aan
aan
أعمدة

الفكر الممتنع

09 ديسمبر 2018
09 ديسمبر 2018

آن بنت سعيد الكندية -

Twitter: @AnnAlkindi -

ما أجمل البساطة رغم امتناعها، حاجتنا إليها تزداد كلما تعقدت المصطلحات بطرحها الثقيل علينا، فبناء السيناريوهات المستقبلية والتخطيط الاستراتيجي مصطلحات أنوي طرحها ببساطة. كلماتي أوجهها لمن يبحث في كتب تطوير الذات عله يكتشف أسرار النجاح. معلومات كثيرة أصبحت متاحة وفي صيغ مختلفة مكتوبة ومرئية إلا أن أيا منها لا يصنع منك مخططا متمرسا، فهذه جميعا أدوات تخطيطية مثلها مثل التحليل الشهير لمواضع القوة والضعف والفرص والتهديدات، الأهم هو الفكر الاستراتيجي قبل أداوته.

أن ترى بنظرة شاملة بزاوية درجتها 360 آخذا بالاعتبار التفاصيل الدقيقة والصورة الكلية للمؤسسة التي تعمل بها وللبيئة المحلية ثم ترتفع بنظرتك الى الظروف الإقليمية وصولا الى قراءة أحداث الملف العالمي رابطا بينها جميعا. كل هذه مهارات تحسب أنك قادر عليها بالقراءة ومتابعة التحليلات لكن الصورة ناقصة. هناك كتب كثيرة ومحاضرات ودورات تدريبية يمكن أن تدلك على معنى الفكر الاستراتيجي، إلا أن ذلك لا يصنع منك مفكرا استراتيجيا. إذا ما هو السر؟

الفكر الاستراتيجي هو أسلوب حياة يُبنى على مراحل عمرية ولا يكتسب في يوم وليلة. قراءات متراكمة ومتنوعة تجارب حياة عميقة أهداف جريئة تضعها لنفسك وقبلها صدق مع نفسك يجرد حقيقة الواقع إذ إن التنبؤ المستقبلي وهو إحدى نتائج الفكر الاستراتيجي يتطلب القدرة على الرؤية كالقدرة على تكبير وتصغير عدسة كاميرا التصوير. كيف تصل إلى نظرة موضوعية مجردة مترفعا عن الشخصنة والصور النمطية وسرعة إصدار الأحكام على المواقف والأشخاص إلا إذ عملت على تهذيب نفسك. هذه نصائح لن تجدها في كتب التخطيط الاستراتيجي. إن أجمل ما تعلمته في دورة تدريبية حضرتها في جامعة أكسفورد لبناء السيناريوهات أن تتبنى منهجية التعلم كن تلميذا دائما منصتاً ملاحظا دقيقا. الميدان سيد المعلمين حتى تكون مخططا استراتيجيا وتنمي فكرك فلابد من ممارسة وقدرة على التواصل مع الجميع والعمل بروح الفريق فبناء السيناريوهات التي برعت بها شركة شل منذ السبعينات تعتمد على انتقاء دقيق للمشاركين وتنوع مدروس لخلفياتهم المهنية. تخيل أن تتحدث إليك عالمة في الفيزياء وأنت في خضم تحليلات سياسية واقتصادية لتخبرك كيف أن المنهجية الاكسفوردية لبناء السيناريوهات علم يخدمهم فبدأوا يشركون تخصصات أخرى فتحت لهم آفاقا جديدة لم يعرفوها من قبل عندما كانوا فقط يختلطون بنفس تخصصاتهم وان الثورة الصناعية الرابعة اختصرت لهم الوقت الكثير في العمليات الحسابية التي كانت تأخذ سنينا من العمل مما يسرع من رتم الاستكشافات، فهي ترى بتواضعها أن الإنسان لا يعلم شيئا في كون الله. وعلى خلاف ما قد يعتقده الجميع فإن هذه العالمة تدعوا الى استخدام الحدس لتحديد التوجهات وألا تقتل حدسك الفطري بالعلم. إن الحدس ملكة تُنمى بالقدرة على الانصات الداخلي وما لا قد تجده في أفضل الكتب مبيعا أن التأمل الموجود في الثقافات الشرقية الآسيوية والعربية هو إحدى وسائله. التأمل جانب هام في الإسلام لم يأخذ حقه من الإبراز فكم من آية وردت في القرآن الكريم (أفلا تتفكرون) فلم يرد (أفلا تفكرون) فهناك فرق كبير بين التفكر والتفكير. وعودة إلى موضوع بناء السيناريوهات فإن الفكر الاستراتيجي مرتبط ارتباطا قويا بالقيادة وأحد أهم شروطها ومن انشغل بالأمور التشغيلية ضاعت عليه الصورة الكلية. فكلما علت مهمتك القيادية قلّت أعمالك الفنية التشغيلية. كما أن القدرة المتفردة على طرح الأسئلة أحد مهارات الفكر الاستراتيجي لذا من أهم شروط حلقات عمل بناء السيناريوهات توفر الأريحية للمشاركين لطرح الأسئلة أيا كانت دونما حرج أو تحفظ فكما يقول بيتر دراكر (أكثر مصادر الأخطاء الإدارية شيوعاً لا يكمن في عدم الحصول على الإجابات الصحيحة، إنما الفشل في طرح الأسئلة الصحيحة، فليس هناك ما هو أخطر من إجابة صحيحة على سؤال خاطئ). ويذكر الكتاب الذي يعدك لدورة تدريبية بناء السيناريوهات أن الكتابة من مهارات الفكر الاستراتيجي وبالأخص السرد القصصي فالكتابة تصقل القدرة على تنظيم الأفكار، والخيال تمكنك من التفكير خارج الصندوق.

كان ذلك مدخلا بسيطا انتهزه لتهنئتكم بالعام الجديد، مذكرة نفسي وإياكم بضرورة التخطيط ووضع الأهداف منطلقين من سعي مستمر لتنمية الفكر الاستراتيجي مستنيرين برأي من نستشيره فالأهداف تبقى والخطط تتغير بتغير الظروف آخذين بالأسباب وكأنها كل شيء متوكلين على الله وكأنها لا شيء فذلك حق التوكل كما شرحه النابلسي، كل عام والجميع بخير.