azza
azza
أعمدة

استغلال التراث في الفرجـة الاحتفاليـة

20 نوفمبر 2018
20 نوفمبر 2018

د.عزة القصابية -

اتكأ المسرحيون العرب على المورث الشعبي ما جعله يكتسب أسماء مختلفة على غرار أشكال المسرح الشعبي بصورة عامة، والنص الاحتفالي بصورة خاصة، من خلال الاهتمام بمظاهره الموروثة التي تتيح للكاتب الخروج عن أصول الدراما التقليدية.

يسعى العاملون في المسرح إلى مخاطبة المتلقي العربي بإثارة خياله، ومناقشة قضاياه المعاصرة بطابع تراثي احتفالي فرجوي يمزج بين الحاضر والماضي. تجلى ذلك في نصوص كثيرة منها مسرحية «الناس والحجارة»، التي ركزت على حياة الناس في أماكن مختلفة، مع توظيف «التراث» بأشكاله المتعددة.

من التجارب المسرحية الفرجوية في الوطن العربي تجربة الطيب الصديقي في مسرحية «أبو حيان التوحيدي» عام 2002م. التي تناقش موضوعات ذات صلة بعالم الفلاسفة والأدباء من خلال تجسيد شخصية أبي حيان التوحيدي صاحب كتاب «الإمتاع والمؤانسة» الذي ركز على تاريخ الدولة العباسية إبان عهد البويهيين. كما وظف الطيب الصديقي الفرجة الشعبية في صنع فرجة مسرحية برؤية إخراجية وجمالية، تنطلق من الخشبة الإيطالية نحو الفضاء المفتوح.

واجه المسرح الاحتفالي صعوبة في التحرر من إطار الخشبة الإيطالية ومستلزماتها السينوغرافية والإخراجية. ويقدم هذا المسرح عروضه في الفضاء المفتوح كالساحات والأماكن العمومية ووسط التجمعات الاجتماعية والتجارية التي يقصدها الناس لقضاء مآربهم وحاجاتهم اليومية.

وهناك ثلاث تيارات في التجربة المسرحية العربية؛ أولها ذلك الداعي إلى أشكال مسرحية عربية مأخوذة من الشعائر والتقاليد والمأثورات والأدب والطقوس الاجتماعية والدينية، ولقد برز هذا النوع في ستينات وسبعينات القرن الماضي في المغرب وتونس ومصر، ومن أهم رواده الطيب الصديقي وألفريد فرج وعز الدين المدني ومحمود دياب والطيب العلج وعلي الراعي.

أما التيار الثاني: الذي يميل إلى استخدام الشكل المسرحي الغربي، بوصفه شكلًا عالميًّا ونتاجًا حضاريًّا.

ويركز التيار الثالث على عناصر الفرجة الشعبية في المسرح العربي بوصفها وسيلة اتصال جماهيرية لها جذورها التاريخية مثل تجربة روجيه عساف في «مسرح الحكواتي»، وأعمال الفاضل الجعايبي ورفاقه في «المسرح الجديد»، وعروض عبدالكريم برشيد في «الواقعية الاحتفالية».

وهناك تساؤل يطرح نفسه في هذا المقام، حول كيفية استغلال التراث والتاريخ الشعبي في المسرح العربي، بشكل عام هناك طريقتان لمعالجة المادة التراثية عند توظيفها في النص المسرحي:

المعالجة الأولى: المحافظة على القصة التراثية أو التاريخية كما هي، ومحاولة صياغتها دراميا.

المعالجة الثانية: إضافة أحداث وشخصيات من وحي خيال المؤلف للمادة التراثية. ويتضمن ذلك جهود الباحثين والمبدعين لتدوين التراث القصصي الذي يرويه الأجداد وتتناقله الأجيال

أما عن أهم المراحل عند توظيف التراث الشعبي في المسرح العربي المعاصر، وهي:

المرحلة الأولى: البحث عن مضمون تراثي للمسرح في منتصف القرن التاسع عشر وحتى عصرنا الحالي. استلهمت هذه المرحلة موضوعاتها من التاريخ، والتراث الديني والوطني والأدبي والأسطوري والشعبي.

المرحلة الثانية: البحث عن قالب مسرحي للتراث. لقد تأخرت هذه المرحلة إلى مطلع الستينات من القرن المنصرم. وانتهت إلى إمكانية توظيف الأشكال التراثية التالية في النص المسرحي: «طقوس العبادة، والقصص والأخبار، والأسمار، ومجالس المنذرين، مواكب الخلفاء، والإسراء والمعراج، والحكواتي، وخيال الظل».

المرحلة الثالثة: توجه المسرحيون العرب نحو التنظير لمسرح عربي جديد. كما هو الحال عند الدعوة إلى مسرح «السامر الشعبي» في مسرحيات يوسف إدريس في مصر، ونجدها أيضا في مقدمة بيانات «المسرح الاحتفالي» في المغرب، ودعوة توفيق الحكيم إلى «قالبنا» المسرحي، وسعدالله ونوس في مقدمته «بيانات لمسرح عربي» في سوريا.

وهناك تجارب عديدة في المسرح العربي استلهمت أعمالها من الموروث الشعبي والتاريخ، مثل: تجربة الكاتب والمخرج العراقي قاسم محمد في مسرحية «النخلة والجيران» عام 1967م، ومسرحيته «بغداد الأزل بين الجد والهزل».

وسعى الكاتب التونسي عز الدين المدني نحو تأكيد الهوية واستغلال التراث من منطلق ما أسماه «بتجربة الاستطراد»، إضافة إلى تجربة رجيه عساف بمسرح «الحكواتي» ونضال الأشقر في لبنان، ومسرحية «الفوانيس» لخالد الطريفي من الأردن.

واستغل المخرج والمؤلف الجزائري كاكي التراث في محاولة جادة للتخلص من قوالب الفن المستورد. والذي كتب العديد من المسرحيات مثل مسرحيتا: «إفريقيا قبل السنة الأولى» و«بني كلبون». ووظف المؤلف فيهما بعض الأشكال التراثية مثل القرقوز والحكواتي

وسعى المسرحي الجزائري عبدالقادر علولة إلى تطوير الشكل المسرحي لشخصية المداح، ومن أهم نتاجاته التي قدمت شخصيات القوال أو الراوي، مثل: «الأجواد، الأقوال، اللثام، الخبزة، المايدة»، كما كتب سليمان عيسى مسرحية «بو علام زيد القدام».

خلاصة القول: إن استغلال التراث في المسرح العربي يعد هاجسا قوميا لتأصيل المسرح العربي. وحاول المسرحيون جاهدين أن يتعاطوا مع التراث العربي والتاريخ في محاولة لصنع مسرح عربي ينطلق من الواقع، ويسعى إلى تأكيد هويته القومية شكلا ومضمونا.