Randa-New
Randa-New
أعمدة

عطر : صرخة الى رجل حقيقي

12 ديسمبر 2018
12 ديسمبر 2018

 رندة صادق -

من زمن ألف ليلة وكل الحكايا التي عتبت على الزمن المائل، وخبايا الأرواح التي استسلمت لعبودية نرجسية، لا ترى في هذا الكون الواسع الا زاوية هرمة لأفكار شاخت وتخطاها الزمن، لرجل انتظرته امرأة خوفا من وحدة أو خواء حضن، فسقطت بجُب الإهمال. لكل رجل تعمد بماء الغرور وسقته الأيام ماء مقطرا من عوسج، وغابت عوالم حواء عن مجاهل روحه، فخرج للحياة ملبدا بغيوم وعُقد وغربة واغتراب.

لرجل يرغب دائما بامرأة ترتعش كورقة صفراء بهتت ألوانها، وتكسرت تحت نظراته، بيده معول وفي جُمله كرباج، يرميها بهما بلا مقدمات، هويرغب في تأديبها وتحجيمها بثقافة التعالي والفوقية. لرجل لا يعطي دون أن يَمُن عليها بفتات ما فاض من جيبه، فلماذا ترغب في أي شيء بهذه الدنيا وهو الذي يأويها ويطعمها؟ ألا يكفيها انه اختارها وانه انقذها وأنه يشتهيها بمنطق السيد ويعاملها بواقع الجواري.

انه الرجل الحلم الذي قرأنا عنه في سير الأنبياء وفي الروايات، وحدثتنا عن دماثته وطيبته وخفة دمه الجدات، حيث ان معظمهن لم يذكرن صورة منفرة عنه، بل كان في ذاكرتهن الإنطباعية الملاك الذي تأثر بالبشر، يخاطبهن بدلع وينحني بعطف ليستشيرهن أو ليطلب منهن خدمة كان يعتبرها فضلا لا أمرا، هذا الرجل يا سادة لا يعاني نقصا في رجولته بل نضجا يحسد عليه.

الرجولة هي الحنان الفائض والكرم الحاضر والطيبة العاقلة والجدية المحببة والقوة الناعمة الموجودة لتحقق التوازن وليس للإفراط باستخدامها. تعداد سلبيات مثل هذا الرجل سيدفع بالورق والحبر للصراخ في وجهي وباللغة لمقاتلتي، هذا التوصيف ليس تعميما، حيث يوجد رجال ادركوا معنى الرجولة، فحولوا حياة من حولهم الى واحة فرح ومساحات دافئة من الأمان والسلام، وتمكنوا من ازالة الغبار عن عقولهم، وحرروا قيود الأنا وجعلوا من نسائهم ملكات لا جواري، وسيدات يفتخرن بكينونتهن، هؤلاء على كل عاقل ان ينحني احتراما لرجولتهم وادراكا، ان الحياة المتناقضة تمنحنا نماذجا مختلفة تعيش بيننا وتتحرك، أما بتواضع محبب أو بغطرسة مريضة.

الأفكار لا تولد من عدم، بل تولد من رحم مصادفة أو من تقاطعات نعيشها بلا مقدمات، الكاتب يرصد الحدث يقترب من الجرح، ينزف معه ويتبناه ليضمد على طريقته تداعياته، هذا بالضبط سبب ولادة مقال (صرخة الى رجل حقيقي). هذا الرجل حلم كل سيدة شرقية كانت أم غربية، فالمرأة تريد رجلا يجيد الإصغاء ويحترم حاجاتها وتقلباتها. البعض من الرجال والنساء يظنون ان العلاقة بينهما حرب ارادات لا يجب ان يتراجع أحدهما فيها كي لا ينتصر الآخر، فيدمرون العلاقة الطيبة بتناحرغبي، ينتج عنه أولادا مضطربين نفسيا يحملون سلسلة من العقد ، تتوالد مع كل موقف يقومون به، فيكبرون وهم يعانون من التشويش العاطفي ويتصرفون بعدائية مريضة

العنف اللفظي لا يقل شرا عن العنف المعنوي، العالم أطلق حملات توعية كثيرة تؤكد أن المرأة ليست شيئا يملكه الرجل، بل هي شريكة له في كل شيء، وهي ليست تابعا له بل هي موازية له، كلاهما صناع الحياة، كل أمام القانون واحد وأمام الإنسانية واحد، فمتى يعي هؤلاء الرجال فضاحة ما يرتكبونه برعونة وعناد باليان؟. مجتمعنا الإسلامي يضع معاييرا راقية للعلاقة بين الرجل والمرأة، وهي: “المودة والرحمة” ويقول ببساطة حازمة “فامساك بمعروف او تسريح بإحسان” فالإحسان والمعروف هما حدود العلاقة، قاعدة ذهبية من طبقها اتقى الله في نفسه وفي زواجه.

انها صرخة الى رجل حقيقي كي لا ينسى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: “إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم”.