loay
loay
أعمدة

الموازنات العامة لدول المجلس.. التوقعات والتحديات

04 ديسمبر 2018
04 ديسمبر 2018

لؤي البطاينة -

[email protected] -

حتى الآن أعلنت دولتان من دول مجلس التعاون (السعودية والإمارات) عن أرقامهما الأولية لموازنة عام 2019. الأولى أصدرت موازنة مبكرة من حيث التوقيت بإجمالي إيرادات تصل إلى 978 مليار ر.س. في عام 2019، بزيادة قدرها 11٪ مقارنة مع عام 2018. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي نفقات الموازنة لعام 2019 سيصل إلى 1.106 مليار ر.س. (بارتفاع نسبته 13%) ومن المتوقع أن يصل عجز الموازنة لعام 2019 إلى 128 مليار ر.س. وتوقعت الحكومة أن تواصل تمويل العجز عن طريق إصدارات الدين، والذي من المتوقع أن يصل إلى حوالي 22% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019. أما الإمارات، فقد أعلنت عن موازنة اتحادية لعام 2019 بـ60.3 مليار درهم إماراتي بزيادة قدرها حوالي 17.3٪ عن العام الماضي. إذا نحن ننظر إلى موازنات توسعية نوعا ما ونعتقد أن الموازنات المتبقية لن تختلف كثيرًا من حيث التوجه العام مع أهمية قراءة ما ستحتويه هذه الموازنات من أرقام ومشاريع وسياسات وإشارات للخطط المالية المُرتقبة للعام القادم وما هي السياسات المالية التي ستنتهجها الدول في ظل استمرار تحديات مواجهة أي عجز مالي متوقع وتنامي المديونية وخدمتها وخصوصا إذا ما استمرت مستويات أسعار النفط عند مستويات متواضعة أو ستنخفض مما قد يؤثر على المستوى المعيشي لسكان المنطقة.

ماذا عن السلطنة؟ أشارت الأخبار الصحفية والتوجهات العامة لموازنة عام 2019 إلى أن وزارة المالية قامت بوضع حزمة من التدابير والضوابط الاحترازية من أهمها عدم التوسع في موازنات الوزارات والتركيز على الأولويات بما ينسجم مع الموارد المالية المتاحة والاستمرار في تخفيض عجز الميزانية والحد من ارتفاع مستوى الدين العام واستكمال مراحل التحول لتطبيق موازنة البرامج والأداء وتجنب المساس بالخدمات الحكومية الأساسية ذات الأولوية للمواطنين مثل خدمات الصحة والتعليم والكهرباء والمياه والضمان الاجتماعي وتنويع مصادر الدخل وتحسين بيئة الأعمال وتوسيع مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع والسعي لتحقيق نمو اقتصادي لا يقل عن نسبة (3%) بالأسعار الثابتة في المتوسط والعمل على تحسين التصنيف الائتماني للسلطنة.

لا شك بأن هذه المرتكزات والتذكير بها هو أمر في غاية الأهمية خلال الفترة الحالية أخذا بعين الاعتبار ارتفاع كلفة الدين والتحديات التي تواجه اقتصادات دول المنطقة. وإذا ما نظرنا إلى أداء الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي لوجدنا أن إيرادات النفط والغاز قد بلغت حوالي 91% من إجمالي إيرادات النفط والغاز المقدرة لعام 2018 وذلك بفضل بقاء أسعار النفط عند مستويات أعلى من المقدرة بنسبة 42% (بلغ سعر النفط المقدر في موازنة العام الحالي 50 دولارا/‏‏البرميل). وبلغت إيرادات غير النفط والغاز 1.6 مليار ر.ع. أي بنسبة 59% من المقدرة لكافة العام. هذا يعني أننا نتوقع أن تتحقق أرقام أفضل من المقدر لها للسنة الحالية لكن مع ضرورة التركيز على دعم الإيرادات غير النفطية.

وفيما يتعلق بالإنفاق، فقد بلغ إجمالي الإنفاق للأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 9.1 مليار ر.ع. أي بنسبة 72.7% من إجمالي الإنفاق المقدر لعام 2018. وشكلت المصروفات الاستثمارية نسبة 21% من إجمالي الإنفاق وهو ما يتماشى مع المستويات التاريخية لها. بناء على ما سبق، بلغ العجز المالي 1.9 مليار دولار، وهو 64% من العجز المتوقع للعام. وقد لجأت الحكومة إلى التمويل الخارجي والداخلي لسد العجز ولم التمويل من الاحتياطات.

وطبقا لذات البيانات فقد بلغت تكلفة الفوائد على القروض 375 مليون ر.ع. بنسبة 78% من إجمالي الفوائد المقدرة لعام 2018 وشكلت نسبة 4% من إجمالي الإنفاق الفعلي لذات الفترة.

الأرقام المتاحة تظهر أن نسبة العجز المالي للنصف الأول من العام الحالي قد بلغت 9.6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لذات الفترة. هذه النسبة أفضل بكثير من النسب التاريخية للأعوام 2015 و2016 و2017 حين بلغت 17.5% و20.6% و3.8% على التوالي.

قد تعكس الأرقام المالية والاقتصادية التي سمعناها وقرأناها ومن المُمكن أن تتضمنها بعض الموازنات الحكومية لبعض الدول الخليجية لعام 2019، صورة زاهية للاقتصاديات، إلا أن التحديات المتمثلة بتذبذب أسعار النفاط واحتمالية انخفاضها عن سعر التعادل في عدة موازنات خليجية، سيجعل الحفاظ على مستويات الإنفاق أمرًا يشمله تحديا كبيرا.

