أفكار وآراء

مستقبل الصناعة القطرية

08 ديسمبر 2018
08 ديسمبر 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

ليست هذه هي المرة الأولى التي تعرّف فيها العمانيون على المنتجات الصناعية القطرية، فقد سبق لهم التعامل مع المنتج القطري من خلال المعارض الثنائية التي أقيمت في كل من قطر ومسقط خلال السنوات الماضية وكذلك المعارض الخليجية وغيرها التي تقام بين الفينة والأخرى، ولكن هذه المرة كان الوضع مختلفا، فالكل كان يشيد بعدد ونوعية وحجم المصانع التي أشيدت في قطر الشقيقة خلال السنوات الماضية في إطار التسهيلات والحوافز التي تقدمها الجهات المعنية للمستثمرين ورجال الصناعة ورواد الأعمال الذين تمكنوا من إقامة تلك المؤسسات الصناعية الصغيرة والمتوسطة في خلال فترة وجيزة من الزمن.

إن النظرة السريعة على نماذج الصناعات القطرية التي تم عرضها في «معرض صنع في قطر» خلال الأسبوع الماضي بمركز عمان للمعارض والمؤتمرات تستحق الإشادة بجودتها سواء أكان ذلك يشمل منتجا غذائيا أو إسمنتيا أو قطنيا أو بتروليا أو غيره من المنتجات الأخرى، فالمعرض الصناعي القطري الذي افتتح تحت رعاية معالي يحيى بن سعيد الجابري رئيس الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات - رئيس مجلس إدارة هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وبحضور معالي علي بن أحمد الكواري وزير التجارة والصناعة القطري والمسؤولين في الغرف التجارية والصناعية في البلدين ولمدة أربعة أيام متتالية تميّز بالتكامل في الصناعات المنتجة في عدة مجالات حيوية، الأمر يؤكد أن قطر ماضية في العملية الصناعية والإنتاجية، وتمكنت أيضا من استغلال قطاع الطاقة لديها بصورة إيجابية، وذلك بتحويل مادتي النفط والغاز إلى عدة صناعات جديدة منها الصناعات البتروكيماوية، في الوقت الذي شهد هذا القطاع تصنيع منتجات أخرى في مجال الفولاذ والحديد وأدوات خشبية وبلاستيكية بالإضافة إلى صناعات المنتجات الغذائية التي تبحث جميعها اليوم عن وكلاء لها بعدما تمكنت من رفد السوق القطري بكل ما يحتاجه المستهلك من هذه المواد، خاصة في الظروف السياسية التي تمر بها حاليا.

عندما ذهبتُ إلى المعرض في اليوم الثاني من افتتاحه شاهدت طابورا طويلا من العمانيين من الشباب ورجال الأعمال والرواد والتجار والصناعيين من الجنسين قدموا لزيارة المعرض للتعرف على المنتج القطري عن قرب، حيث كانت منصة الإقبال مزدحمة للحصول على بطاقة الدخول لهم، الأمر الذي يؤكد بانفتاح المواطن العماني على المنتجات الخليجية بصفة عامة والقطرية بصفة خاصة. فالمعرض كان بمثابة فرصة لالتقاء رجال الأعمال العمانيين والقطريين معًا لمناقشة الفرص الاستثمارية الكبيرة، خاصة أنه يعتبر الثاني من نوعه تقيمها دولة قطر بمسقط خلال السنوات القليلة الماضية، وبذلك جسّد حرص البلدين الشقيقين على توطيد أواصر التعاون الثنائي لإرساء مشروعات استثمارية وتجارية تخدم التوجهات التنموية للبلدين مستقبلا. كما أن هذا الحدث يؤكد نجاح النظرة القطرية بدعم الصناعات الوطنية لها والترويج للمنتج الوطني في الأسواق المحلية والخارجية ليكون الجميع في المنطقة على علم بالتطور والتقدم الذي حققه قطاع الصناعة في هذه الدولة. فمعظم الصناعات القطرية التي تم عرضها بمسقط كانت صناعات مهمة للإنتاج المحلي والتصدير إلى الخارج، ومن خلال العقود التي تمت في هذا الإطار بين التجار العمانيين والقطريين، فإن ذلك سوف ينتج عنه تعزيز مزيد من التعاون في مجال الاستيراد والتصدير في السنوات المقبلة ويساعد ذلك الدخول في شراكات واتفاقات ثنائية.

إن إقامة «معرض صنع في قطر» بصورة جاذبة واختيار المنصات الحديثة لأجنحة الشركات المشاركة من واقع البيئة القطرية تؤكد أن القائمين على المعرض بذلوا جهودا كبيرة في تنظيمه لكي يخرج بهذه الصورة الجمالية الرائعة، بجانب ما تضمنه من صناعات متنوعة بعضها عرضت لأول مرة. ولقد تعرف العمانيون من خلال هذا المعرض على منتجات 240 شركة صناعية قطرية تعمل في خمسة قطاعات صناعية مهمة، وهذه الصناعات تشكّل اليوم دعامة للاقتصاد القطري وتقلل الاعتماد على الاستيراد الخارجي، خاصة في أوقات الأزمات.

