صحافة

الرسالة: بعد الانفراجة المالية .. نحو استراتيجية وطنية لحماية الأونروا

29 نوفمبر 2018
29 نوفمبر 2018

في زاوية مقالات كتب علي هويدي مقالا بعنوان: بعد الانفراجة المالية .. نحو استراتيجية وطنية لحماية الأونروا: جاء فيه:

على الرغم من الانفراجة المالية، لا تزال وكالة «الأونروا» في دائرة الاستهداف الاستراتيجي لكل من أمريكا والكيان الإسرائيلي. ترافق استهداف الوكالة غير المسبوق في نهايات العام 2016 (مجيء ترامب إلى الرئاسة الأمريكية)، مع ما يسمى بصفقة القرن، ولكن الحقيقة أن عملية الاستهداف ومحاولات التصفية للأونروا هي مشروع سياسي إستراتيجي منظم ومتجدد ومتشعب، يعمل عليه الاحتلال والإدارة الأمريكية وحلفاؤهما في الخفاء وفي العلن منذ زمن بعيد، ويُوَظّف له جملة من الإجراءات بهدف نزع المسؤولية الأممية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين التي تجسدها وكالة «الأونروا».

بادرت 4 دول عربية بسداد حوالي نصف العجز المالي لـ«الأونروا» لسنة 2018 (السعودية، الإمارات، قطر، والكويت بدفع 50 مليون دولار لكل منها)؛ ويعتبر هذا مؤشرا إيجابيا على مستوى ضرورة تغطية الحاجات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، ولكن دعوة الإدارة الأمريكية للدول العربية لتمويل “الأونروا”، لا بل تهكمها على الدول العربية في مجلس الأمن على لسان مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة نيكي هيلي في نهاية يوليو 2018 بسبب أنها أي الدول العربية “لا تقدم مساعدات للأونروا أو تكتفي بمساعدات هزيلة”، وبالتوازي مع وقفها لمساهمتها المالية، لا يمكن اعتباره إلا مصيدة يراد بها التنصل من المسؤولية الدولية تجاه حقوق اللاجئين وتحويلها تدريجيا إلى الدول العربية، وبالتالي فإن أزمة “الأونروا” ليست أزمة مالية أو إدارية بقدر ما هي نتاج للاستهداف السياسي الإستراتيجي المنظّم.

تعتبر نتائج لقاء اللجنة الاستشارية لـ”الأونروا” الذي عُقد في العاصمة الأردنية عمان يومي 19 و20 من شهر نوفمبر 2018 برئاسة تركيا من أهم نتائج اللقاءات التي عقدتها الوكالة خلال السنة سعيا لسداد عجزها المالي للعام 2018م الذي قدرته الوكالة في بداية العام بـ446 مليون دولار؛ إذ أعلن المفوض العام للوكالة كريبنول أن العجز المالي قد وصل إلى 21 مليون دولار، متجاوزا بذلك الأزمة المالية.

يشكل تجاوز الأزمة المالية للوكالة دعما معنويا وسياسيا وماليا قويا من قبل الدول المانحة والمجتمع الدولي، فمنذ تأسيسها في ديسمبر 1949، لم تمر الوكالة بأزمة مالية وسياسية مشابهة في ظل وقف مساهمة أكبر الدول المانحة أمريكا؛ إذ لم تدفع الإدارة الأمريكية سوى مبلغ 60 مليون دولار خلال سنة 2018 من أصل حوالي 360 مليون تدفعها للوكالة سنويا بسبب حجج وذرائع واهية أثبتت عدم صحتها.

ساهمت الأزمة التي عصفت بالوكالة بالمزيد من الوعي الاستراتيجي لأهمية المؤسسة الأممية للاجئين الفلسطينيين، والتفافا ملحوظا من الشركاء المتضامنين مع الوكالة من المؤسسات غير الحكومية المحلية والدولية، ودعما مهما عبّر عنه الحراك الشعبي الوطني بين اللاجئين في المخيمات والتجمعات والمناطق، وإجماعا لكافة المشارب السياسية الفلسطينية على التمسك بالوكالة على قاعدة “نختلف مع الوكالة وليس عليها”، ناهيك عن الدعم القوي الذي عبّرت عنه الدول المضيفة للاجئين على المستوى الرسمي لأهمية واستمرار عمل الوكالة لا سيما الأردن الذي يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين.

نجحت تركيا التي تسلمت رئاسة اللجنة الاستشارية لـ”الأونروا” من جمهورية مصر العربية في الأول من يوليو 2018م لمدة سنة، نجحت بتجاوز الاختبار الأول والأقسى وفي فترة زمنية قصيرة، إذ لعبت دورا مهما في التحضير لمُخرجات مؤتمر المانحين الذي عقد في 28/‏9/‏2018 في نيويورك على هامش أعمال الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جانب كل من دول السويد والأردن واليابان والمجموعة الأوروبية، حينها تم الإعلان عن انخفاض العجز المالي من 446 مليون دولار إلى 64 مليون دولار.

رجحت كفة الفريق الذي يعتقد أن وكالة “الأونروا” حاجة إنسانية ضرورية وملحة لأكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجل، وأن الوكالة عنصر أمن واستقرار في المنطقة، وهذا الفريق يمثل غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وفي المقدمة منها دول الاتحاد الأوروبي، على كفة “الفريق” المتمثل بالإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال الإسرائيلي والحلفاء الذي يعتقد أن الوكالة تديم قضية اللاجئين وتدعم الإرهاب وأنها فاسدة وغير قابلة للإصلاح، وهو ما ذكره مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون وصهر الرئيس الأمريكي كوشنير وغرينبلانت ونيكي هيلي وغيرهم من المسؤولين الأمريكيين ونتانياهو شخصيا.

وجّه تجاوز الأزمة المالية للوكالة صفعة قوية لدبلوماسية الاحتلال الإسرائيلي، وشكّل فشلا ذريعا لسياسة ومخطط الكيان الإسرائيلي، فقد أعلن نائب وزير خارجية الاحتلال أمام سفراء الكيان الإسرائيلي في الدول الأوروبية وأمريكا ودول عربية في بداية العام 2018م أن دبلوماسية الاحتلال لهذه السنة ترتكز على مسألتين؛ الأولى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والثانية أن عهد “الأونروا” قد انتهى إلى الأبد، وبقيت “الأونروا”.