1074204
1074204
إشراقات

مؤتمر «العلوم الشرعية» يدعو للنهوض بالخطاب المعاصر لمواجهة الطائفية والإرهاب الفكري والفكر التكفيري والتوعية بخطورتها

13 ديسمبر 2018
13 ديسمبر 2018

أكد أهمية الوقوف على التجربة العمانية في مجال المعرفة والفكر الإسلامي - 

كتب – سالم بن حمدان الحسيني - 

أوصى المؤتمر الدولي حول «العلوم الشرعية.. تحديات الواقع وآفاق المستقبل» الذي اختتم أعماله أمس ببناء منظومة فكرية شاملة قائمة على الإيمان بالله وعالمية رسالة الإسلام وديمومتها، منطلقة من المعرفة الصحيحة والفهم العميق للواقع والقواعد العلمية السليمة والتمكن من أدوات البحث العلمي لمواجهة الأفكار البعيدة عن الإسلام الصاعدة في الأوساط العلمية وبين الشباب والتي تستدعي الاستعداد الموازي، وتقديم الإجابات على التساؤلات التي تثار في مجالات العقيدة والشريعة والحياة. كما أوصى بأهمية تلاقي العلوم وتكاملها في صياغة الفكر الإسلامي ومنظوماته المعرفية، وضرورة الاستعانة بعلوم العصر والتخصصات الدقيقة في فهم مستجدات الحياة وتفسير الظواهر العلمية والإنسانية، والمتعلقة بالكون والحياة واستنباط الأحكام الشرعية، وتطوير طرائق تدريس العلوم الشرعية، واستخدام المناهج الفاعلة والمتنوعة التي تتناسب مع طبيعتها، وتنمية كفايات التفكير الناقد والإبداعي لحل المشكلات، مع المراجعة والتقويم المستمرين لمحتويات مقررات العلوم الشرعية.

وأكد المؤتمر الذي نظمته كلية العلوم الشرعية على مدى 3 أيام أهمية تضافر جهود جميع الأطراف حكومات وشعوبا ومثقفين ورجال أعمال للنهوض بالخطاب الإعلامي لمواجهة الطائفية والإرهاب الفكري والفكر التكفيري، ونشر التوعية بخطورة ذلك على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وتطوير المنظومة التشريعية الخاصة بالتحكيم في الدول العربية والإسلامية بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها الكلية، والعمل على إنشاء مواقع خدمات التحكيم الإلكتروني الإسلامي للفصل في منازعات العقود الاستثمارية تحت إشراف المجامع الفقهية والهيئات الدينية الرسمية في العالم الإسلامي. وأوصى بإحياء الوقف وإنعاشه في المجتمعات الإسلامية بما يخدم مصلحة الفئات المستفيدة منه شرعًا، وتوعية عموم المسلمين بضرورته، وحثهم على المساهمة فيه باعتباره عبادة وصدقة جارية، والاستفادة منه في دعم المشاريع الحيوية، ولا سيما الإنفاق على المؤسسات التعليمية والصحية والبحثية وغيرها.

ودعا المؤتمر في بيانه الختامي المسلمين عامة والمؤسسات التعليمية خاصة إلى مزيد الاهتمام باللغة العربية، وجعلها لغة وظيفية تربط المسلم بحياته ودينه وقيَمه، وأوصى بإنشاء مراكز للدراسات النفسية والتربوية والاجتماعية ترتكز على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ورفدها بالباحثين والمختصين المهتمين بالبحوث والأنشطة المستمدة منهما، والاهتمام بالفروض الكفائية، وكشف أبعادها، وأحكامها، ومجالاتها، وحكمها، ودورها في توزيع المسؤوليات الاجتماعية، وتوفير الفرص الكاملة للمواهب المتنوعة، لتساهم في تحقيق النهضة الحضارية، والتنمية الشاملة المستدامة، المحققة لمتطلبات العصر.

