1072268
1072268
إشراقات

خطبة الجمعة: المدرسة أهم مؤسسة تحمي أبناءنا من الجنوح وتغرس فيهم القيم السامية

13 ديسمبر 2018
13 ديسمبر 2018

ظاهرة جنوح الأحداث.. على من تقع مسؤوليتها؟ 

تتناول خطبة الجمعة لهذا اليوم قضية جنوح الأحداث مؤكدة أن هذه الظاهرة تقع مسؤوليتها أولا على عاتق الآباء والأمهات لأن الأسرة هي الحضن الأول للنشء، وأن أهم مؤسسة يمـكنها أن تحمي أبناءنا من الجنوح، وتغرس فيهم القيم السامية والأخلاق العالية هي المدرسة، لأنها تسهم في تشكيل عقلية الطفل ووعيه وتركيبته النفسية.
كما أن دور المجـتمع لا يمـكن تجاهله في صناعة توجه الناشئة ورسم معالم سلوكهم، حيث إن ألصق فئات المجـتمع بالفرد وأكثرها تأثيرا هي فئة الأصدقاء والأصحاب، فلا بد من مراعاة من يصاحب أبناءنا، ومعرفة مع من يقضون أوقات فراغهم، ولا بد من توجيههم إلى كيـفية اختيار أصحابهم، ومعايير بناء صداقاتهم، وأن من خير ما يعين على صلاح الأبناء ربطهم بالمسجد، ليسهم ذلك في صلاحهم، ويجعل منهم أفرادا محبين لمجـتمعهم ساعين لخيره وخدمته، وهنا نص الخطبة كاملا والتي جاءت تحت عنوان: (جنوح الأحداث .. كــيف نحمي منه مجتمعنا؟):

الحمد لله الذي شرع لخلقه ما يقوم حياتهم، ويضمن لهم سعادتهم وكرامتهم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، ونشهد أن محمدا عبدالله ورسوله، خاطبه ربه بقوله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)، فكان خير أب مرب، وقريب موجه، وذي عشيرة ناصح، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الذين بنوا مجـتمع الأبرار، وأرسوا معالم التكافل والاسـتقرار، وعلى كل من سار سيرتهم إلى يوم الحشر والقرار.

أما بعد، فإني أوصيكم- عباد الله- ونفسي بتقوى الله عز وجل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) واعلموا- معاشر المؤمنين- إن الأبناء زينة الحياة وريحانة الأيام، يقول الملك العلام: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، غير أن نعمة الولد لا تتحقق للآباء ولا للمجـتمع إلا إن نشأ الولد نشأة صالحة، وكان الشباب شبابا عارفا لحق ربه، ومؤديا لواجباته تجاه أهـله ومجـتمعه ووطنه، وإلا انقلبت النعمة نقمة، وتحول الأمل ألما، لذا قال الله جل وعلا مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ). إن من أعظم ما يؤرق المجـتمعات في عالم اليوم، ويزعزع طمأنينتها -أيها الإخوة المربون- ما يعرف بظاهرة جنوح الأحداث، موضوع ألفت فيه بحوث، ونوقشت فيه دراسات، ووضعت فيه نظريات، وعرض بعمق في مجالات علم النفس، وعلم الاجـتماع، وفي علوم السلوك الإنساني والجريمة، والمقصود بجنوح الأحداث وقوع من لم يبـلغوا سن الرشد أو من هم دون السن القانونية في انحرافات أخلاقية وسلوكيات إجرامية، إن جنوح الأحداث معضلة حقيقية، وناقوس خطر، إنها معضلة حين تنصرف تلك الطاقات الشابة المتدفقة بالنشاط، التي يعـقد عليها الوطن والأمة الآمال، حين تنصرف إلى الإضرار بأصحابها وبالمجـتمع من حولهم، وإنه لخطر حقيقي أن يعـتاد النشء الانحراف منذ صغره، ويألف ارتكاب الجرائم منذ نعومة أظفاره، فأي خير ينتظره منه وطن وترجوه أمة بعد ذلك إذا ما اشتد عوده ورسخ عموده، وأي جهد يلزم بذله ليعود إلى الجادة ويلزم الهدى؟ إننا بحاجة- إخوة الإيمان- إلى أن نتذكر دائما ما للناشئة عليـنا من واجبات بصفتنا آباء، ومن تأثير بصفتنا مصـلحين ومربين، ومن دور بصفتنا أفرادا في هذا المجـتمع المبارك، حتى نحـفظ أرضنا الطيبة من بذور الفساد والإفساد، ونحمي حمى شبابنا من كل انحراف دخيل، وإجرام خطير.

