أفكار وآراء

نتائج الحرب العالمية الأولى قائمة حتى اليوم !

11 نوفمبر 2018
11 نوفمبر 2018

سمير عواد -

يُعتبر يوم الحادي عشر من نوفمبر عطلة رسمية في كل من فرنسا وبريطانيا، فبينما يُسمى «أرميستيك» في فرنسا فإنه «ريممبارينس داي» في بريطانيا، والمعنى بالعربية، ذكرى وقف إطلاق النار، الذي كان ساري المفعول بتاريخ الحادي عشر من نوفمبر عام 1918. ويسميه البريطانيون أيضا «بوبي داي»، نسبة إلى وضع البريطانيين على صدورهم زهرة الخشخاش الحمراء اللون تعبيرا عن تخليد ضحايا الحرب، وتباع هذه الزهرة إن كانت طبيعية أو مصنعة من الحرير، لجمع الريع لقدامى المحاربين الذين بدأوا ينقرضون. ويعود سرها إلى أن هذه الزهرة نبتت على قبور بعض الجنود الذين سقطوا باللونين الأبيض والأحمر وقيل أن هذه التقليعة انتقلت إلى فرنسا عبر سيدة فرنسية أعجبت بالفكرة.

لكن يوم الحادي عشر من نوفمبر ليس يوم عطلة في ألمانيا، فالألمان لا يحبون تخليد ذكرى الهزائم، رغم إصرار الرئيس الألماني الراحل ريتشارد فون فايتسيكر على أن تاريخ الثامن من مايو 1945 كان يوم إنقاذ الشعب الألماني من هتلر، عندما أعلنت ألمانيا النازية استسلامها للحلفاء الأربعة (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي)، والرئيس الألماني الحالي فرانك فالتر فون فايتسيكر الذي قال أمام البرلمان أن هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية كانت بداية للديمقراطية الألمانية. وكانت هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى هزيمة أحبطت عزائم الألمان خلال النصف الأول من القرن العشرين، استنادا إلى المؤرخ الألماني أندرياس رودر. وما زالت نتائج هذه الحرب قائمة بكل انعكاساتها السياسية والجغرافية. فقد كلفت هذه الحرب ثمانية عشر مليون قتيل وتمزقت مناطق ودول ونشأت دويلات مصطنعة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وكذلك في أوروبا.

وبحسب البروفيسور «رودر» فإن الحرب العالمية الأولى اندلعت في أوروبا، لكن كان لها تأثيرات على مناطق عديدة في العالم. وأضاف إنه من نتائجها كانت نهاية عهد أسرة «هابسبورج» الإقطاعية التي كان أمراؤها منتشرون في الدول الأوروبية وكذلك نشأة مجموعة دول البلقان التي دارت بينها حروب دامية في عقد التسعينيات من القرن العشرين».

وكانت منطقة البلقان برميل بارود أوروبا قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى. وظهرت مملكة يوغسلافيا الجديدة بعد عام 1918 أي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، بعد أن تم تقسيم أراضيها. وقال رودر: إن صربيا كانت القوة المهيمنة على المنطقة ودخلت في نزاع حامي الوطيس في عام 1914 مع أسرة «هابسبورج» التي كان يخضع إليها كل من كرواتيا وسلوفينيا والبوسنة، التي كانت عبارة عن عرقيات مختلفة في منطقة واحدة لكن أنظمتها السياسية كانت مختلفة تماما ولم تكن على وئام فيما بينها.

ويُشير رودر إلى مثال آخر يُشكل أهمية بالنسبة للعالم العربي، وهو أن نتائج الحرب العالمية الأولى ما زالت تنعكس سلبا على منطقة الشرق الأوسط لأن الحرب حينها أسفرت عن نهاية الإمبراطورية العثمانية مما أدى إلى نشوء نظام جديد وتم تقسيم دول المنطقة.

ففي الحرب العالمية الأولى قاتل جنود الرايخ الألماني والإمبراطورية العثمانية جنبا إلى جنب. وبعد نهاية الحرب انهارت الإمبراطورية العثمانية التي وصلت يوماً حدود النمسا. وأكد البروفيسور رودر، أن ما نشهده اليوم من نزاعات مسلحة في العراق وسوريا ولبنان، له علاقة مع نتائج الحرب العالمية الأولى. وأضاف: إن انهيار نظام الدول في منطقة الشرق الأوسط له علاقة مباشرة بانهيار الإمبراطورية العثمانية ونشوء نظام جديد في أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.

والحدود الجديدة التي ظهرت بعد نهاية الحرب العالمية الأولى في إطار ما يُسمى «لعبة الأمم» نسبة لأن للتقسيم وإنشاء دويلات وكيانات في منطقة الشرق الأوسط تنفيذا لما يُعرف باتفاقية «سايكس - بيكو» نسبة إلى وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا من أكبر الدول المسيطرة في الشرق الأوسط، مهدت لقيام نظام جديد في المنطقة، حيث أبقت بريطانيا وفرنسا على نفوذهما وبالذات لعبتا لاحقا دورا مهما في قيام إسرائيل على أرض فلسطين في عام 1948 وما زال النزاع الفلسطيني/‏‏ الإسرائيلي حتى اليوم هو النزاع الرئيسي في المنطقة. وفي هذه الأثناء ازدادت النزاعات فيها مقابل تراجع اهتمام الأمم الغربية التي تسببت في قيام نظام ضعيف، كما أن النظام الذي نشأ في أوروبا لم يكن أفضل.

وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية حيث منيت ألمانيا بهزيمة ثقيلة ثانية كانت هذه المرة قاضية حيث أنهت عهد الرايخ الألماني الذي كان على وشك فرض هيمنته على أوروبا ومناطق أخرى في العالم، ظهر نظام عالمي جديد، حيث انضمت دول أوروبية مع اليابان إلى مظلة واشنطن ودول أوروبا الشرقية إلى مظلة موسكو ودام انقسام أوروبا أربعة عقود انتهت في 9 نوفمبر عام 1989 بانهيار سور برلين.

لكن نتائج «لعبة الأمم» ما زالت قائمة حتى اليوم، تدفع الشعوب في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان ثمنها باهظاً، كما تدفع الدول المصطنعة في أوروبا ثمنها ولاسيما في منطقة البلقان. أما الدول الكبرى التي تذكر جنودها الذين قضوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، فإنها غير قادرة اليوم، أكثر من أي وقت سبق، على تحقيق السلام الحقيقي في الشرق الأوسط وأوروبا على حد سواء.