كما أوصى بتثمين تجربة المصارف وشركات الاستثمار والتأمين الإسلامية، والعمل على دعْمها بمزيد من الإبداع والتميز الفكري والعملي في تنظيرها وتطبيقاتها، والتطوير المستمر لأدائها، وكذلك الاهتمام بفقه العلاقات الدولية وإدراجه في مقررات كليات الشريعة والعلوم الإسلامية، والتوسع في دراسته وربطه بفقه السياسة الشرعية، وتفعيل مبادئه لإخراج الإنسانية من واقع الكراهية والصراعات الدامية إلى العيش المشترك الآمن. ودعا المؤتمر الى نشر الوعي العلمي والثقافي بأهمية فقه الأولويات ودوره الفاعل في تحقيق شخصية المسلم المعاصر وضمان التعاطي السليم مع القضايا المستجدة، وبناء العلاقة بين المدارس الفقهية الإسلامية على الروابط الإسلامية الجامعة والقواعد العلمية المشتركة، وتأكيد تكامل معارفها ونتاجها عبر القرون، وإيلاء التراث الإسلامي مزيدا من العناية، حفظا وتحقيقا ودراسة، وإقامة البرامج البحثية عليه، مع تأكيد أهمية استفادة المدارس الإسلامية بعضها من تراث بعض، وتوجيه الباحثين إلى العمل على استقاء المعارف من مصادرها الأصيلة. وأكد المؤتمر في بيانه أهمية الوقوف على التجربة العمانية في مجال المعرفة والفكر الإسلامي التي مثلت في كثير من أدوار التاريخ الروح الفاعلة للإسلام، وقدمت نموذجا عمليا يمكن الاستفادة منه، والاطلاع على التراث الفقهي والنتاج العلمي لعمان في مجال العلوم الإنسانية والطبيعية.

وقد شهدت قاعات كلية العلوم الشرعية على مدار الأيام الثلاثة للمؤتمر العديد من الجلسات والنقاشات، وألقيت خلالها العديد من أوراق العمل البحثية، ففي جلسات سابقة جاءت ورقة د. يوسي الهواري من كلية العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية بجامعة وهران الجزائرية تحت عنوان «مقدمات منهجية في طرق تعليم العلوم الشرعية: علم أصول الفقه أنموذجا» ناقش من خلالها علم أصول الفقـه مبينا انه يعـد بحق من مفاخر الأمة الإسلامية، وقال «إنه نتاج أصيـل أبدعتـه العقليـة الإسلامية عبر مختلف العصور، فأصول الفقه هو بحق المنطـق الذي يمكن من فهم نصوص الشريعة وتطبيقها على الوقائع والحوادث، والمنهج الذي يكفل سبر أغوارها، والوقوف على آلياتها، وضوابطها الكلية التي هي مدار الأحكام الشرعية»، مشيرا الى أن الكثيرين من الطلبة يتعذر عليهم فهم العديد من مسائل أصول الفقه واستيعاب جزئياتها على الوجه الذي ينبغي لعدم وضوح التصور الكلي لعلم أصول الفقه في أذهان الطلبة، وعدم قدرتهم على تمييز علم أصول الفقه عن بقية العلوم الأخرى، مما يتسبب في التباس المفاهيم عندهم.

أما د. فرحانة شكرود فقد أكدت من خلال ورقتها: «أهمية التقنيات الحديثة في خدمة العلوم الشرعية: الضوابط والمحددات» أن التقنيات الرقمية أصبحت ضرورة من الضرورات الإنسانية لا غنى لنا عنها، إذ تُساهم في تقريب الإنسان من المعلومات والاتجاهات الفكرية المختلفة، وتُساعد في توسيع ثقافة الإنسان ومفاهيمه الحياتية بعيدا عن العزلة والتقوقع على الذات، وقالت « إنه أصبح لولوج التقنيات عالم العلوم الشرعية أهمية قصوى وضرورة ملحة فرضتها الأوضاع الراهنة محاولة الإجابة من خلاله على جملة من الإشكالات من قبيل: كيف تؤثر التقنيات الحديثة على طالب العلوم الشرعية لترقية العلم والمعرفة؟ وكيف تمكننا من زيادة الإقبال على التعليم ورفع نسبة حصيل العلم الشرعي؟ وما هي أهم الضوابط الكفيلة بالحد من المعيقات التي تحول دون تطبيق فعلي للتقنيات الحديثة خاصة لدى طالب العلوم الشرعية؟»، مبدية بعض الإجابة عن هذه الإشكالية، وبينتُ بعض الضوابط والسبل التي تُرشد تنزيلها على أرض الواقع لخدمة العلوم الشرعية، ثم تذييل الورقة البحثية بمجموعة من الخلاصات التي انتهت إليها الدراسة.

