أفكار وآراء

العلاقات الألمانية الأمريكية.. ومشكلات متزايدة!!

07 ديسمبر 2018
07 ديسمبر 2018

سمير عواد -

صباح كل يوم يستعرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجمل القضايا المحلية والعالمية الملحة مع مستشاريه ويتم التركيز حول علاقات بلاده مع دولة معينة إذا كان ترامب يعتزم زيارتها أو أنه سيستقبل زعيم الدولة المعنية بعد ساعات قليلة في البيت الأبيض. وقد تسربت ورقة سرية إلى وسائل الإعلام الألمانية قبل فترة قصيرة، كشفت عن رؤية ترامب لعلاقات بلاده مع ألمانيا قبل الزيارة الأخيرة التي قامت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى واشنطن في 26 أبريل 2018، التي كانت تحتل مكانة معينة بين حلفاء واشنطن في أوروبا الغربية في عهد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية السابقين والثانية بعد بريطانيا، قبل أن تغيرت هذه الرؤية بعد مجيء ترامب حيث تدهورت العلاقات بين البلدين بشكل ملحوظ.

وجاء في الورقة ما يدور في عقل ترامب ومستشاريه عن ألمانيا التي يرونها قزماً سياسياً ولكن عملاقاً اقتصاديا، وأنها ثاني أكبر بلد مصدّر للبضائع في العالم بعد الصين وتميل مبادلاتها التجارية مع دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية لصالحها، والبطالة فيها الأكثر انخفاضا في أوروبا. ومن السلبيات بحسب ترامب ومستشاريه، أن ألمانيا لا تقدم مساهمات مالية لحلف شمال الأطلسي «ناتو» كما يتمنى ترامب لتصبح 2% من قيمة إنتاجها المحلي الإجمالي لها.

هذا مجرد مثال على التغير الذي طرأ على العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا بعد بدء عهد ترامب. وكان فرانك فالتر شتاينماير الرئيس الألماني الحالي عندما كان يشغل منصب وزير الخارجية في الأسابيع الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد صرح بقوله: سوف نبكي عندما يذهب أوباما. وكان ذلك تعبيراً عن غضب الألمان بسبب الاستفزازات التي صدرت عن ترامب ضد ألمانيا خلال الحملة الانتخابية ولاسيما انتقاده سياسة ميركل تجاه اللاجئين وتحميلها مسؤولية الاعتداءات التي ارتكبها لاجئون في ألمانيا مشيراً إلى أن سياستها ساعدت في تسلل «إرهابين» إلى ألمانيا وأوروبا، حيث يمارس اليوم سياسة تجاه اللاجئين من أمريكا الجنوبية الذين يحاولون اللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية عبر الحدود مع المكسيك ويستخدم موقفه المتشدد نحوهم في تدعيم حملته الانتخابية لولاية جديدة في منصبه على حساب الفقراء الذين لا يريدون أكثر من العيش حياة كريمة في الولايات المتحدة الأمريكية التي يعد العدد الأكبر من سكانها من المهاجرين.

وقد أسفرت المواقف السلبية لترامب تجاه ألمانيا عن اتخاذ الرأي العالم الألماني موقفاً سلبياً منه، حتى أن سكان بلدة «كالشتادت» بولاية «راينلاند بفالز» المشهورة بزراعة العنب، التي ينحدر منها أجداده، قالوا: إنهم لن يكونوا سعداء إذا قرر يوماً ما زيارة البلدة. لكن مؤسسة «كوربر» البحثية أجرت عملية استقراء للرأي العام لمعرفة حكم الألمان على ترامب وجاء في استنتاجها أن لدى الألمان الكثير من الأسباب ليدينوا بالشكر والعرفان للولايات المتحدة الأمريكية. فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية التي ساعدتهم في التخلص من النظام النازي وأعادت تعمير بلادهم بعد كل الدمار الذي لحق بها في الحرب العالمية الثانية.

وبينما لا تزال ميركل تجد صعوبة كبيرة في التعامل مع ترامب خلافاً لعلاقتها الجيدة مع الرئيسين الأمريكيين السابقين جورج دبليو بوش الابن وباراك أوباما، تلقى ترامب بسرور خبر إعلان المستشارة الألمانية قرارها بالتنحي عن زعامة الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه في ألمانيا منذ عام ألفين، وبحسب تحليل مستشاريه في البيت الأبيض فإن هذه الخطوة سوف تؤدي لإضعاف ميركل وأبلغوه أن الائتلاف المسيحي- الاشتراكي في برلين لا يحظى بتأييد واسع من قبل الناخبين الألمان وقد ينهار قبل إكمال ولايته الدستورية في نهاية عام 2021.

وأصبحت قائمة الخلافات بين البلدين- أمريكا وألمانيا- طويلة، منها الموقف تجاه إيران، حيث تريد ألمانيا إنقاذ الاتفاق النووي وترى أن إلغاءه يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في العالم، وانتقدت ترامب عندما قرر نقل مقر سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، كما أنها تحذر من قيام حرب تجارية عالمية، وانتقدت انسحاب واشنطن من اتفاقية المناخ الموقعة في باريس. من جانب آخر يعارض ترامب بشدة استثمار ألمانيا في مشروع «نورد ستريم2» للتزود بالغاز الطبيعي من روسيا ويريد ان تستورد ألمانيا الغاز الصخري الأمريكي، كما هدد مراراً بفرض رسوم جمركية على السيارات الألمانية التي تصدرها ألمانيا إلى السوق الأمريكية ويصر على نقل مصانع الإنتاج من مكسيكو إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وتُشكل الهجرة خلافاً جذرياً بين ترامب وميركل. فبعد وقت قصير على انتخابه في منصبه، صرح ترامب لصحيفة البولفار الألمانية «بيلد»: لقد ارتكبت ميركل خطأ كبيراً عندما سمحت بدخول آلاف اللاجئين إلى بلادها بصورة غير مشروعة. وفي المقابل لا تعتقد ميركل أن قرار ترامب بناء سور فاصل على حدود بلاده مع المكسيك سوف يقف تدفق اللاجئين إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ويلاحظ المراقبون للعلاقات الألمانية- الأمريكية أن الأمور بين البلدين لم تعد كسابق عهدها بعد مجيء ترامب وأكدت ذلك عملية استقراء الرأي التي أجرتها مؤسسة «كوربر» في برلين، السابق الإشارة إليها، حيث اعتبر غالبية المشاركين في الاستفتاء أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت بعد فرنسا أهم شريك لألمانيا لكن التأييد كان أقل بسبب ترامب ويرون أن سياساته تثير القلق فهو يسعى لتدمير علاقات بلاده مع العالم ويُثير الأزمات بدلاً من السعي إلى حلها. والهاجس الذي يُقلق غالبية الألمان هو أن يفوز ترامب بولاية ثانية في منصبه في انتخابات عام 2020 ولا تبدو فرصته ضعيفة أبداً في ضوء عدم وجود منافسة قوية له من قبل الحزب الديمقراطي إلا إذا قررت ميشيل أوباما عقيلة الرئيس الأمريكي السابق تحديه.