1042438
1042438
إشراقات

خطبة الجمعة: الوحدة والتآلف أهم القواعد والأسس التي تقوم عليها المجتمعات وتبنى عليها الأوطان

15 نوفمبر 2018
15 نوفمبر 2018

تـنمية الأوطان.. أمانة ومسؤولــية -

ذكّرت خطبة الجمعة التي تعدها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بأن مسؤولية تنمية الوطن ورعايته وحفظه وحمايته لا تقع على أعـتاق طائفة من أبنائه دون غيرهم، بل الكل عن تنميته مسؤول، والحفاظ عليه من الجميع مطلوب.

وأوضحت أن لتنمية الأوطان ركائز تقوم عليها، وهي أسس حفظها ورعايتها، ألا وهي العلم والطاقات البشرية والأمانة والوحدة والتآلف.

وأكدت أن الاهـتمام بالعلم والعناية بالحركة التعـليمية يفتح الأفق، ويوضح المسالك والطرق، وبه يتحقق التقدم والريادة، وتقام أسس العمل والعبادة، لذا كان اهـتمام ديننا الحنيف بالعلم اهـتماما بالغا.

وأشارت خطبة الجمعة (تنمية الأوطان.. أمانة ومسؤولية» أن من أهم القواعد والأسس التي تقوم عليها المجـتمعات وتبـنى عليها الأوطان، الوحدة والتآلف.

ونبهت إلى أنه ما قامت لمجـتمع قائمة وأهـله في شقاق وما كان لأمة مكانة وقوة وأبناؤها في تنازع وتخالف.

وحذرت من أن التفرق والتشرذم، والتخالف والتنازع، يمحق من الأمم قوتها، ويزهق روحها.. والى ما جاء في الخطبة.

الحمد لله الذي جعل هذا البلد آمنا، وأسـبغ عليـنا النعم ظاهرا وباطنا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، وهب عباده من الطاقات والثروات ما يجعلهم للأرض معمرين، وللأوطان بانين. ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، أسس مجـتمعا على الإيمان والتآلف، والأمانة والتكاتف، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين.

أما بعد، فــ(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). واعـلموا ـ رحمكم الله- أن مسؤولية تنمية الوطن ورعايته، وحفظه وحمايته، لا تقع على أعـتاق طائفة من أبنائه دون غيرهم، بل الكل عن تنميته مسؤول، والحفاظ عليه من الجميع مطلوب، ألا وإن لتنمية الأوطان ركائز تقوم عليها، وهي أسس حفظها ورعايتها، ألا وهي العلم والطاقات البشرية والأمانة والوحدة والتآلف، إن الاهـتمام بالعلم والعناية بالحركة التعـليمية -يا عباد الله- يفتح الأفق، ويوضح المسالك والطرق، وبه يتحقق التقدم والريادة، وتقام أسس العمل والعبادة، لذا كان اهـتمام ديننا الحنيف بالعلم اهـتماما بالغا، يقول المولى جل وعلا: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)، وهذا رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم يحث المسـلمين على طلب العلم حيث يقول: ((تعلموا العلم فإن تعلمه قربة إلى الله عز وجل، وتعليمه لمن لا يعـلمه صدقة، وإن العلم لينزل بصاحبه في موضع الشرف والرفعة، والعلم زين لأهـله في الدنيا والآخرة)).

ولقد قامت في هذه الأمة منذ سنيها الأولى حركة علمية أسهمت في تأسيس حضارتها، وكانت حركة لا مثيل لها بين الأمم، إذ جمعت بين العلم والخلق، والمعرفة والقيم، فخدم أهـلها الدين، وأغـنوا البشرية. والناظر –عباد الله- في تاريخ الأمم قديمها وحديثها، يدرك أن تحضرها ورقيها كان مرتبطا بالعلم ارتباطا وثيقا، كما أن تخلفها وانحطاطها كان مرتبطا بالجهل ارتباطا وطيدا، ففي مسـتنقعات الجهـل ينشأ الإجرام وتنمو الطائفية، وفي ظلمة غاباته يغيب العدل، وتهضم الحقوق، وليس المقصود بالعلم المؤثر في بناء الأمم –أيها الأحبة- هو مجرد اكتساب المعرفة، وحشو الأدمغة بالمعـلومات، بل هو اكتساب المعلومة التي تتحول واقعا مثمرا ملموسا في حياة الفرد ومجـتمعه، تراعي ترسيخ القيم ومبادئ الدين، غايتها صناعة الإنسان وخدمة البشرية، تكشف للتطور أفقه، وللتآلف أسسه، وللتكافل أطره، لا تتنكر للموروث، ولا تتنازل عن العادات والقيم الأصيلة.

إخوة الإيمان، وأبناء الوطن:

لما دخل رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم المدينة، ناشرا للنور، انطلق صحابته الكرام يبذلون لخدمة وطنهم الجديد وسعهم وطاقتهم، ويسـتغلون لذلك مواهبهم وطاقاتهم، فترى بلالا مؤذنا، وسعدا حارسا، وخالدا قائدا، وزيدا للوحي كاتبا، وحسان بشعره مكافحا.