وتناول المنير عبد الحميد بن سعدون من معهد عمّي سعيد للدراسات الإسلاميّة والحضاريّة بغرداية – الجزائر «فقه التربيّة من خلال كتاب «تلقين الصبيان ما يلزم الإنسان» للشيخ نور الدين السالمي وتمحورت هذه الورقة حول دور العلماء العُمانيّين في خدمة العلوم الشرعية، وبإبراز دور التربيّة في تنشئة الأولاد على الشريعة الإسلاميّة ومنهج السلف الصالح، مشيرا إلى ان الكتاب نموذج طيّب وصورة ناصعة لذلك. وتحدث بدر بن خميس بن سعيد اليزيدي قاضي محكمة الاستئناف بالرستاق، طالب دكتوراه في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، كلية أحمد إبراهيم للحقوق حول اختصاص قضاء الأحداث في القانون العماني على ضوء الشريعة الإسلامية مشيرا إلى ان الاختصاص من القضايا التي تعالجها القوانين الإجرائية بقصد تنظيم العمل القضائي وجعل المحاكمات تسير في صورة منتظمة وسلسة تُيَسِّر العدالة للمتقاضين، إلا أن الإغراق في ذلك يجعل العملية أكثر تعقيداً ويأخذ الدعوى إلى مسارات متعددة يفقدها معنى العدالة الناجزة، وقال إنه رغم أن القضاء العماني اختار العمل بقواعد الاختصاص بأنواعه المختلفة، إلا أنه أخذ ذلك بحِكمة دون أن يكون هناك خشية فعلية على مسار العدالة الجزائية، وإن وجدت بعض الثغرات القانونية فإنه يلزم معالجتها والوقوف عليها، وهو ما تسعى هذه الدراسة لتحقيقه.

كما أشارت د. مها عبد المجيد العاني من جامعة السلطان قابوس في ورقتها الى الأخلاق الإنسانية في القرآن الكريم والسنة النبوية ونظريات علم النفس من خلال الفكر الخلقي في منظور القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقالت إن القيم والمفاهيم والسلوك الخلقي مستمدة من منطلقات حددها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأصالة البيئة العربية واستعدادها لتلقي التوجيهات الإلهية المتمثلة بالأحكام والتعاليم والأوامر والنواهي، والالتزام والعمل بها في إطار السلوك الخلقي السامي فكراً «وتطبيقاً» وكما حدده الله سبحانه وتعالى أمراً ونهياً «وتعليماً» لهذه الأمة والتي تجسدت فيها دعوة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما بين ذلك القرآن الكريم.

أما د. مشرح علي أحمد علي تمساح الأستاذ بجامعة الأزهر وكلية العلوم الشرعية فطرح في ورقته «عقبات انتشار الإسلام بين الأمريكيين والأوربيين وسبل التغلب عليها» مبينا ان

الإسلام واضح وجلي، وإنَّ تعاليمه سهلة ميسورة، وتنسجم مع العقل السليم والمنطق القويم، وتتناغم مع الفطرة السوية، وتلبي مطالب الجسد وأشواق الروح. ولكن ما هو السر في عدم أخذ الأمريكيين والأوربيين بهذا الدين، وعدم اعتناقهم له في سرعة مطردة وهائلة؟ مبينا ان العوامل التي تمنع الأمريكيين والأوربيين من اعتناقهم الإسلام كثيرة ومتعددة منها: عوامل خارجية، وعوامل تعود إلى المسلمين أنفسهم. وقسم البحث إلى عدة مباحث ومطالب: المبحث الأول: العوامل الخارجية التي تتمثل في: المطلب الأول: الكنيسة والتنصير. والمطلب الثاني: ظاهرة الإسلاموفوبيا وربط الإسلام بالإرهاب. والمبحث الثاني: العوامل التي ترجع إلى المسلمين، وتتمثل في: المطلب الأول: ضعف الدعاية عن الإسلام في الغرب. والمطلب الثاني: واقع المسلمين والانفصام النكد بينهم وبين تعاليم الإسلام. والثالث: إثارة الخلافات المذهبية في كثير من المراكز الإسلامية هناك، والتركيز على الفرعيات والجزئيات، وترك الأصول والكليات. والرابع: عرض الإسلام وكتب المسلمين. والخامس: الحروب المستعرة في العالم العربي والإسلامي. مع طرح بعض سبل التغلب على هذه العقبات.

