والاستقرار لمواطنيها؛ لأنها كيان محتل للأراضي الفلسطينية وللجولان المحتل وجزء من الأراضي اللبنانية.

فعملية السلام الشاملة والعادلة في المنطقة وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وإرجاع الجولان السوري المحتل ومزارع شبعا، وما تبقي من الأراضي اللبنانية المحتلة في جنوب لبنان هو الحل الاسمي لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي وإقامة منظومة السلام لكل شعوب المنطقة وبدون ذلك لا يمكن لإسرائيل أن تنعم بالسلام وهي كيان محتل للأراضي العربية.

إن التنمية والسلام هي أهم من الحروب ومن هنا فإن التوتر على الحدود بين لبنان وإسرائيل والأوضاع المشتعلة في فلسطين المحتلة والكراهية المتزايدة لإسرائيل بين الشعوب العربية والإسلامية كلها عوامل لا تساعد على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا فإن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية هي العامل الحاسم نحو استرداد الحقوق الفلسطينية والعربية وان يواصل المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل بالتخلي عن فكرة العنصرية والدولة القومية وأن تعيش بسلام مع جيرانها العرب وفق المعايير الإنسانية، وأن تنهي احتلالها البغيض لفلسطين وكل الأراضي العربية. أما مسألة خوض الحروب فإن النتائج لن تكون في صالحها وأن الشعوب لن تنسى حقوقها وأن معيار القوة العسكرية ليس هو الحاسم في نضال وكفاح الشعوب عبر التاريخ خاصة وان إسرائيل هي الاحتلال الوحيد في التاريخ الحديث وأصبح العالم يشعر بملل كبير من الاحتلال الإسرائيلي، ومن هنا فإن المسار الصحيح لإيجاد السلام الشامل والعادل هو أن تحتكم إسرائيل للمنطق والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالصراع العربي-الإسرائيلي هذه هو الخيار الأوحد للكيان الإسرائيلي بعيدا عن غطرسة القوة والهيمنة الزائفة.