أيها المؤمنون:

إنه على عاتق الآباء والأمهات تقع المسؤولية الكبرى من أجـل حماية مجـتمعنا من ظاهرة جنوح الأحداث، فالأسرة هي الحضن الأول للنشء، فإن كانت الأسرة أسرة صالحة تراعي إصلاح أبنائها وتقويم سلوكهم، نشأ الأطفال في بيئة صالحة، وتغذوا بالمبادئ السامية، ورضعوا الأخلاق العالية، وإن كانت الأسرة على خلاف ذلك ضعف في الأبـناء داعي الخير، وغاب الموجه الحاني، والرقيب الحامي، (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ).

إن من أعظم ما جاء في التوجيه الرباني- إخوة الإيمان- قول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يوجه الآباء إلى ما يعين على تقويم أبنائهم وإصلاحهم، فيقول صلى الله عليه وسلم: ((علموا أولادكم القرآن، فإنه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو))، ويقول موجها ومرشدا: ((علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع))، فلا بد من الحرص الشديد على صلاح الأبناء، وربطهم بشعائر دينهم وتعاليمه منذ نعومة أظفارهم، كما أنه يجدر بالآباء أن يربوا أبناءهم على تعـظيم الله جل وعلا ومراقبته، وفي خبر لقمان -عليه السلام- مثال حسن لذلك حين قال لابنه وهو يعظه: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)، فبتعظيم الله سبحانه وحسن مراقبته تنمو في الأبـناء الرقابة الذاتية، ويقوى فيهم الوازع الديني، مهما ابـتعد عنهم الموجه والرقيب.

معاشر المؤمنين:

إن أهم مؤسسة يمـكنها أن تحمي أبناءنا من الجنوح، وتغرس فيهم القيم السامية والأخلاق العالية هي المدرسة، فدور المدرسة يتلو دور الأسرة من حيث الأهمية لأنها تسهم في تشكيل عقلية الطفل ووعيه وتركيبته النفسية، وكم من طفل بز أقرانه، واسـتقام سلوكه، وصلح حاله، بسبب توجيه من معلم، أو إرشاد من مدرس، أو اهـتمام ورعاية من مختص في مدرسته، إن دور المدرسة أعظم من مجرد تلقين المعلومات وتفهيم العلوم، إنها بيئة رعاية وتوجيه، وتربية وإصلاح، يتعاون في بنائها الإداري، ومعلم المادة، والقائم على الأنشطة، والأخصائي الاجـتماعي والنفسي، غير أن هذا الدور العظيم قد تختل أركانه إذا ما غاب دور المعلم الغيور، والموجه المشفق، والمرشد المخلص، فيتجه بعض الطلبة بسبب ذلك ونتيجة لعدم التكيف المعرفي أو الاجـتماعي أو النفسي إلى سلوك مسلك التمرد على الاتجاه التعـليمي العام، فتنشأ مجموعات التمرد والفساد في أوساط الطلبة، وتقوم بخلق بيئة للانحراف تجذب إليها كل من تخلت عنه يد الموجه الحاني، والمعلم الباني، وقد تصل درجة الانحراف في مثل تلك المجموعات إلى نشر عادة التدخين وترويج المخدرات والانحلال الجنسي وربما كان للفضاء الإلكتروني دور في ذلك.