أما راشد بن حميد بن محمد الجهوري فقد قدم ورقة بعنوان: «مفردة العلم ومشتقاتها في القصص القرآني ودورها في تحفيز طالب العلم الشرعي» أورد من خلالها دراسة تحليلية لمفردة العلم ومشتقاتها في سياقها القرآني القصصي والمحفزات المستخلصة من مفردة العلم ومشتقاتها في القصص القرآني وبيان أثرها ودورها في رفع همة طالب العلم الشرعي في مسيرته العلمية.

وتطرق الباحث محمد إبراهيم بركات في ورقته «التحكيم في الفقه الإسلامي وأثره في تحقيق التنمية الاقتصادية» الى موضوع التحكيم في الفقه الإسلامي وأهميته في تحقيق التنمية الاقتصادية، ودوره في زيادة النمو الاقتصادي وجذب الاستثمار وحمايته، فجاء هذا البحث ليسلط الضوء على التحكيم باعتباره وسيلة من وسائل فض المنازعات وليبين أثره في تحقيق التنمية الاقتصادية.

وتناول د. أحمد عبد الرزاق الدليمي أستاذ مشارك جامعة الأنبار كلية العلوم الإسلامية قسم العقيدة والدعوة والفكر في ورقته: «التداخل بين حلقات الشخصية عند المسلم والبرمجة الذاتية الحديثة» طرق التفكير المختلفة واستخدام البرمجة العقلية ومن حيث الإحساس والشعور وأثر ذلك كله على قرارات وعمل ذلك الإنسان، مؤكدا ان البرمجة الذاتية تعتبر جزءاً من رسائل التنمية البشرية والتي هي عبارة عن الأنماط والأساليب الحديثة في طرق التعامل مع مختلف المستويات سواء كانت شخصية أم جماعية ومع مختلف الجوانب سواء كانت اقتصادية أم سياسية.

أما د. حبيبة رحايبي من جامعة قسنطينة بالجزائر فقد تناولت المنظور الحضاري الإسلامي في العلاقات الدولية مبينة ان منظورات العلاقات الدولية تمركزت حول الوضعية المادية، وما أقامته من أسس ومرتكزات لها، ضاربة بالقيم والأخلاق والدين بعيدا عن التناول والدراسة على مستوى هذا الحقل، وهو ما مهدت لبروزه ما يعرف «بالنظريات التأملية أو التكوينية»، فقد أوجد هذا التوجه الذي يسعى لأن يشكل منظورا «من مجموع النظريات النقدية والاجتماعية ونظريات ما بعد الحداثة»؛ بعدا جديدا، وطرحا جديدا، وأفكارا جديدة، يحاول التأسيس لها في مواجهة التيار العقلاني أو في مواجهة الوضعية، وبذلك استطاع هذا التوجه الجديد أن يفسح المجال أمام أبعاد جديدة في تفسير وتحليل الظاهرة الدولية، من ذلك «البعد الديني والقيمي، والبعد الثقافي والهوياتي.. لتدخل كمتغيرات لتفسير وتحليل ودراسة العلاقات الدولية.

وقد رعى الحفل الختامي للمؤتمر الدكتور عبدالله بن مسلم الهاشمي عميد كلية العلوم الشرعية، وجاءت توصياته بناء على المشاركات والمناقشات والمداخلات المثمرة التي دارت خلال المؤتمر الذي ضم نخبة من خيرة الباحثين والخبراء المختصين من شتى بلاد المسلمين. وقام راعي الختام بتسليم شهادات المشاركة للمشاركين والمنظمين واللجان الرئيسية والعلمية والإعلام والعلاقات العامة وأعضاء اللجنة الإدارية والمالية.