هذا عبد الرحمن بن عوف يقول: دلوني على سوق المدينة، وهذا نعيم بن مسعود يعرض خدماته يوم أسـلم، وسلمان الفارسي يدل على فكرة الخندق يوم الأحـزاب، وعثمان بن عفان يجهز جيش العسرة. إن من أهم ركائز بناء الوطن والحفاظ عليه – أيها الأحبة – اسـتعمال الطاقات، واسـتغلال الثروات، وتوجيه المواهب، والحفاظ على المكاسب.

إن الوطن بحاجة إلى سواعد شبابه الفتية، وحماستهم القوية، وبحاجة إلى بصائر شيوخه الثاقبة، وحكمتهم الصائبة، ما أشد حاجته إلى ثقافة المثقف، وموهبة الموهوب، ومعـلومة المعلم، ودقة المهندس، وبراعة الطبيب، وإخلاص الداعية، وما أشد حاجته إلى تمكين ثرواته المكنونة، وحسن اسـتغلال موارده المبـثوثة.

إن ما نمـلكه من مقومات فردية – إخوة الإيمان - قد تخـتلف وتتباين، غير أن لكل فردا منا تجارب وخبرات، ومواهب وطاقات، وقدرات وإمكانيات، ونحن مطالبون شرعا بحسن اسـتخدامها، وجميل اسـتغلالها، لما يعود عليـنا وعلى وطننا بالصلاح والمنفعة، والتمـكين والرفعة.

فلا مجال للكسل والتقاعس، والتخلي عن المسؤوليات، والتنازل عن المهمات، وإن ظن الجاهل ذلك تواضعا وزهدا، وحسبه محمدة وخلقا، إن الفرد الذي لا يقدم لمجـتمعه ووطنه شيـئا هو وبال على أهـله ومجـتمعه ووطنه، وكما قيل: (من لم يزد في الحياة شيـئا، كان زيادة على الحياة).

ونحن نجد –أيها الأحبة- رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول مبيـنا عظيم المسؤولية تجاه النعم: ((لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفـناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله، من أين اكـتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم))، والله ربنا يأمرنا –إخوة الإيمان- أن نسعى في الأرض، مسـتعملين للطاقات، ومسـتغلين للثروات، فيقول سبحانه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، فاسعوا –بارك الله فيكم- في الأرض معمرين، وللوطن بانين، ولطاقاتكم ومواهبكم مسـتغلين، (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

عباد الله:

اعـلموا أن وجود الحركة العلمية وتوافر الطاقات والثروات المفعلة، لن يكون له الأثر البالغ، والنتيجة الطيبة في بناء الأوطان، إلا إن توافرت ركيزة ثالثة يتولد منها الدافع المحرك، ويقوم عليها الحصن الحافظ، إنها ركيزة مراعاة الأمانة وحفظها، يقول الله عز وجل واصفا عباده المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)).

بالأمانة –عباد الله– تحـفظ الحقوق، وتؤدى الواجبات، وتصان الثروات، فلن ترى الموظف إلا متفانيا في وظيفته، منجزا لمعاملاته، محافظا على وقت العمل وبيئته، ولن ترى العامل إلا مخلصا في عمله، متقنا في أدائه، ولن ترى المسؤول إلا مدركا لواجبات مسؤوليـته، مراعيا لمن هم تحت رعايته، يتردد في أذنيه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد يسـترعيه الله رعية، فلم يحطها بنصحه، لم يجد رائحة الجنة)). فلا مكان عندها للكسل والتراخي، ولا وجود للواسطة والمحسوبية، ولا مجال للرشوة والخيانة، ولا احـتفاء إلا بالمخلصين الأكفاء.

ألا وإن من إضاعة الأمانة –أيها الأحبة- أن يوكل الأمر إلى غير أهـله، وفي خبر يوسف –عليه السلام- درس لنا يوم تقدم إلى الوظيفة قائلا: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ)، قال: (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)، فإنما تصدر لها لحفظه وأمانته، وعلمه وإتقانه، فالكل مطالب أن يؤدي ما عليه بمسؤولية واعية، وعلم متقن، وأمانة حافظة.

فاتقوا الله -عباد الله-، وكونوا لمسؤولياتكم مؤدين، ولأمانتكم حافظين، ولمصـلحة وطنكم مراعين، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

*** *** ***

الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فاعـلموا – أيها المؤمنون - أن من أهم القواعد والأسس التي تقوم عليها المجـتمعات، وتبـنى عليها الأوطان، الوحدة والتآلف، فما قامت لمجـتمع قائمة وأهـله في شقاق، وما كان لأمة مكانة وقوة وأبناؤها في تنازع وتخالف. إن التفرق والتشرذم، والتخالف والتنازع، يمحق من الأمم قوتها، ويزهق روحها، لذا حذرنا الله عز وجل منه في كتابه الكريم، يقول سبحانه: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، ويقول: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

فاتقوا الله - أيها المؤمنون-، وتمسكوا بحبـل الله الذي ألف بينكم، واقطعوا أسباب الافـتراق والنزاع، وسبل التخالف والضـياع.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).