أفكار وآراء

المشهد اللبناني .. والمخاطر الإسرائيلية

11 ديسمبر 2018
11 ديسمبر 2018

عوض بن سعيد باقوير -
صحفي ومحلل سياسي -

لبنان البلد العربي الشقيق الذي يعد منارةً للتعايش المجتمعي وقبلة الثقافة والمعرفة العربية ورائد الصحافة والفكر والنشر والطباعة لسنوات طويلة، لا يزال يرزح تحت جملة من الإشكالات الاقتصادية والمخاطر على حدوده من جانب إسرائيل في جنوب لبنان علاوة على ذلك فإن لبنان ومنذ التوافق على تعيين سعد الحريري رئيسا للحكومة في الرابع من مايو الماضي ولبنان يعمل بحكومة تسيير أعمال، إذ إن الحريري لم يشكل الحكومة الجديدة بعد.

لم يتم تشكيل الحكومة الجديدة بسبب السجال السياسي بين الأحزاب والطوائف اللبنانية وفي ظل أزمة سياسية خانقة تعصف بلبنان، مما جعل المشهد اللبناني أكثر توترا داخليا وعلى حدوده الجنوبية مع إسرائيل، وما ظهر من موضوع الإنفاق والتحقيقات الميدانية بشانها من قبل قوات الأمم المتحدة المعروفة بالانفيل.

وفي ظل عدم اليقين بالنسبة لمسار تشكيل الحكومة اللبنانية فإن هذا البلد العربي يعيش وضعا غير مستقر من خلال وجود قدر من الفراغ الحكومي وعدم التوصل إلى توافقات سياسية بين الفرقاء اللبنانيين حول توزيع الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، ومن هنا يدخل لبنان في مناخ سلبي من عدم الاستقرار وهي حالة تتكرر كثيرا للأسف الشديد.

الحالة المتكررة

تعد ظاهرة الفراغ الحكومي وحتى الفراغ الرئاسي مسألة تتكرر في التاريخ اللبناني الحديث وبالتحديد خلال السنوات العشر الأخيرة حيث يتطلب تشكيل الحكومات عدة أشهر. فحكومة تمام سلام والتي كانت الرابعة في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان تطلبت 11 شهرا حتى ترى النور في فبراير عام 2014 بينما أخذت حكومة نجيب ميقاتي التي سبقتها تشكلت بعد خمسة أشهر. كما أن حكومة الحريري الأولى في عهد الرئيس ميشال عون تشكلت بعد شهرين وأسبوعين في جو من التوافق بين الفرقاء السياسيين، ومن هنا تتعدد العوامل والأسباب التي جعلت من تأخير تشكيل الحكومات اللبنانية إلى عوامل داخلية وأخرى خارجية، وهو أمر يعقد المشهد اللبناني كما حدث مؤخرًا في المشهد العراقي الذي لا تزال بعض أعضاء حكومته غير معتمدين من البرلمان العراقي

ان وجود الحكومة اللبنانية هو أمر مهم لاستقرار لبنان، والذي يحتاج الكثير من العمل على صعيد التنمية وحل عدد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية كما أن التحدي على حدوده الجنوبية هي مسألة في غاية الخطورة، حيث اندلعت حربان بين إسرائيل وحزب الله الأولى عام 2000 والثانية عام 2006 وقد تم دحر القوات الإسرائيلية المعتدية في الحربين إلى حد كبير، برغم الخسائر التي لحقت بالبنية الأساسية والاقتصاد اللبناني بسببها. الحالة اللبنانية المتكررة المتسمة بالجمود السياسي والخلافات بين الكتل السياسية هي مسألة تضاعف من مشاكل لبنان، خاصة في ظل الاستقطاب بين قوى الرابع عشر من مارس، وهو تحالف سياسي يتكون من عدة أحزاب بقيادة سعد الحريري، وقد جاء هذا التحالف في أعقاب اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري وبين تكتل الثامن من مارس المكون من عدة أطراف أبرزها حزب الله وقوى أخرى إسلامية ومسيحية. كما أن هناك أطرافا أخرى مستقلة بالطبع. ويعد المشهد السياسي اللبناني من المشاهد المعقدة حتى على الصعيد العربي وهذا ناتج من الدستور الذي وضع في أعقاب الاستقلال من فرنسا عام 1943 وهو دستور يرتكز على الصيغة الطائفية والتي توافق عليها اللبنانيون منذ ذلك التاريخ، والتي تتأثر أيضا بحجم الخلافات بينهم ومدى عمقها واتساعها.

التأثيرات الخارجية

لعل اللبنانيين ورغم الخلافات والسجال السياسي يستطيعون الوصول إلى توافق سياسي وتشكيل الحكومة الجديدة، ولكن تظل العوامل الخارجية هي من أبرز العقبات من خلال الدور الإقليمي والعربي والدولي فلبنان تعد دولة في وضع جغرافي حساس فهي تشترك في حدود برية مباشرة مع إسرائيل من الجنوب وهناك حدود برية مع سوريا علاوة علي وقوعها على ساحل البحر الأبيض المتوسط ووجود بيروت كمركز ثقافي وإعلامي وتنويري مهم علاوة على أن هناك أراضي لبنانية لا تزال محتلة من قبل إسرائيل خاصة مزارع شبعا.

