assem
assem
أعمدة

نوافذ: حديث الشهادات المزورة

01 ديسمبر 2018
01 ديسمبر 2018

عاصم الشيدي -

[email protected] -

قبل عام من الآن أجريت لقاءات صحفية مع مسؤولين في وزارة التعليم العالي وجهات أخرى للحصول على معلومات تساعدني في إنجاز تحقيق صحفي «لم أنجزه حتى الآن مع الأسف الشديد» حول «الشهادات العلمية المزورة»، كانت المعلومات التي حصلت عليها في ذلك الوقت صادمة جدا، صادمة من حيث العدد الكبير الذي يتم اكتشافه من قبل وزارة التعليم العالي وتحويله للادعاء العام، وصادمة من حيث نوعية المتورطين في الموضوع، فبعضهم من كبار المسؤولين في الصف الثاني والثالث في مختلف أجهزة الدولة وهدفهم في الغالب الحصول على ترقيات وظيفية.

والمؤسف أنا أغلب المحالين إلى الجهات القضائية يكسبون قضاياهم لسبب بسيط جدا هو أن الجامعات التي حصلوا على شهادات مزورة باسمها وفي سبيل الحفاظ على سمعتها تزودهم برسائل تؤكد أن شهاداتهم «حقيقية»، فيما تقول موظفة في التعليم العالي تحدثت معها «ونحن نعلم يقينا أن شهاداتهم مزورة».

الذي جعلني أعود إلى تفاصيل ذلك التحقيق الذي أتمنى اليوم أن أعود له وأكمله هو ما تضج به وسائل التواصل الاجتماعي من حديث حول الشهادات المزورة بعد أن قام مغرد سعودي فضح العشرات من حملة الشهادات العلمية المزورة ممن يعملون في السلطنة هو جهد يقوم به تطوعا مر من خلاله على كل الدول الخليجية وفضح المئات من المزورين.

وعودا لمعلوماتي التي كنت قد جمعتها، فإن أغرب ما حصلت عليه يؤكد أن عام 2014 كان أكثر عام رصدت فيه وزارة التعليم العالي شهادات مزورة، وعندما سألت الموظفة المعنية عن السبب من وجهة نظرها ضحكت وقالت: يبدو أنه كلما دار الحديث حول ترقيات وتعيينات في الإدارة العليا في الدولة أو قرب انتخابات في مجلس الشورى كثر المزورون طمعا في الحصول على نصيب من تلك التعيينات خاصة ممن يتورطون في تزوير درجة الدكتوراه.

الأمر الغريب الآخر فيما رصدته خلال تلك الحوارات أن هناك شريحة لا تهتم أن تحصل على اعتراف بشهادتها من دائرة معادلة الشهادات بالتعليم العالي، ولا تريد بها وظيفة، فالمهم هو الجانب الشكلي المتمثل في أن يصبح اسم الشخص مسبوقا بحرف «الدال» باعتباره وجاهة مجتمعية لا أكثر ولا أقل ولا عزاء للعلم ولا عزاء لطلابه الحقيقيين.

على أن هذا النوع من التزوير وجه واحد من وجوه المشكلة، فإذا كانت وزارة التعليم العالي تستطيع، في بعض الأحيان، أن تكتشف عبر المعامل الجنائية أن الشهادة مزورة وغير حقيقية، وإذا كان المدون السعودي يستطيع كشف الشهادات المزورة عبر تتبع الجامعات ليعرف أن الجامعة الفلانية وهمية ولا وجود لها فمن يستطيع أن يكتشف أن فلان الفلاني لم يكتب بحثه العلمي وأنه استأجر من يكتب بالنيابة عنه. النوع الأخير هو المتفشي كثيرا اليوم، مع انتشار «دكاكين» كتابة الكتب والبحوث في الكثير من العواصم العربية، وإجراءات هذا النوع من التزوير تمر دون أي عرقلة تذكر في وزارات التعليم العالي، ولا يفضح هؤلاء إلا لحظة الحقيقة عندما يتاح لهم أو تجبرهم الظروف على الحديث عن تخصصاتهم فتجدهم خواء لا يملكون ما يقولونه، أو حينما تقيس نجاحهم في مؤسساتهم.. فيسقط تشدقهم بالمعرفة أرضا ولا يجد من يجمعه.. لكن بعد ماذا؟

ورغم معرفتي بالجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التعليم العالي لكشف المزورين أو وقف التعامل مع بعض الجامعات سيئة السمعة إلا أننا نحتاج إلى جهد مؤسسي أكبر بكثير مما هو حاصل اليوم عبر وضع آليات دقيقة وحاسمة لردع المزورين وعدم الانخداع بالحرف «دال» فهؤلاء أفقدوه قيمته العلمية الحقيقية.

ورغم مضي الكثير من الوقت ورغم تسلل أصحاب هذه النوعية من الشهادات إلا أن الوقت ما زال في متاحا إذا ما بدأنا معالجة الأمر من مراحله الأولى، ومرحلته الأولى تبدأ في التعليم المدرسي حينما يربى الطالب على فكرة البحث العلمي الحقيقي ولا يطلب منه الذهاب للمكتبات لشراء بحوث جاهزة يعدها في بعض الأحيان معلمون من نفس المدرسة.

إذا ربي الطالب على البحث وفق قواعده العلمية فلن يطغى المنتحلون والمزورون على المشهد وستكون بلادنا أفضل بكثير مما هي عليه اليوم.