أفكار وآراء

التعداد الإلكتروني للسكان والمساكن والمنشآت 2020

10 نوفمبر 2018
10 نوفمبر 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تتطلب عمليات التخطيط العلمي والموضوعي لتنفيذ مشروعات التنمية في أي بقعة من الأرض توفير العديد من المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بعدد السكان وأعمارهم وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من المعلومات الضرورية الأخرى، كالنمو السكاني السنوي وأماكن معيشة هؤلاء الناس ومدى احتياجاتهم للمؤسسات التعليمية والصحية والسكنية والخدمات الاجتماعية وغيرها. وهذا لا يتحقق إلا من خلال قيام الحكومات بإجراء التعداد السكاني والمساكن والمنشآت بين فترة وأخرى للوقوف التغيرات التي تشهدها في المجال الديموغرافي والاقتصادي والاجتماعي، ومعرفة جميع تلك البيانات والمعلومات.

ولقد صدر في السادس من مايو عام 2015 المرسوم السلطاني السامي رقم ١٥ /‏‏٢٠١٥ بإجراء التعداد الإلكتروني للسكان والمساكن والمنشآت لعام ٢٠٢٠م، وسبق للسلطنة أن أجرت هذه التعدادات خلال العقود الأربعة الماضية عندما كان عدد السكان في حدود مليوني نسمة، فيما تتهيأ الآن بإجراء التعداد القادم والذي سوف يتميز عن غيره من التعدادات بأن يُجرى إلكترونيا عام 2020 في وجود أكثر من 4.6 مليون نسمة.

ويعتبر التعداد السكاني القادم «الرابع من نوعه» تنفذها السلطنة منذ مطلع النهضة المباركة، حيث ساهمت مخرجات التعدادات الثلاثة الأخيرة في معرفة الكثير من البيانات والمعلومات التي عملت على رفد الخطط التنموية القصيرة والطويلة، وعلى أثرها تم تنفيذ العديد من البرامج والمشروعات الإنمائية وتوفير الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية وغيرها من الخدمات في مختلف أرجاء السلطنة.

إن التعداد الإلكتروني للسكان والمساكن والمنشآت المقبل لعام 2020 سوف يتسم بالاتساع والشمول على المستوى الوطني اكثر من غيره -وفق ما تشير إليه اللجنة العليا- الأمر الذي يتطلب ضرورة تحديث واستكمال السجلات الإدارية وتحسين جودة قواعد البيانات لدى الجهات الحكومية في عملية الربط فيما بينها، وبأن تكون متوائمة في استخدامها للتصانيف الإحصائية والممارسات المثلى للعمل الإحصائي وفق الأسس العلمية المعروفة في هذا المجال.

ومؤخرا عقدت اللجنة الوطنية العليا للتعداد الإلكتروني للسكان والمساكن والمنشآت اجتماعها برئاسة صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة لمتابعة هذا الأمر رئيس اللجنة، حيث يكتسب التعداد القادم أهميته الكبيرة باعتباره «الأول» من نوعه في استخدام أساليب التعداد إلكترونيا، ويغاير ما تم عمله في التعدادات السابقة من خلال العمل الميداني، الأمر الذي يتطلب سرعة الربط بين البيانات الواردة في السجلات الإدارية لمختلف المؤسسات والجهات الحكومية التي تعني بالأفراد سواء من المواطنين أو الوافدين.

إن اللجنة العليا المعنية بالتعداد السكاني والمساكن والمنشآت لعام 2020 تقوم منذ عدة سنوات بالأعمال الموكولة إليها، حيث سبق لها أن شكلت لجنة فنية تعمل على دراسة الخطة الشاملة لمشروع التعداد الإلكتروني والخطط المرحلية ومتابعة تنفيذها، والعمل على توفير الإمكانات والموارد البشرية اللازمة بهدف تذليل الصعوبات والتحديات التي قد تظهر خلال مراحل تنفيذ مشروع التعداد، كما تهتم اللجنة بمشروع نظام العنونة الموحدّ بالسلطنة والذي يشرف عليه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات وبالتنسيق والتعاون مع الجهات الحكومية المعنية، الأمر الذي يتطلب تطوير قاعدة البيانات المركزية لهذا النظام، مما سيسهل حصول مختلف المؤسسات الحكومية على المعلومات والبيانات المتوفرة وربطها بالأنظمة الموجودة لديها.

وفي هذا الصدد تؤكد اللجنة أن مشروع نظام العنونة يعتبر من المشروعات الاستراتيجية المهمة للسلطنة، حيث يمكن من خلاله الانتقال من العنوان الوصفي إلى العنوان الرقمي لتسهيل الاستدلال على موقع مساكن الناس في كافة المحافظات وإيجاد بيئة وآليات تساهم في استخدام العناوين الصحيحة بالإضافة إلى تهيئة السلطنة لنمو الأعمال الإلكترونية.