إن الشراكة العمانية القطرية قديمة العهد، وشهدت قفزات كبيرة في فترة الثمانينات خاصة في المجالات الاقتصادية عند تأسيس منظومة مجلس التعاون الخليجي عام 1981. وخلال العقود الخمسة الماضية تم توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين الشقيقين، الأمر الذي أدى إلى تعزيز التعاون في العديد من المجالات التجارية والاقتصادية والصناعية والثقافية والرياضية والفنية.

وفي هذا الإطار تم أيضا تعزيز التعاون الاستثماري، وتأسيس عدد من الشركات المشتركة بين البلدين منها الشركة العمانية القطرية التي تلعب دورا رائدا في مجال تأسيس المشروعات المشتركة بين البلدين.

وخلال العامين الماضين، ونتيجة للأوضاع السياسية السائدة، والظروف المستجدة على الساحة الإقليمية بالمنطقة، فقد عزّز رجال الأعمال العمانيين والقطرين لقاءتهم، الأمر الذي أدى إلى إيجاد نوع جديد من التعاقدات والشراكات الاستثمارية الدائمة، نتج عنها تعزيز التعاون في قطاع التجارة الخارجية من خلال تصدير المواد والسلع الغذائية والاستهلاكية لتصبح السلطنة واحدة من الدول المصدرة للسلع والمنتجات وإعادة التصدير، كما أن هناك اليوم تعاونا كبيرا في إطار التسهيلات المتوفرة في المناطق الصناعية والحرة في البلدين لتشمل عددا من القطاعات الإنتاجية والصناعية، بالإضافة إلى التعاون في المجالات العلمية والبحثية، والمساهمة في تمويل المشروعات التنموية في السلطنة، منها إقامة مشروع لتجميع المعدات والسيارات في مدينة الدقم الاقتصادية الحرة التي أصبحت اليوم واحدة من كبريات المناطق الصناعية والخدمية في المنطقة.

وعلى هامش هذا المعرض فقد تم تنظيم «المنتدى الصناعي» الذي استهدف إلى مناقشة كل ما يهم تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين وسبل زيادة الاستثمارات المشتركة والمتبادلة، خصوصا في القطاعات الصناعية، وكيفية الاستفادة من الصناعات القطرية والعمانية في تعزيز التجارة البينية، واستعراض الفرص الاستثمارية المتاحة في كلا البلدين، وتشجيع رجال الأعمال القطريين والعمانيين على إقامة مشروعات مشتركة تخدم الواقع الاقتصاديْ بين البلدين الشقيقين.

ولقد سبق تنظيم هذا الحدث عقد عدة اجتماعات بين المسؤولين في الجهات المعنية وبين الغرف التجارية في البلدين الشقيقين، في حين فإن المعرض والمنتدى الأخير ساهما في طرح مجموعة من الفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات الصناعية والإنتاجية أمام رجال الأعمال القطريين والعمانيين، مما يدعم تنفيذ مشروعات واستثمارات جديدة وكبرى في كل من السلطنة ودولة قطر خلال السنوات المقبلة، بجانب تعريف المجتمع العُماني بالمنتج القطري، وفتح أسواق خارجية جديدة أمام الشركات القطرية بصناعاتها المتنوعة الكبيرة والصغيرة. ومما لا شك فيه فإن المنتدى ركز على الفرص الاستثمارية المتاحة في بعض القطاعات كالتعدين، والأسماك والبيئة والقطاع اللوجستي والسياحة، وجميعها تحتاج إلى استثمارات وإمكانات كبيرة، الأمر الذي يمهّد لإنشاء تحالفات وصفقات تجارية بين الشركات القطرية ونظيرتها العمانية خلال السنوات المقبلة، مما سيفتح الطريق أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة أيضا للانطلاق إلى الأسواق الإقليمية والدولية مستقبلا، وأتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تبادل المزيد من الزيارات بين ممثلي الحكومة والقطاع الخاص في كلا البلدين بهدف تعزيز وزيادة حجم الاستثمارات والتبادل التجاري، وتعزيز العلاقات في القطاع اللوجستي من خلال تسيير المزيد من البواخر والطائرات بين البلدين.

وهناك فرص لإجراء المزيد من الدراسات لإنشاء المصانع الغذائية والصناعات الأخرى ليستفيد منها أبناء المنطقة الخليجية عموما، بجانب الاستثمارات القطرية العمانية القائمة اليوم في قطاعات الكهرباء، وتجميع السيارات، وقطاع الاتصالات، والمواد الغذائية، والقطاع السياحي وغيرها.