وعلى ضوء الوقع السيو-استراتيجي للبنان والحالة الطائفية فيه والجوار مع سوريا وإسرائيل كان الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة ووجود القوات الدولية هو الذي جعل الحدود اللبنانية تميل إلى الهدوء منذ 12 عاما بعد حرب 2006 وعلى ضوء ذلك فإن التدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية هي السبب الأساسي في عدم تشكيل الحكومات اللبنانية بشكل عام، وهذا يضع عبئا سياسيا كبيرا على المشهد اللبناني ويجعله أسير تلك المواقف المتناقضة للأطراف الخارجية.

إن لبنان بحاجه ماسة إلى الاستقرار الحكومي وإلى إعادة الحياة السياسية؛ لأن ذلك مصلحة وطنية للشعب اللبناني فالاستقرار في لبنان أيضا مصلحة عربية ودولية خاصة وأن لبنان عانى الأمرين خلال العقود الماضية ولا نزال نتذكر الاجتياح الإسرائيلي لبيروت وما نتج عن تلك من تدمير ومآسٍ إنسانية وتعقيدات سياسية والتي انتهت أيضا بخروج قيادات منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس عرفات من بيروت إلى تونس، حيث تعد نتائج الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 بمثابة شرارة على أن الوضع في لبنان يحتاج إلى استقرار ووحدة الجبهة الداخلية وعلى ضوء تلك الأحداث فإن الاستقرار السياسي وتشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري هي ضرورة وطنية وهو الأمر الذي يحتم على الفرقاء اللبنانيين والشخصيات السياسية المؤثرة كرئيس مجلس النواب اللبناني نبية بري أن يتم حسم موضوع تشكيل الحكومة وأن يكون للرئيس ميشال عون الدور الأهم في إيجاد توافقات سياسية بعيدا عن التدخلات الخارجية والتي عادة ما تعقد المشهد اللبناني.

قيمة فكرية كبيرة

لبنان البلد العربي هو منارة ثقافية وفكرية وهو بلد منفتح على كل الثقافات والتنوع العرقي والإنساني ومن هنا فإن استقرار لبنان هو أمر في غاية الأهمية، حيث تعد العاصمة بيروت بمثابة باريس الشرق وهناك قيمة فكرية كبيرة للبنان، حيث نشأت الصحافة العربية من خلال المثقفين والناشرين اللبنانيين، وهناك صناعة السينما ودور النشر، وسقف الحريات المرتفع في لبنان، علاوة علي وجود المفكرين والمؤرخين والشخصيات السياسية البارزة، والتي انتزعت الاستقلال من فرنسا.

ورغم أن لبنان صغير المساحة والسكان إلا أن له خصوصية حضارية منذ عصور عديدة، كما أن هناك ارتباطا حضاريا مع السلطنة من خلال مدينتي صور في جنوب لبنان ومدينة صور في محافظة جنوب الشرقية بالسلطنة، كما أن التماس الحضاري مع دول البحر الأبيض المتوسط ومع مصر وسوريا و فلسطين وبقية دول الإقليم يعطي لبنان ميزة نسبية من خلال ذلك التماس الحضاري وهذا ما يجعل لبنان حالة ذات قيمة فكرية وحضارية عالية لابد من الحرص عليها من خلال دور عربي فاعل للمحافظة على استقرار لبنان ودعمه سياسيا واقتصاديا حتى يبقى دائما البوابة الثقافية والحضارية مع بقية الدول العربية. وهذا يعيدنا مجددا إلى خطورة بقاء لبنان دون حكومة جديدة منذ منتصف شهر مايو الماضي أي مدة زمنية تقترب من سبعة أشهر وهو فراغ حكومي له تأثير مباشر على الخدمات والحياة اليومية في لبنان، علاوة على الخطط التنموية والتي تحتاج إلى موازنات والى استقرار حكومي لا غنى عنه. وفي ظل السجال السياسي اليومي والذي تعكسه الصحافة اللبنانية المميزة فإن إنهاء هذا الفراغ الحكومي في لبنان لابد أن ينتهي ويتم تشكيل الحكومة الجديدة، وفق التوافقات المتعارف عليها خاصة من قبل الكتلتين الأكبر المشار لهما مع وجود بعض القوى المستقلة، وبدون إيجاد حل توافق لبناني داخلي فإن التدخل الخارجي سيشكل حجر عثرة لانتقال اللبنانيين إلى مناخ من الاستقرار والازدهار.

إن المخاطر على الحدود الجنوبية للبنان هي مخاطر حقيقية من قبل إسرائيل المتربصة بلبنان، كما أن الوضع في سوريا وتداعياته يؤثر على لبنان، وهذه الإخطار تحتم على الشخصيات اللبنانية تدارك الموقف وإنهاء الانسداد السياسي والإعلان عن تشكيل الحكومة وبدء العمل الوطني الذي من خلاله تتجنب لبنان أي مخاطر محتملة، وتدور عجلة الإنتاج والخدمات التي يحتاجها المواطن اللبناني خاصة في مجال الكهرباء والتي تشهد مشكله حقيقيه منذ سنوات.

لبنان العربي الشقيق بحاجة إلى دعم أشقائه وإيجاد مخرج توافقي لإنهاء الأزمة السياسية وان تكون مصلحة لبنان هي فوق كل اعتبار حتى لا يدخل لبنان إلى نفق معقد يصعب الخروج منه، خاصة في ظل الإشكالات القائمة والاحتقان السياسي لدى أكثر من طرف. ومن هنا تبقى الإرادة السياسية للفرقاء والإحساس بأهمية تشكيل الحكومة هي الخطوة الأساسية في هذه المرحلة الحساسة.