إن نتائج التعداد المقبل 2020 سوف يكشف المزيد من البيانات المهمة المتعلقة بالنمو السكاني واحتياجات الأفراد للمشروعات التي يجب تنفيذها خاصة في مجالات المعرفة والتقينات الحديثة. فعدد السكان في السلطنة في تزايد مستمر حيث بلغ عدد السكان وفق بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في الشهر الأول من العام الحالي أكثر من 4.6 مليون نسمة، بحيث يشكّل الوافدون حوالي مليوني شخص من هذا العدد، فيما من المتوقع أن يتجاوز عدد سكان السلطنة 8 ملايين نسمة بحلول عام 2040، أي بزيادة قدرها 3.5 مليون نسمة تقريبا.

وخلال السنوات الماضية شهدت السلطنة نموًا سكانيًا ثابتًا، بينما ستشهد البلاد خلال السنوات المقبلة نموًا مطردًا وفق آراء بعض الخبراء، حيث ساعدت التطورات التكنولوجية في مجال الطب الإنجابي على معالجة قضايا الخصوبة الناجمة عن نمط الحياة.

كما تمت معالجة الكثير من الأمور الأخرى المرتبطة بالبرامج التي تؤدي إلى الزيادة السكانية والابتعاد عن الأمراض من خلال تنفيذ برنامج زواج الأقارب.

ولا شك أن تلك المناهج المتطورة المتبعة تعمل على معالجة معظم مشاكل العقم في الذكور والإناث، وتؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة ثابتة في النمو السكاني، وحتى الآونة الأخيرة لم تكن فئات كبيرة من السكان قادرة على الحصول على أفضل جودة عالمية في علاجات الخصوبة، إلا أنه من خلال تنفيذ تلك البرامج تم تدارك الكثير من الحالات التي كانت تحتاج إلى المعالجة.

ولا شك أن التعداد القادم سوف يتواكب مع الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020 في الوقت الذي سوف يبدأ بعده تطبيق الرؤية المستقبلية 2040 اعتبارا من أول عام 2021. وهذا بالطبع يزيد من أهمية هذا التعداد على جميع المستويات الإدارية والتخطيطية والتنفيذية، ويتطلب في الوقت نفسه بذل مزيد من الجهود والتنسيق والتعاون بين كافة الوحدات والجهات الحكومية، وبينها وبين فرق العمل التي سوف تقوم بالمشاركة في هذا العمل الوطني بالإضافة إلى تعاون المختبرات المتخصصة لتحليل النتائج على أسس علمية.

إن التعداد السكاني الإلكتروني تم تنفيذه في عدد من الدول العربية خلال السنوات الماضية ومنها دولة الكويت الشقيقة، ويأتي ذلك في إطار التطور الديموغرافي في دول مجلس التعاون الخليجي. وأسئلة استمارة التعداد الإلكتروني سوف لا تختلف كثيرا مما تورد في التعداد الميداني التقليدي، إلا أن استمارة التعداد الإلكتروني مرتبط بالموقع المركزي للإحصاء، الأمر الذي يتطلب اتخاذ الإجراءات التقنية اللازمة لجمع البيانات المطلوبة.

ويرى المسؤولون في الدول التي تم العمل به من خلال التعداد الإلكتروني إلى أن تجربتهم باستخدام هذا الأسلوب وفرت عليهم الكثير من الجهد البشري والمالي، وأن نسبة الذين استجابوا لهذا الأسلوب كان متقدما. ويبقى الأمر متعلقا في بذل جهد علمي في عملية تحليل تلك البيانات للاستفادة منها في المجالات والقطاعات المختلفة، وما يتطلب العمل به لتنفيذه خلال السنوات القادمة لتحقيق المزيد من التنمية المستدامة للمواطنين، وتحقيق الأهداف والأولويات الوطنية.

فنجاح خطط وبرامج التنمية الوطنية في أي دولة سواء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، أو الصحية والتعليمية والثقافية والخدمية بمفهومها الواسع، يعتمد في جانب كبير منه على كفاءة عمليات التخطيط في مختلف القطاعات، بجانب ضرورة وجود رؤية شاملة ومتكاملة وذات أولويات واضحة ومحددة للاستفادة من الإمكانات الوطنية المتاحة، وأفضل السبل التي يمكن أن تحقق ذلك في فترة وجيزة من الزمن، وهذا ما يرمي إليه العمل المستقبلي من خلال تنفيذ التعداد الإلكتروني للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2020.