إن المسؤولية الواقعة على عاتق القائمين على المدارس والعاملين عليها -أيها الأحبة- لهي مسؤولية عظيمة جدا، لا بد أن تعطى حقها وتؤدى بأمانة وإخلاص، كما أن حسن العلاقة بين البيت والمدرسة له أثر كبير في تفعيل دور كل منهما، فالآباء مسؤولون عن متابعة أبنائهم في مدارسهم وخلق قنوات تواصل مع البيئة المدرسية، فكلكم راع- أيها الأحبة- ومسؤول عن رعيته. فاتقوا الله- عباد الله-، واحرصوا على سلامة مجـتمعاتنا من انحراف الناشئة، وفساد الأحداث، وليكن من دعاء كل أب (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)، وليكن من تضرعه تضرع زكريا عليه السلام حين (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)، وليعوذ أبناءه كما نادت أم مريم البتول ربها (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ). أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.


الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فاعـلموا -إخوة الإيمان والهدى- إن للمجـتمع دورًا لا يمـكن تجاهله في صناعة توجه الناشئة ورسم معالم سلوكهم، وألصق فئات المجـتمع بالفرد وأكثرها تأثيرا هي فئة الأصدقاء والأصحاب، وقد جاء في الحديث: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، فلا بد من مراعاة من يصاحب أبناؤنا، ومع من يقضون أوقات فراغهم، ولا بد من توجيههم إلى كيـفية اختيار أصحابهم، ومعايير بناء صداقاتهم. ومما ينبغي مراعاته إشراك الشباب الناشئ في الفعاليات والأعمال الخيرية التي تهدف إلى خدمة المجـتمع ورعاية المحـتاجين فيه، فبذلك يصـنعون لأنفسهم صحـبة تربطهم بالأهداف السامية والغايات النبيلة، وبذلك ينمو في أنفسهم حب تقديم النفع للغير، وخدمة ذوي الحاجة في المجـتمع، فيكون في سلوكهم ذلك وقاية لهم من الوقوع في ما فيه فساد للمجـتمع أو إفساد له، وهذا الأمر لا يقع- رحمكم الله- على عاتق الآباء فقط، بل هو مسؤوليتنا جميعا بصفتنا مجـتمعا متآلفا مترابطا، فأبناء جارك أبناؤك، وأطفال الحي الذي تسـكنه هم أطفالك، إذ أن فساد أحدهم هو فساد يلحق بمجـتمعك، وضياع أحدهم هو ضياع يصيب بيئة مسـكنك. وأن من خير ما يعين على صلاح الأبناء ربطهم بالمسجد، حضورا لصلاة الجماعة، ومشاركة في خدمته، وتفاعلا مع حلق الذكر فيه، فيتعلق قلب المرء منهم بالمسجد والعبادة، ويرتبط ببيئة المسجد ومجـتمعه، وتحسن علاقته بأهل المسجد من الأقران والجيران، فيسهم ذلك كله في صلاحه، ويجعل منه فردا محبا لمجـتمعه ساعيا لخيره وخدمته، ولا ننسى- رعاكم الله- أن مما يعين على حسن منبت الأحداث ويحميهم من الجنوح والانحراف قوة علاقات التكافل والتلاحم والتراحم في المجـتمع، وذلك حين يحـنو القوي في المجـتمع على الضعيف فيه، ويعين ذو المرة ذا الفاقة، ويعطف الغني على ذي الحاجة، فيشعر أبناء الفقير والمحـتاج والضعيف أن لهم في مجـتمعهم آباء مع آبائهم، وأقرباء من غير أهـليهم، يقضون حوائجهم، فلا تمـتد يد أحدهم بعد ذلك إلى مجـتمعه خائنا، أو إلى حسن العلاقة معه بائنا، فيصـلح المجـتمع بذلك ويقوى.

فاتقوا الله -عباد الله-، وكونوا مجـتمعا متكافلا، متعاطفا، متعاونا، تشمله المودة، وتغشاه الرحمة، وتحـتويه الأخوة، فبيئة الفقر والعوز، والتقاطع والتدابر، والحاجة والجهـل، هي أرض خصـبة لظهور الانحراف، ونمو الجريمة، وانتشار الفساد، (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ).

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).