الأمر الجيد هنا هو قيام عدة دول في المنطقة ومنها السلطنة بسن بعض التشريعات والقوانين لفرض أنواع جديدة من الضرائب والرسوم وتعديل بعض منها وانتهاج سياسات مالية واقتصادية أقل ما يقال عنها إنها جريئة وسريعة وتأتي في التوقيت المناسب نتيجة الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم.

نتوقع استمرار عملية إعطاء الأولوية للمشاريع ذات الأولوية فيدول المنطقة وفي الوقت ذاته نتوقع استمرار الاعتماد على إصدارات أدوات الدين مما سيبقي تكلفة الفوائد مرتفعة، وقد نشهد تأجيل عدد من المشاريع ومحاولة تأجيل تنفيذ بعض من المشاريع قيد التنفيذ في عدد من القطاعات ذات الأولوية الأقل وأيضاً قيام بعض الدول بتأجيل الدفعات أو إعادة جدولتها لمواكبة التدفقات المالية والنقدية لديها. التحديات الأخرى في المنطقة والعالم تشمل التوترات الجيوسياسية والصراع الأمريكي الصيني وارتفاع حالة الحذر لدى المستثمرين الدوليين والتوجه أكثر نحو الاستثمار في أدوات الدخل الثابت.

وكما تُشير التقارير فمن المتوقع أن لا تنمو دول المجلس بأكثر من 3% للناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة خلال العام 2019، ومن المتوقع أن تشهد مُعدلات البحث عن عمل انخفاضا مقارنة مع الأعوام التي سبقت مع تحسن عوائد النفط والعوائد من المصادر الأخرى.

وفيما يتعلق بالتجارة الخارجية، محليا، أظهرت بيانات صادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تسجيل الميزان التجاري فائضا خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي بمبلغ 3.5 مليار ر.ع. مقارنة مع 1.6 مليار ر.ع. لذات الفترة من عام 2017، أي بارتفاع نسبته 116%. النمو القوي جاء بسبب ارتفاع الصادرات السلعية بنسبة 32% مقارنة مع 7% للواردات السلعية المسجلة. وقد دعم هذا الارتفاع جميع فئات الصادرات خاصة النفط والغاز بسبب تحسن أسعار بيع النفط. وارتفعت كل من صادرات النفط والغاز والصادرات غير النفطية وإعادة التصدير بنسبة 38.5% و30.3% و5.8% على التوالي بمبلغ إجمالي 2.25 مليار ر.ع.، إلا أننا نتوقع أن تشهد الصادرات نموا أقل خلال عام 2019 مع تراجع أسعار النفط مؤخرا واحتمالية بقائها عند مستويات أقل من عام 2018.

أما بالنسبة للواردات فقد نشهد تباطؤًا في نموها لأسباب عديدة من أهمها التباطؤ الاقتصادي وتناقص حجم الأعمال المسندة سواء كانت من قبل القطاع الحكومي ‏أو الخاص مع استمرار حالة الترقب والقلق لدى بعض القطاعات الاقتصادية نتيجة الظروف المالية وسياسات الترشيد وتخفيض الإنفاق لدى غالبية الدول ومع استمرار وجود فائض في الميزان التجاري ولكن هذا الفائض سيستمر بالتناقص التدريجي إلا أن شهدنا سياسات اقتصادية جديدة تُراعي الحالة والظرف وتُساعد القطاع الخاص في سبر الأسواق الخارجية وتعزيز ودعم الصادرات الوطنية.

وبشكل عام نتوقع أن تشهد دول المنطقة وفقا للعديد من المؤشرات المالية والاقتصادية نموا خاصة بعد تعديل وزيادة عدد لا بأس به من الرسوم والضرائب وفرض ضرائب ورسوم جديدة وتقليل مستويات الدعم الحكومي.

وفي المقابل، إذا ما استثنينا النفقات والمشاريع التي هي بطور التنفيذ والملتزم به، قد نرى تراجعا في الإنفاق الجاري ومن المُمكن أيضا أن تشهد بعض الدول تناقصا تدريجيا أو شبه التوقف عن إجراء التعيينات والتوظيف في بعض من الوزارات والمؤسسات الحكومية مُقارنة مع العام 2018 نتيجة استمرار ارتفاع النفقات الجارية بنسب كبيرة وتم التحذير منها مرارا من قبل العديد من المؤسسات الدولية وصندوق النقد الدولي. ونتوقع تقلص العجوزات المالية في الموازنات العامة الخليجية وأن تبقى عند مستويات مُعينة كنسبة من الموازنة العامة، وكمديونية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي والتي طبقاً لصندوق النقد الدولي يجب ألا تتجاوز المديونية ما نسبته 40% من الناتج المحلي الإجمالي للدول غير الصناعية وغير المتقدمة ونسبة العجز المالي للموازنة أكثر من 14 أن تبقى ضمن الأطر المقبولة. لا بد من القول أن الضغط على النفقات الجارية لغرض تقليص النفقات واتباع سياسة ترشيد الإنفاق لغرض تقليص الاقتراض الداخلي والخارجي، يُعتبر إحدى السياسات الاقتصادية الهامة إلا أنه في الوقت ذاته سيف ذو حدين في ظل استمرار التباطؤ الاقتصادي وضعف مستويات النمو والقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية للمنطقة مع تنامي المخاطر الجيوسياسية. وبرأينا يجب أن تسعى الموازنات العامة للحكومات إلى التركيز على برامج تسعى لرفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي في الدول، وإعطاء الأولوية للمشاريع والبرامج التنموية والخدمية التي تخدم القطاعات المُختلفة.