Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :الثروة والسلطة..

07 ديسمبر 2018
07 ديسمبر 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

إن كان هناك من تلازم موضوعي بين أي عناوين من العناوين المهمة في حياة البشر، فلا أدل على ذلك أكثر من الثروة والسلطة في هذا التلازم؛ حيث لا يمكن أن تنفصل إحداهما عن الأخرى، ولا يمكن أن تقوى إحداهما على الأخرى، ولا يمكن أن يشيد الناس بإحداهما دون الأخرى، قد تؤسس إحداهما للأخرى، وقد تكون لإحداهما صلاحيات أكثر من الأخرى، ولكن في نهاية المطاف تلتقيان عند مرتكز واحد، وتسيران في طريقين يكادان يكونان متوازيين، وتكاد سرعتهما متقاربة الى حد ما، ولكن أسوأ ما في هذه العلاقة العضوية، أن تتحمل كلتاهما مآسي الأخرى، وتدفع كلتاهما فاتورة الأخرى، وهذه في حد ذاتها ضريبة على كلتيهما أن تتحملا ذلك.

يأتي في التعبير الدارج: «إن لم تكن حوتا، أكلتك الحيتان» وبالتالي فمتى تصل الى هذه الصورة المخيفة لـ «الحوت» عليك أن تكون أحد ركني هذه المعادلة: الثروة أو السلطة، وبدون ذلك ستظل من حاشية أسماك «السردين»، «فلا نجدا بلغت ولا كلابا» وبالتالي فلا تحاول أن تقنع من حولك من أنك أحد المساهمين بقوة المعرفة؛ على سبيل المثال؛ في المجتمع، ولا ترتكن كثيرا على نقاء النسب وسموه «فليس الفتى من يقول: كان أبي» وعلى تاريخ القبيلة، فهذه كلها صور متهالكة «أكل عليها الدهر وشرب» وعزفت عليها الـ «ربابة» الاجتماعية؛ وربما لا تزال؛ وطبيعة البشر النسيان، والعيش على الصورة الاحتفالية للواقع؛ لا غير؛ وبالتالي فمتى تناسل النسب منذ ذلك الزمن البعيد، يختزل هنا في وجود «الثروة والسلطة» وقانون الحياة؛ كما هو معروف: التبدل والتغير، وعدم الثبات، ويستحيل مطلقا أن تظل حالة الإنسان مستمرة بنفس التوهج والحضور الى أبد الآبدين، وبالتالي هذا التغير له استحقاقاته على واقع الناس، ولكم؛ بحكم المعايشة؛ رأينا أسرا كان لها صوت، وهيبة، وتطاول، وتأثير في محيط مجتمعها، طوى الزمن أفرادها واحدا تلو الآخر، ومن تبقى منهم فحاله كمن يمشي على «عكاز».

« الثروة والسلطة.. » هي حالة إنسانية بامتياز، لا خلاف على وجودها، ولا خلاف أيضا على تقهقر أفرادها بحكم مجريات الزمن، وتقلبات الظروف، ولكن متى وجدت في أي زمن، تظل لها مساراتها التي هيأ لها البشر؛ أنفسهم؛ طرقها وميادينها، وأعطوها فرصة التأثير في محيطها، لا يختلف في ذلك الموقع، أو الجنس البشري، فحالة البشر في التعامل معها، في الغرب كما هو في الشرق، وفي الجنوب، كما هو في الشمال، فالبشر هم البشر، يذهب بهم الطموح الى الحصول عليهما، أو أي واحدة منهما، بنفس الأحلام والطموحات والوسائل، ومن يقف دون تحقيق ما يريد، فذلك آخر ما يقدر عليه، فليس ذلك زهدا، ولا قناعة، وإنما قلة حيلة، وكما هو المثل: «فكل مهيأ لما خلق له».

«الثروة والسلطة..» عنوان كبير من عناوين الحياة، ولعله في مقدمة كل العناوين، لأنه ملازم للفطرة، نقرأ هذه الفطرة في سلوكيات الأطفال من حولنا، عندما يتقاتلون على تمثيلهما بممارسات فطرية لا تكلف فيها، ولا تمثيل، حيث تأتي تلك النزعة السلوكية نحو التملك، والسيطرة بكل ما أوتوا من قوة، ولو أدى ذلك الى الاقتتال فيما بينهم، وهم في سن لا يدرون الخبايا المرتبطة بكل من «الثروة والسلطة..» وتكبر هذه الصورة في الذاكرة، وتتموضع، وتأخذ مكانها المتسع على امتداد النفس البشرية، وعندما تتبين ملامح الحياة أمام من كان صغيرا؛ حيث يصل من العمر «عتيا» تبدو عندها الصورة بعيدة المنال، فالأمر ليس يسيرا، ومتى تيسر الأمر بطريقة أو بأخرى تعود «الثروة والسلطة..» لتفعل فعلتها سلبا أو إيجابا، على حسب النفس البشرية إما صلاحا وإما طلاحا، حسب رحمة الله تعالى بعباده.