Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: المساواة والعدالة.. المختلف حولهما

27 نوفمبر 2018
27 نوفمبر 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تنيخ هذه المسألة ركابها أكثر بين أحضان الأسرة، ويتحمل الأب والأم مشقة التوفيق في ترسيخها لدى أبنائهم «الكثر» من خلال سلوكيات يومية، قد تفي بالغرض، وقد تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، وقد تكون جل الممارسات التي يقوم بها الوالدان في منزل الأسرة عفوية الطابع والتوظيف، ولكن يستلمها الطرف الآخر «الأبناء» بنوع من الحساسية، وعدم الرضا، وما تجيش به الأنفس أكثر مما يتوقع، (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).

فلئن وفر الأب كل معززات الحياة الأسرية من مأكل ومشرب وكساء وتسلية وعطاء غير محدود لجميع أفراد الأسرة، فتلك هي المساواة، ولكن إن احتضن أحد أفرادها بخصوصية منها ولو بنظرة تعكس حنوه وحنانه، فذلك يناقض عدالته تجاه كل أفراد الأسرة، ومنها تشتعل الغيرة في نفوس الجميع بلا استثناء؛ في كثير من الأحيان؛ وقد تصل الأسهم الموجهة إلى الأب أو الأم اللذين لاحظ عليهما الأبناء هذا السلوك إلى الاتهام بالظلم، ولنا في قصة النبي يوسف عليه السلام مبلغ الأثر (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين).

وما ينسحب على مناخات الأسرة في هذه الصورة الحساسة جدا، ينسحب كذلك على مناخات المؤسسة الوظيفية التي إن ساوت نصوص القانون المنظمة لجميع الموظفين في العلاقة بينهم وبين المؤسسة والأدوار المطلوبة منها تجاهها، والعائد المادي والمعنوي الذي يحصلونه هم من مؤسستهم، فإن العدالة تظل أكثر في يد المسؤول يكفيها كيفما يريد، ويشاء، قد يكون ذلك صورة عفوية؛ كما هو الحال في محيط الأسرة، وقد يكون متعمدا؛ مع سبق الإصرار والتقصد أو الترصد؛ كما هو التعبير القانوني، وفي كل الأحوال؛ إن استطاع الإنسان في بيئة ما إشاعة روح المساواة بين أفراد بيئته، فلن يستطيع إشاعة روح العدالة، فالعدالة مطلب ليس يسيرا تحقيقه وتحققه ما دام في قبضة يد إنسان محكوم بعواطف ومشاعر، وتجاذبات كثيرة، أقربها مصالحه الخاصة التي لا يتنازل عنها «قيد أنملة» مهما كانت الظروف، إلا الاستثناء، والاستثناء يكاد يكون معدوما في كثير من حالات الزمان وتقلباته، فدرجة خلق الأنبياء انتهت وتلاشت منذ غادر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هذه الحياة.

تربكنا؛ كثيرا؛ العلاقات التي نقيمها مع الآخر، إلى حد القلق، والسبب عدم قدرتنا على تحقيق العدالة في خضم هذه العلاقات المتشابكة كلها، ربما؛ نستطيع أن نحقق نوعا من المساواة بين مختلف التكوينات في هذه العلاقات؛ مع كثرتها؛ ولكن يصبح في حكم المستحيل أن نحقق العدالة بذات المستوى من الكفاءة بين هذه التكوينات كلها، ولذلك نظل متهمين، وقد نقيم على أننا ظالمون، وأننا نتعامل بموازين مختلفة بين الجميع، وقد توقعنا مواقفنا المختلفة في هذه الإشكاليات كلها في حرج شديد عندما تصل المسألة إلى طاولة للحوار، هذه إشكالية حقيقية في كل العلاقات، فإذا كانت العلاقات الأسرية؛ كما تبين سابقا؛ لم تسلم من هذه الإشكالية، وهي العلاقة الأزلية المطلقة منذ بدء الخليقة، وفي قصة ابني آدم مبلغ الحكمة، فما بال العلاقات الأخرى؛ التي أغلبها مؤقتة، وموقوته بمصلحة ما، تنتهي فور انتهاء تلك المصلحة؟!

هل يجوز الحكم إذن: على أن إشاعة العدالة بين الجميع شبه مستحيلة، أم أنها تأخذ الحكم المطلق في عدم تحققها على أرض الواقع؟ ذلك يحتاج إلى كثير من الممارسة، ولعلنا في ختام هذه المناقشة نركن إلى النص التالي الذي يقول: «لا تتطابق المساواة بنفس القدر مع العدالة. فالمساواة تعني أن يحصل الجميع على نفس زوج الأحذية تماما، أما العدالة فهي أن يحصل الجميع على الحذاء الذي يناسبهم. وفي العلاقات الناجحة، يسعى الناس دائما إلى تحقيق العدالة» -حسب المصدر-.