الملف السياسي

التحركات العمانية.. ركيزة للاستقرار والسلام في المنطقة

05 نوفمبر 2018
05 نوفمبر 2018

د.أحمد سيد أحمد -

شكلت سلطنة عمان خلال العقود الماضية محور ارتكاز في تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وارتكزت جهود السلطنة في نشر ثقافة التنمية والسلام في مواجهة ثقافة العنف والصراع والحروب، فقد تدخلت السلطنة في الكثير من الأزمات والصراعات المشتعلة في المنطقة وساهمت في نزع فتيل تلك الأزمات وإطفاء تلك الحرائق.

وهناك العشرات من الأزمات والصراعات التي نجحت السلطنة من خلالها في تحقيق الأمن والاستقرار والتسوية السلمية للنزاعات ومنعها من التحول إلى حروب. نجاح سلطنة عمان في الوساطة وتحقيق الأمن والاستقرار ومعالجة الكثير من الأزمات يرجع لعدة اعتبارات.

أولها: ترتكز فلسفة السلطنة على أن تكلفة السلام أقل كثيرا من تكلفة الحروب والصراع، وأن الاستقرار والسلام هما الطريق لتحقيق التنمية والتقدم والتطور وتوظيف الموارد الطبيعية والبشرية تجاه تحقيق الازدهار الاقتصادي، بينما تقود الصراعات والحروب إلى القتل والدمار وتعيق فرص تحقيق التنمية حيث يتم توجيه الموارد إلى الحروب، وأن الحروب لا يوجد فيها كاسب وخاسر، وإنما الكل خاسر من الحروب والصراعات، كما ترتكز فلسفة السياسة العمانية على أهمية إعلاء ثقافة قبول الأخر والتعايش بين الأطراف المختلفة، على ثقافة الكراهية والتعصب والتي تقود إلى الصراعات والدمار، كما تؤمن السلطنة بأن منهج الحوار والتفاهم المباشر بين أطراف الصراع هو السبيل لإنهاء الأزمة وتحقيق السلام.

ثانيها: تتسم السياسة الخارجية العمانية بالموضوعية والحيادية واحترام قواعد القانون الدولي وعدم التدخل في شؤون الآخرين والمحافظة على وحدة وسيادة واستقرار الدول، كذلك الوساطة الموضوعية التي لا تنحاز لطرف على حساب طرف أخرى وإنما تقف على مسافة واحدة من كل أطراف الأزمة، كما أن جهودها في الوساطة صادقة ومخلصة وتستهدف تحقيق السلام وليست أية أهداف أخرى، وهو ما أكسبها المصداقية لدى جميع الأطراف وساهم في نجاح مساعيها في الوساطة وحل الأزمات، ولذلك تحظى السلطنة باحترام جميع دول العالم، وقد أشادت المنظمات الدولية ومنها الأمم المتحدة بدور السلطنة المحوري في تحقيق السلام ودعم دبلوماسية الحوار والتفاوض والتي أعطاها ثقلا كبيرا، مما جعلها قبلة لأطراف الكثير من الصراعات والأزمات بحثا عن الحلول السياسية.

وقد برزت جهود السلطنة في الملف النووي الإيراني عام 2013 عندما استطاعت الدبلوماسية العمانية جمع الأطراف المختلفة إلى طاولة المفاوضات والتقريب بين وجهات النظر المتعارضة وساهم ذلك في التوصل إلى الاتفاق النووي أو ما عرف بخطة العمل المشتركة بين إيران والدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن، الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا إضافة إلى ألمانيا عام 2015 ، وساهمت الجهود العمانية في منع اندلاع حرب جديدة بسبب الملف النووي الإيراني. وفي الملف السوري دعمت السياسة والدبلوماسية العمانية كل الجهود لتحقيق تسوية سلمية للأزمة تنهي كل صور المعاناة التي يعيشها الشعب السوري منذ سنوات، ما بين لاجئ وقتيل إضافة إلى تدمير البنية الأساسية، ودفعت عمان في اتجاه تحقيق التسوية السياسية القائمة على حل توافقي يجمع كل السوريين ويحقق التعايش فيما بينهم ويحافظ على وحدة الدولة السورية والعمل على تخفيف معاناة الشعب السوري، وقد لعبت عمان أيضا دورا مها في مساعدة الشعب السوري من خلال المساعدات المالية والعينية وذلك في إطار إنهاء هذه الأزمة المستعرة والتي أدت لتداعيات خطيرة. وعلى عكس أدوار دول أخرى منخرطة في الأزمة السورية سواء كانت قوى إقليمية ودولية، والتي تدخلت لتحقيق أهداف وأجندات خاصة بها وبمصالحها، فإن سلطنة عمان اتسمت سياستها تجاه الأزمة السورية بالحيادية والانحياز لمصلحة الشعب السوري والعمل على مساعدته في تجاوز محنته. كما لعبت الدبلوماسية العمانية دورا مهما في العديد من الملفات الأخرى في المنطقة والعالم، كما هو الحال في الأزمة اليمنية وفي الأزمات العراقية والأفغانية والصومالية وغيرها من الأزمات والمشكلات التي كانت السلطنة تمثل فيها صوت العقل والحكمة والسلام والعمل على تحقيق الاستقرار.

وفى سياق جهود السلطنة المستمرة في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام جاءت زيارة كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو للسلطنة في نهاية شهر أكتوبر الماضي، في إطار ما تقوم به السلطنة من محاولات ودور فاعل في إنهاء هذا النزاع التاريخي الذي زاد على سبعة عقود ومحاولة لحلحلة حالة الجمود التي يعيشها منذ سنوات طويلة بعد فشل كل مبادرات وجهود السلام السابقة سواء من جانب الأطراف الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا أو من جانب المنظمات الدولية. وتنطلق رؤية السلطنة في تحريك حالة الجمود تلك من أن استمرار غياب عملية السلام وغياب حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يرتكز على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحل عادل لقضية اللاجئين، سوف يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، لأن القضية الفلسطينية تظل هي مفتاح الاستقرار في المنطقة، كما أن حل القضية الفلسطينية بشكل عادل يخدم مصالح جميع الأطراف ويحول هذا الصراع التاريخي إلى حالة من التعاون والتنمية.

ولذلك تكتسب جهود السلطنة مصداقية عالية ويمثل دورها في تلك القضية أهمية كبيرة لما تتسم به السياسة العمانية من إطار واضح يحكمها يرتكز على أهمية المفاوضات والحوار وضرورة إحداث اختراق حقيقي لعملية الجمود وضرورة إنجاز السلام في الشرق الأوسط. ولاشك أن السلطنة تحكمها ثوابت واضحة في الدفاع عن القضايا العربية ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وقدمت السلطنة مساعدات كبيرة في مجال العمل الإنساني من أجل تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، كما أنها دافعت عن الحقوق الفلسطينية في كافة المحافل الدولية خاصة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وأكدت دوما على أهمية تحقيق السلام العادل والشامل الذي يقود إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

نحن نعيش الآن في ظل عالم مضطرب تسوده الصراعات والحروب وتتصاعد فيه ثقافة الكراهية والتعصب وصعود الأحزاب والحركات اليمنية المتطرفة في الغرب والدول المتقدمة، وتعاني منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات من صراعات وحروب طاحنة كما حدث في العراق ومازال مستمرا في سوريا واليمن وليبيا والصومال، إضافة لانتشار خطر الإرهاب والتنظيمات الإرهابية المتطرفة. ووسط كل هذا يبرز دور السلطنة كممثل لتيار الحكمة وصوت العقل وقائد لتيار السلام وداع إلى التنمية والازدهار. ولذلك فإن الدور العماني يشكل أهمية كبيرة في تسوية تلك الصراعات والأزمات وإطفاء الحرائق المشتعلة، بما تمتلكه السلطنة من مصداقية وموضوعية وأفكار خلاقة للخروج من تلك الأزمات.

تجربة العشر سنوات الماضية التي مر بها الشرق الأوسط من الاضطراب والصراعات وتزايد أدوار الأطراف الخارجية وتصارع مصالحها وأجنداتها، وحجم الخراب والدمار الذي شهدته العديد من دول المنطقة، كلها تؤكد أن الخاسر الأول من تلك الأزمات هو الشعوب وأن المخرج الوحيد من تلك الحالة هو اللجوء إلى صوت العقل والحكمة وضرورة تحقيق السلام وتثبيت أركانه وتحقيق المصالحة المجتمعية بين أطراف الصراعات خاصة أن أغلبها صراعات وحروب أهلية بين أبناء البلد الواحد، كما تبرز أهمية الدور الدولي في المساعدة في إنجاز التسويات السياسية ومساعدة شعوب تلك الدول التي تشهد حروبا مستعرة على تحقيق التنمية، ولذلك فإن سلطنة عمان تعد ركيزة الأمن والاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط.